إن إقامة أربع مدن سكنية جديدة في البحرين بما فيها مدينة شمالية خطوة عملية اقتصادية تسير في الاتجاه الاقتصادي الصحيح، وهي خطوة لا يمكننا إلا ان نباركها، ونشد على ساعد القيادة السياسية في دعم مثل هذه المشروعات التي ستعمل على امتصاص ولو جزء يسير من حال الفقر المتراكمة وخصوصا في هذه المناطق وغيرها من مناطق البحرين التي مازالت تتأمل خطوات اقتصادية جادة وفاعلة لرفع مستوى معيشة المواطن البحريني، والتي أصبح منها هذا المشروع النهضوي العمراني، فهو مشروع حيوي يستحق الدعم والمباركة من الجميع، كما انه يأتي أيضا في سياق الوعد التاريخي المقنن من قبل عظمة الملك (حفظه الله) برفع مستوى معيشة المواطن كي يصبح في مستوى مواطني دول الجوار. وكل ذلك مرهون بتعاون الجميع إذ يقع على عاتق المسئولين في الدولة والوزارات حمل هذا الهم الذي أصبح جزءا من استراتيجية الملك؛ وذلك بالإسراع في تحقيق طموحاته، والشد من أزره، والمساعدة الجادة في دفع عجلة التنمية المجتمعية والاقتصادية والسياسية التي يتطلع إليها عظمته لتوفير حياة كريمة للمواطن البحريني.
وأيضا بمساعدته في طموحه الكبير للحد من الفساد الإداري والمالي المتراكم سنين على قلب بعض وزاراتنا التي عمل (الفساد) على تصلب شرايين الأجهزة الإدارية فيها فأوقعها لتقترب من الإصابة بالجلطة الدماغية بعد ضعف قلبها المهدد بالسكتة القلبية.
يجب علينا جميعا ان نضع أيدينا في يد عظمة الملك لمواجهة الفساد الإداري والمالي في مؤسساتنا الوطنية وألا نألوا جهدا في ظل هذه الشفافية التي أصبحت ضمن رعايته مباشرة في أن نوصل إليه صوت أي متضرر في المجتمع يشعر بالغبن الاجتماعي أو الاضطهاد الأكاديمي وغيرهما.
لا أحد يستطيع ان يتنكر للمكتسبات التنموية والاقتصادية والعمرانية في هذه المملكة، وان هناك انجازات كبيرة مازالت تصب في صالح المجتمع، ولكن ما يعوق وصول بعض هذه الانجازات لتلمس حاجات الناس، ونبض الشارع ما يسبب ضبابية الصدقية هو وجود الطبقة الفاسدة التي تكدست وتكلست وحالت دون وصول وضخ الدماء من القلب (الدولة) إلى الأطراف (المجتمع).
فالدولة تعمل لأجل تمتين وتقوية جسور الثقة بين المواطن والسلطة فهي تضخ ملايين الدنانير في ذلك لأجل صالح المواطن ولتدعيم سياسة الاستقرار السياسي والأمن المجتمعي ولكن وجود الفساد في الأجهزة الإدارية في بعض الوزارات وبعض المؤسسات الوطنية والجامعات وغيرها يحول دون وصول البعض من هذا الدم الاقتصادي والضخ القانوني إلى المواطن. فالدولة تقدم جَمَلا إلى المجتمع غير انه يصل عصفورا. واعتقد ان الدولة شعرت بذلك، وما قيامها بتأسيس (لجنة للرقابة الإدارة والمالية) إلا دليل على ذلك، وما تصريح نائب رئيس لجنة الرقابة الإدارية والمالية نبيل إبراهيم عند قوله في الكلمة التي ألقاها في الملتقى الثقافي الأهلي: «هناك قضايا كثيرة من الفساد وحدّث ولا حرج، ولو أردنا ان نتحدث عنه لاستغرق ذلك عشر سنوات» إلا دليل آخر يدعم نظرية ان هناك فسادا تجب محاربته وذلك عندما نعمل سويا على فضح مثل هذا الفساد ليس (حبا للنقد) و(التشويه)، و(عدم الوطنية) وغيرها من مقولات بعض الكتّاب الذين أصبحوا لا يعتاشون إلا على دق اسفين الوقيعة بين السلطة ودعاة الصحافة الحرة والنزيهة من ذوي الأقلام الإنسانية والوطنية التي مازالت تعمل باتجاه ايصال صوت الناس والمتضررين، وممن وقع عليهم ضرر ليس السلطة وإنما بعض المتنفذين من الصف الثالث والرابع في المؤسسات من السلطة، والذين وجدوا في كشف ما هو مستور للدولة إلغاء لكل الدكاكين الشخصية وكل المشروعات الذاتية التي جاءت على حساب سمعة الدولة وضرر المواطن البحريني وبقائهم في الوزارات فهم مستعدون إلى تلميع الصورة حتى انتهاء آخر دينار من موازنة الوزارة ولو كان على حساب الأداء المهني وغيره فأخذوا (بعض الكتاب) ينبشون الماضي بتزويرات وليّ عنق الماضي بأسلوب مقتطع تجزيئي فظاهرة البكاء (التباكي) على الوطن وباطنه معاودة لمسّ الجروح التي بدأت تسكن أو هي في طريقها للالتئام.
