ربما لم أتابع كما يجب قضية التأمينات في هذه الايام ومختلف ردود الفعل المحلية ازاءها... ولكن هل بالفعل «الحكومة» التي تعرف كل صغيرة وكبيرة، فاتها أو فوت عليها القدر كشف الفساد الذي اكل وشبع واتخم من المال العام في هيئة مهمة تضطلع بدور خطير في حفظ مقدرات شعب طيب، كالشعب البحريني «الكادح» اذ لم يرتدع «اللصوص» من سرقة عرق الفقراء ذوي الدخل المحدود طوال السنوات الماضية؟!
مرت سنوات وعقود طويلة كان فيها الحديث، مجرد الحديث عن شأن يخص الدولة «كالفساد» أو مراقبة المال العام امرا غير وارد، لا يخص المواطن، ومحرما عليه الخوض فيه حتى نخر الدود جذع الشجرة وفرخ بجوفها بيضه الخبيث؟؟ المشكلة الآن ليست في «الدود» الذي ستتكفل به اللجنة التي امر بتشكيلها الملك المفدى، فليس الامر مقتصرا على رش مبيدات حشرية تنهي المشكلة مؤقتا... المشكلة الحقيقية في جذع الشجرة المنخور «جهاز التأمينات» اذ من المؤكد حسبما نرى ان الدود المخرب قد توالد بالاستنساخ المتسلسل وحزم حقائبه وفرخ في اجهزة حكومية اخرى تعيش المشكلة ذاتها و... «يا غافلين لكم الله».
من يعرف بعد هذه السلسلة من الفضائح إلى اين ستصل في هذا العرض الدرامي المشحون بالغموض وفي فترة سياسية دقيقة يجمعها التوقيت.
الهاجس الذي يؤرق رجل الشارع البحريني في الظرف الراهن هو جرأة هذا الوزير الفلاني في كشف المستور في هذا التوقيت بالذات وكأنه جاء نتيجة صحوة ضمير طارئة او ان «علي بابا» نظف المغارة من الاموال وخرج إلى الشارع يصرخ مبرئا نفسه من الذين سرقوا البلاد والعباد مطالبا بالعدالة ليتألق نجمه في سماء الشفافية البحرينية!
نسوق هنا في واجهة الكلام «افتراضات» وليس اتهامات مباشرة لهذا الطرف او ذاك، افتراضات نسوقها في طرحنا محاولين التفكير بصوت مسموع بغية كشف ملابسات القضية وتعرية الذين يتخفون خلفها ومن ساهم في التستر عليهم طوال هذه السنوات من دون حساب.
يهمنا الآن معرفة هذه اللجنة التي ستحقق في الفضيحة، ما هي حدود صلاحياتها وإلزامية قراراتها ان كانت مخولة باصدار سلطة القرار واستقلالية هذا القرار عن تأثيرات السلطات الرسمية، فمن المهم توضيح مثل هذه المنحنيات الدقيقة حتى نطمئن على وجودنا فعلا في دولة المؤسسات والقانون. لا يكفي ان يعترف مسئول او وزير بخلل ما في مؤسسة رسمية، ينبغي ان يكون كل موظف عينا للحق يتمتع بالشجاعة والصدق ليقول ما هو مسكوت عنه مع ضمانة عدم المساس به وظيفيا او ازعاجه، فهناك ضمائر ميتة هنا وهناك تستولي على مقدرات المواطنين باسم القانون لا ينبغي السكوت عنها لتكون عبرة لغيرها.
نأمل ان تسير وقائع هذه القضية نحو طريق واضحة المعالم تخاطب الرأي العام المحلي بصدق الشعار المرفوع «خطاب الشفافية» وألا يكون ما حصل مجرد دعاية سياسية موسمية لإسباغ الصدقية على اطراف بعينها او عمل مكياج لوجه نخره الدود.
محاسبة كل الضالعين في قضية التأمينات باتت قضية وطنية يعول عليها المواطن ويترقب ما يتمخض عنها بفارغ الصبر بشرط ألا تتحول القضية إلى ما يشبه قضايا الزواج في جهازنا القضائي، زوجة مضروبة في مجتمع ذكوري وعاجزة عن اثبات حقها ومظلوميتها ازاء زوجها المتفرعن صاحب السلطة الاقوى... بعون الله نكشف الحقيقة حتى لا يصبح فلان دون فلان فوق القانون، هذا اذا اردنا فعلا ان تكبر بذرة ديمقراطيتنا الوليدة في اجواء صحية تفعّل خيار الملك والشعب.
البحرين - احمد المؤذن
العدد 29 - الجمعة 04 أكتوبر 2002م الموافق 27 رجب 1423هـ