في هذا العالم هناك أزيد من 3000 قناة فضائية. يملك العرب ما يزيد على الـ 700 قناة. هذه القنوات ضَرَبَت الصحف الورقية بما فيها واسعة الانتشار. ففي اليوم الذي تصدر فيه صحيفة ما وتنشر تقريراً محدداً ينطوي على معلومات وتحليل عميق، كان قد سبقها عَرضٌ مماثلٌ (ربما أقل جودة) ولكن عبر التلفاز، يُعاد بثه بالصوت والصورة. كم هو عرض مثير وجذاب.
فالتلفزيون خاضع أساساً للصورة. وهذه الأخيرة هي كتلة من التعبيرات والمشاعر، التي هي أصلاً تقود 90 في المئة من صناعة التأثير المرئي على الناس. وعندما تستطيع أن تأسِر انتباه مشاهد ما إلى صورة ما، فإنك تستطيع أن تُمرِّر له أفكاراً سريعة ومعلومات موجهة لنصف دقيقة كي يعرف علماء النفس والاجتماع. إنه مكسب.
من هنا، ضاعت أخبار القراطيس وأصبحت في مقعد خلفي. لكن ظهر مَنْ يأكل التلفاز الآن. إنها وسائل التواصل الاجتماعي، التي قال عنها أحد الكتاب إنها اجتاحت القلاع والحصون «الرملية» التي بنتها الصحافة الكلاسيكية، وبذلك باتت القنوات التلفزيونية والصحف تحاكيها من باب المجاراة التي «قد» يُسمَع خلالها صوتنا الغائب ولو في جزء منه.
وسائل التواصل الاجتماعي حازت ثلاثة أشياء: الصورة والواقع والوقت المرن. الصورة هي المشاعر. والواقع هو الحقيقة. والوقت سيعني الزمن الذي أتحكم في استثماره متى ما أردت. وسط هذا الضجيج والسّيل الذي لا ينتهي تغيَّرت قواعد كثيرة حَكَمَت التلفزيون والصحف، وتحديداً الصحف التي تعيش ظروفاً سيئة في مجال حرية التعبير في الكثير من دول العالم الثالث.
فالكثير من الأنظمة السياسية المغلقة والتي تخشى من الحريات العامة باتت «صحفها» تعيش كساداً لا نظير له، وأصبح صوتها مبحوحاً لا يسمعه أحد. بل ويُتَهَكَّم منه حتى، كونه إعلاماً ثنائيّاً في أبعاده، ولا يتضمَّن أي زوايا مكانية مختلفة ولا تفصيلاً ولا تركيباً ولا إحالة، الأمر الذي جعل الآذان تُصَمّ عنه وبالتالي لم يعد قادراً على إحداث فجوة في مجموعة الجُدُر التي أمامه.
لقد وَجَدَتْ هذه الصحف رأياً داخليّاً وعالميّاً عامّاً مختلفاً تجاوز كل الأطر التقليدية التي كانت تحتكر توجيهه وتمارس عليه دور «الأبوَّة» الصارم بعد أن دخلت عليها موجات لا تنتهي من الرياح المؤثرة التي لم تستطع الحدود الجغرافية ولا «مقص» الرقيب أن يتصدَّى لها وكأنها جائحة من الجراد.
للأسف، غاب عن هذه الأنظمة أن هذا الخطاب الإعلامي السيئ والمتخلف هو نِتاج طبيعي لخطاب سياسي متخلف، لا يؤمن بالنقاش «الصلب» بشأن قضايا الدولة والحكم والمجتمع، وليس نقاشاً مختاراً بشأن مسائل الخدمات العامة واستيراد المواد الغذائية. لذلك ظلَّت المعالجات ضعيفة تارة عبر الاندفاع نحو الأمام عبر استجلاب «قضايا الخارج»، وتارة عبر سياسات التلميع والترقيع الرتيب.
لم يعد الناس قادرين على تقبُّل الأخبار الجاهزة والمكتنزة بالمديح والثناء ووصف الآخر «الخصم» بأقذع الأوصاف، وبالمزايدات على الأوطان وتحبير الأصوات والأقلام؛ كي تكتب أخباراً ومقالات رأي على ألمع القراطيس وأكثرها جودة وثمناً في حين أن محتوى المادة المكتوبة هو قروسطي متخلف.
