بنبرة منتصرة وكلمات لاذعة كتب البعض يثني على وزارة التربية والتعليم بخصوص اجرائها مع الستين مدرسا ومدرسة الذين لم يلتحقوا بوظائفهم في سلك التدريس، ويصب غضبه على هذه الفئة التي اعتبرها ليست أكثر من فاشل وفاشلة طالبوا بوضع اليد على مقادير وزارة التربية والتعليم ليحققوا أهدافا بعيدة المدى. ومن «ثم التأسيس لهوية وطنية أخرى»!!
نعم. هذه هي فحوى ما يقوله البعض، وهذه هي خطورة الخطاب «التجزيئي» الذي يؤمن بعض مرضى النفوس الذين لا يسعدهم إلا شقاء غيرهم من أبناء وطنهم وكأنهم احترفوا الشماتة بأي مواطن لا يؤمن بأفكارهم غير الإنسانية. انهم يقولون إن هذه الفئة فئة نشاز على المجتمع فئة ضالة، خطيرة مجنّدة تسعى للإطاحة بالنظام التربوي في البلاد، وبالتالي يجب ان يقتلوا او يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، فَلْيُنْفَوا من الارض رحمة بهم وبالمملكة العزيزة.
نعم عزيزي القارئ. إن لم يحالفك الحظ بقراءة أحد تقارير المخابرات في العهد البغيض لأمن الدولة، فها هي الفرصة مناسبة لقراءة بعض منها علنا بعد أن كانت سرية.
فلمصلحة من تأليب الرأي العام على فئة كافحت وسهرت ودرست خمس سنوات في جامعات معترف بها، وأخيرا بعد أن نجحت وحازت على الشهادة الجامعية والإقرار بصلاحياتها لخوض المعترك التربوي، تأتي وزارة التربية، ومن خلال امتحان واحد وهي فترة زمنية لا تتجاوز الساعتين لتقرر بأنهم غير صالحين للتدريس لا تربويا ولا علميا، وبالتالي هم بحاجة لدورات مكثفة في التربية وفي الجانب العلمي المتعلق بتخصصهم، وخلال ذلك ورأفة بهم يعيّنون بعقود مؤقتة على الدرجة الثانية تعليمية؟ وبرواتب متدنية، ومع ذلك - وهذه الطامة الكبرى - يعطون نصاب كامل من الحصص، ويؤتمنون على تدريس فصول دراسية من الطلاب الذين يفترض الاّ يقوم بمهمة تعليمهم إلا من هو مؤهّل من وجهة نظر الوزارة.
فهل من المعقول ان تنسف وزارة التربية والتعليم ومن خلال امتحان لا يتجاوز الساعتين وببعض أسئلة، تنسف كل سنوات الدراسة العجاف في الجامعة بأن زيدا من الناس صالح أو فاشل.
وهل من المعقول إذا كان زيد فاشلا أن يُعطى نصاب كامل من الحصص ليقوم بتعليم أبناء الناس ليكونوا فاشلين وفاشلات كمن قام بتعليمهم «مع ان تقارير الموجهين وإدارات المدارس تقول - حسب اطّلاعي - إن هؤلاء المعينين على الدرجة الثانية ومن خلال الزيارات الصيفية لهم، أكفّاء تربويا وعلميا للتدريس حسب اقرار الجامعات التي تخرجوا منها».
ونتساءل أيضا: لمصلحة مَنْ تهويل المسألة وعرضها بصورة دراماتيكية ممسرحة للإيحاء بأن هناك مخططات وتدبيرات ورغبة في تغيير الهوية الوطنية، وان هناك اناسا تقف وراءهم في تدبيرهم «نظرية المؤامرة»، وان من يساعدهم ويعرض مشكلاتهم وهمومهم إنما هو واقع فرضيات خاطئة. فأين هي الفرضيات الخاطئة، أو ليس ابن الوطن أولى بتعلم اخوانه وأبنائه، أو ليس هو أحق بالنبتة التي ما زرعت إلا بعد أن روت وتشرّبت بعرقه وكفاحه، أو ليس المطالبة بإحضار الأجنبي كخبير فقط للإستفادة من خبراته وليس عاملا أو موظفا عاديا هو شيء منطقي لا ينافي العقل والمنطق، لماذا تحرّف الأمور وتحوّل هذه المطالبة برغبة في مقاطعة الدول العربية والانعزال عن الوحدة القومية وربما خروج عن الدائرة الاسلامية؟.
لماذا يعتبر من لم ينجح في امتحان الوزارة العام - الذي يحضره طالب الوظيفة بنفسية غير عادية - هو انسان فاشل ومغضوب عليه، أو ليست هذه الفرضية هي التي تحتاج إلى اعادة نظر؟
وهنا نتساءل، ولكي لا يطول المقال - وبغض النظر عن كاتب المقال التعبوي السالف الذكر - نتساءل، ما مدى صدقية امتحان الوزارة لطلبة مؤهلين باقرار الجامعة؟وهل الحل فعلا في توظيفهم على الدرجة الثانية وبهذه الرواتب؟ وهل من المملكة أن يتم تعيين من ترى الوزارة بأنه غير مؤهل على الدرجة الثالثة - احتياط - وبعقد دائم، ولكن مع الحصول على دورات تأهيلية حسب الحاجة؟ أتمنى فعلا من المسئولين في وزارة التربية إعادة النظر في هذه المشكلة، لأن رفض «60» معلما ومعلمة للتدريس، إذا كان صحيحا، هو شيء ليس بالهيّن وليس مدعاة للتهجّم عليهم وإنما الحوار معهم للوقوف على الأسباب الحقيقية التي منعتهم من تناول قطعة الرغيف التي طالما حلموا بتناولها في يوم من الأيام
العدد 29 - الجمعة 04 أكتوبر 2002م الموافق 27 رجب 1423هـ