إن الفساد «لو أردنا ان نتحدث عنه لاستغرق ذلك عشر سنوات» لا يهزه مقال واحد ولا مقالان ولا عشرة مقالات، وذلك النقد ليس كفيلا بايجاد ثقب صغير في جدار الفساد الحديدي الذي بني ليس ضد النقد فقط بل حتى ضد مجنزرات النقد والمساءلة.
وعودا على بدء حتى لا يؤخذ ملف الفساد إلى حيث مستنقعاته التي لا تزيد المراقب إلاّ هما نقول: إن وضع حجر الأساس للمدينة الشمالية يقع ضمن بناء مشروع حقيقي تهدف منه الدولة إلى تقليل الأعباء التي يعانيها المواطن.
وإن الذي يدفع المراقب إلى التفاؤل والارتياح الكبير لمثل هذه المشروعات ان المشرف عليها هو سمو ولي العهد اذ يترأس لجنة الإسكان والإعمار وفي ذلك ضمان لجودة ونوعية هذا المشروع الذي سيقوم باستيعاب 20 ألف وحدة سكنية كفيلة باستعياب عدد كبير من العوائل البحرينية التي مازالت تعاني من حرمان السكن الصحي الآمن وذلك بعد سنين طويلة من طول انتظار وعود وزارة الاسكان التي أصابها ما أصاب غيرها من الفساد المالي والإداري، الذي كانت بدايته المحسوبية والواسطة والعلاقات العائلية، ونهايته توزيع بعض القسائم السكنية والبيوت بطريقة تعسفية من دون مراعاة للسبق الزمني ونسبة تراتبية الفقر لدى المواطن. فكم من عوائل بحرينية مازالت تعاني من بيوت متصدعة وآيلة إلى السقوط والوزارة «يا عين ما شفتي النور»، وليس هذا افتراء وما البيت الذي سقط على أصحابه في العام الماضي أثناء موسم الأمطار في منطقة الدراز إلا دليل على ذلك، وكذلك شقة الأوقاف الجعفرية المؤجرة للمواطن الفقير المعدوم الذي كادت الكهرباء ان تفترس أبناءه وهم يعيشون في قفص ومهددون من قبل أوقافنا المحترمة التي مازلنا لا نعرف عنها وعن بعض إداراتها إلا لقاء في مقبرة أو مأتم مفتوح أو مسجد، إذ أصبحت - وللأسف الشديد - علاقات الاوقاف الجعفرية والشارع البحريني غير حميمة وحتى لا أظلم الإدارة الحالية أقول: إن تاريخ أداء معظم الإدارات في هذه المؤسسة يدعو إلى المساءلة النقدية وعلى جميع المستويات فكما اننا نحتاج إلى لجنة رقابة للفساد المالي والإداري لدى وزاراتنا كذلك الحال لدى هذه المؤسسة فهي تحتاج أيضا إلى رعاية من قبل لجنة الرقابة الإدارية والمالية استكمالا للصدقية التي يعمل لأجل تحقيقها عظمة الملك لجميع المؤسسات التي تقع تحت إشراف الدولة. مع احترامي الكبير لبعض الرموز الأمينة التي مازالت تعمل في هذه المؤسسة والادارات التي ذكرتها سابقا اذ لا تخلو مؤسسة من رموز فساد ورموز عدل.
وختاما نقول: إن النقد الإيجابي الموضوعي هو رهان التغيير الحقيقي في هذه المملكة العزيزة، وهذا ما نراهن عليه، تدعمنا في ذلك المواقف المسئولة لدى السلطة في حربها على الفساد ومساءلتها الدائمة لجميع المؤسسات والوزراء، ودعمها الدائم لجميع الكتاب والصحافيين في صحافتنا البحرينية الحرة النزيهة التي تدعم هذا التوجه وهي في هذا الطريق إن شاء الله.
إن وجود مسئول كبير بحجم سمو ولي العهد الشيخ سلمان في المنطقة الشمالية وزيارته للشيخ عيسى قاسم له دلالة واضحة ومؤشر على الرغبة الكبيرة والثابتة في التواصل بين القيادة السياسية والرموز الشعبية وهي خطوة تستكمل خطوات كريمة كانت قد حدثت ومازالت مستمرة من قبل السلطة والمجتمع ورموزه في سبيل تمتين العلاقات، وتلمس متطلبات المجتمع والاستماع إلى شكواه وهي خطوة جديرة بالشكر والاعتزاز. وكم هي المنطقة الشمالية فرحة ومسرورة بهذا المشروع وصاحبه ونحن هنا نتوسم دائما الخير والبركة ونحن نرى شوارعنا مزدانة يمدها حبنا الوطني المشترك لهذه الأرض ولهذه المملكة وأدام الله كل لقاء محبة لهذا الوطن.
كاتب من أسرة «الوسط
العدد 29 - الجمعة 04 أكتوبر 2002م الموافق 27 رجب 1423هـ