يجب على المرء ألا يخلط بين الخلاف والاختلاف، فهما شيئان مختلفان. نحن بحاجة للاختلاف، ولكن يجب أن نسعى جاهدين لتجنب الخلاف (النزاع). إن الاختلاف هو أحد الركائز الأساسية للحياة وهو موجود في كل مكان. إنه موجود فينا، وفي كل شيء من حولنا. إن طريقتنا في التصرف كبشر تختلف من شخص لآخر. أنت قد تكون شخصاً هادئاً وقد أكون أنا شخص مزعج، أو أنا قصير القامة وأنت طويل القامة، أو ربما أنت شخص سخي، وأنا لست كذلك، وهلم جرا. هذه الاختلافات هي جزء من الحياة، ولا يمكن للعالم أن يعمل أو يستمر إلا بسبب هذه الاختلافات. فالاختلاف مكمل للحياة، وباعث للتطور والتقدم والاختراعات والإبداع. وفي الواقع الاختلاف فيما حولنا يوفر لنا الكثير من الخيارات.
في الإدارة، لدينا أنماط مختلفة من الإدارة تستند إلى الكفاءات والخصائص المختلفة لبني البشر، فترى مديراً شديداً، وآخر عطوفاً، وثالثاً يقدر الظروف، ورابعاً منصفاً. هذه سلوكيات مختلفة ومتفاوتة للبشر، وهي جزء طبيعي من الحياة. لا أحد يتوقع أن يتصرف جميع الناس بنفس الطريقة.
أما على الجانب الآخر، فإنّ الخلاف أو النزاع هو أحد معضلات الإدارة الكثيرة، التي تحدث كل يوم، وتأخذ الكثير من جهد ووقت المدير. تحدث النزاعات والصراعات على جميع مستويات الإدارة، سواء كان على مستوى الإدارة التنفيذية أو الإدارة المتوسطة وكذلك على مستوى فرق الإدارة الأقل مرتبة، حيث تمر الإدارة بمجموعة من الصراعات على أساس يومي. عادة ما تكون تلك الصراعات مرتبطة بالعمل أو بالأعمال التجارية؛ ولكن جزءاً لا بأس به منها يكون صراعات شخصية. الصراعات التي تتعلق بالأعمال، وهي ما أستطيع أن أسميه هنا «الصراعات الإيجابية»، هي تلك المرتبطة باختلاف الآراء فيما يتعلق بفهم أو تفسير الأمور ذات الصلة بالعمل. وهذا هو السبب في حاجتنا إلى مهارات إدارة جيّدة للتعامل مع هذا النوع من الصراعات. تحتاج هذه الصراعات في أكثر الحالات إلى حل، من خلال توفير حلول تعزز احتياجات العمل. هذه الصراعات تقدم فرصة للإدارة للحصول على أفكار مختلفة، وتوفر حلولاً تهدف إلى تطوير أعمال الشركات ومنظمات الأعمال .
الأنواع الأخرى من الخلافات هي الخلافات الشخصية، فهي تتعلق بسوء فهم أو تفاهم بين الموظفين على قضايا شخصية يصعب حلها، أو لا يمكن حلها إلا على حساب رضا طرف واحد، أو ربما عدم رضا جميع الأطراف، إذا لم يتم التعامل مع هذه الصراعات بطريقة صحيحة.
يحتاج المدير حقاً لأن يكون لديه فن حل الخلافات والنزاعات. هذه الخلافات هي في نهاية المطاف، مشاكل تحتاج إلى حل. لقد أشرنا في مقال سابق إلى الحاجة لوجود المشاكل لأن المشاكل هي السبب الوحيد لتوفير حلول لمختلف أصحاب المصلحة في أي شركة. إن الطريقة التي يتم بها حل مختلف النزاعات في أي شركة، تعبر بشكل دقيق عن أساليب الإدارة. يمكن أن يشمل الحل النهائي للصراع أو الخلاف توفير حلول لممارسات الإدارة، بما في ذلك تحسين وتعزيز السياسات القائمة.
وكلما كانت الشركة كبيرة، كلما كانت أمور الخلاف أكبر، وذلك يرجع إلى حقيقة أن الأشخاص المعنيين في الشركات الكبيرة، قد يكونون من جنسيات مختلفة، لهم عادات وأساليب مختلفة في الإدارة وأساليب العمل. وبالتالي من أجل حلها نحتاج لأن نضع في الاعتبار مجموعة كثيرة من الأمور، التي قد تكون هي أسباب الصراع أو الخلاف. وأول هذه الأشياء هي أن نفهم ماهية الخلاف بالضبط، وكيف نشأ، وما هي أسبابه، وما هي نتائجه؟ ومن هم الأشخاص المعنيون؟ وما هو المستوى الإداري الذي وصل إليه الخلاف؟
وكلما كان مستوى الإدارة الذي وصل إليه الخلاف أعلى، كلما تطلب جهوداً أكبر لحله. ولذلك من المهم أن يكون المدير على علم تام بالخلاف وأسبابه، والأشخاص الذين يشاركون فيه، والأسباب التي تدعو للوصول إلى حل ناجح. ولنتذكر بأن هذه الخلافات قد تنشأ نتيجة سوء تفاهم بسيط يتعلق بأمور العمل والنشاط التجاري، أو يمكن أن تتعلق بأمور أكثر صعوبة، مثل تلك التي لها علاقة باستراتيجيات أو سياسات العمل. في القسم الثاني من هذا المقال سنتحدث عن أنواع الخلافات وطرق معالجتها.
إقرأ أيضا لـ "صالح حسين"العدد 5203 - الأحد 04 ديسمبر 2016م الموافق 04 ربيع الاول 1438هـ