نعم، قد تمرَّر مثل هذه الرسائل على الجماعات الساذجة الأقل ثقافة أو التي صنعتها الأنظمة وفق مقاسات طائفية وعرقية وامتيازات، أو تلك التي غُيِّب جيلها عن التعليم والثقافة خارج المؤسسات التعليمية، لكن الأكيد أن هؤلاء لا يصنعون المشهد، بل وغير قادرين على تحريك مكعّب واحد من الصورة. لذلك، ترى التأثير وكأنه صدى مرتجع، بمعنى أنه ذو مسار واحد وقصير ومرتد في آن.
هؤلاء يفشلون بعد أن تتكسَّر الأقلام التي صنعوها وفق معادلة «الحقيقة الواحدة». وكان يمكنهم أن يتقاسموا شطراً مهمّاً من الصدقية مع خصومهم بطريقة بسيطة جدّاً. إنها باختصار تقوم على معادلة: أخطئ مثلكم «وقد» أصيب كما أنتم. هذه «النسبية» مهمّة؛ كي تجعل صوتك مسموعاً. أن أكون مخطئاً في نصف ما يجري، لكنني سأكسب النصف الآخر وأظهر أنني مصيب فيه.
نعم، من المهم أن تتعلّم تلك الأنظمة أن تجعل صحفها «تعترف» بضعف كبير هنا، وقصور لا يغتفر هناك، وبضرورة التغيير هنا، وبحتمية المحاسبة والعقاب هناك. هذا المنطق كفيل بأن يجعل الآخرين يستمعون إليها، بل ومناقشة خصومها في «مسلّماتهم»؛ لأنها أظهرت نفسها أنها لا تمتلك «كل» الحقيقة. هذا مهم كي تتغيَّر الصورة النمطية التي صمّت الآذان عنها.
لم يعد هناك قبولٌ تجاه مادة مكتوبة، عنوانها ومقدمتها وجسدها وخاتمتها بذات المحتوى المضاد، وبذات الرؤية والهدف، وكأنك تريد أن تقول كلمة واحدة فتنطق حروفها الثلاثة، وتجعل حرفها الأخير حتمي الظهور حتى لو لم تنطق به. هذا النوع من الإعلام لا يلائم القرن الحادي والعشرين، ولا موجة التغيير الهائل التي رافقت نظام الاتصال والتواصل في العالم، والذي خلق حساسية شديدة تجاه المحتوى.
من هنا بات من الحتمي أن تتمرّن الأنظمة على أن تقول عبر صحفها «إننا مخطئون هنا» كي يحققوا مكاسب في مكان آخر. أما إذا ظلت العقلية السياسية والإعلامية بالصورة السابقة، فلن يتغيَّر موضع نَرْد واحد على الورق.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5203 - الأحد 04 ديسمبر 2016م الموافق 04 ربيع الاول 1438هـ
ف الحقيقة قد لا تختلف الصحافة الورقية عن المرئية كثيرا
حيث يمكن القول ان الشريحة العظمى صوتها او من يتوب عنها غائب وكل من يديرها يسييرها ع مشتهاه ...
فالتواصل الاجتماعي يحمل صوتي واراي وافكاري وكل ابداعاتي
استطيع ان اعترض اصرخ عما ف ثدري يكتظ واعبر عن افكاري بصوت مرتفع ..
اريد ان اقول للعالم اجمع اني موجود
أصبت
جربت أقرأ مقالات للبعض........ فلم اتحمل أن أعيد التجربة
ضربنا عن قنواتهم صفحا..هم صوب واحنا صوب اذا اصحاب الفتن والعقارب اصبحوا مقدمي برامج
ما لنا ومال قنواتهم:
قنوات لا تبثّ الا النفاق والتزلّف والمواد الباصقة هل تستحق متابعة؟
اصبحت القنوات العربية والخليجية بالذات قنوات مقرفة ومقززة في برامجها فمن يشاهد البرامج المفيدة في بعض الدول يرى انه يستحمر عقله ويضيع وقته في متابعة هذه القنوات الفاشلة
الخلاصة ((من المهم أن تتعلّم تلك الأنظمة أن تجعل صحفها «تعترف» بضعف كبير هنا، وقصور لا يغتفر هناك، وبضرورة التغيير هنا، وبحتمية المحاسبة والعقاب هناك. هذا المنطق كفيل بأن يجعل الآخرين يستمعون إليها، بل ومناقشة خصومها في «مسلّماتهم»؛ لأنها أظهرت نفسها أنها لا تمتلك))
بصراحة الوسط لانها مصداقية من بين كل الصحف وعندها جمهور كبير وحتى الي يخالف معها في الرأي يتابعها باستمرار ويعلق ونشوف تفاعل المعلقين معها في مواقع التواصل الاجتماعي اكثر من اَي صحيفة بحرينية اخرى