بحسب إحصاءات وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تمثل الجمعيات التي باسم «الخيرية» في البحرين وعددها 104 حتى بداية هذا العام 2016، ما يقارب 18 في المئة تقريبا من منظمات المجتمع المدني، وهي أعلى نسبة بين هذه المنظمات. قمنا بعمل استبيان بصورة مبسطة لمعرفة مدى علم وفهم بعض قادة هذه الجمعيات بثمانية مبادئ مهمة تسميها منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم «مبادئ إسطنبول». معظم الردود كانت للأسف «لا علم لنا بها».
هذه المبادئ المهمة لم تكن وليدة اليوم؛ وإنما يتواصل الحديث عنها منذ مطلع هذه الألفية تقريبا، وبالذات عندما تم الإعلان عنها رسميا في 29 سبتمبر/ أيلول 2010 من إسطنبول/تركيا. هي ثمانية من مبادئ المجتمع المدني، لفعالية التنمية التي تم التوافق عليها من قبل منظمات المجتمع المدني، بناء على عملية استشارة عالمية موسعة. الهدف من تفعيل هذه المبادئ هو أن يصبح لمنظمات المجتمع المدني في العالم، ومنها بالطبع البحرين، دور فاعل ومهم في تنمية المجتمع ككل.
تقع الجمعيات الخيرية ضمن قائمة هذه المنظمات، حيث أنها مؤسسات تطوعية وغير حكومية وغير ربحية؛ ولكنها مبعدة بقصد أو بغير قصد عن المشاركة في فهم وتفهم هذه المبادئ على رغم أهمية بعض هذه المبادئ، وليس جميعها، لعملها وممارساتها في مختلف مجالات العمل الخيري التطوعي، وخاصة المجال التنموي. وهذا ما يفسرعدم علم العاملين في هذه الجمعيات بهذه المبادئ، وذلك لعدم إعطائهم الفرصة للمشاركة وتقديم آرائهم ومرئياتهم وإسهامهم في مناقشاتها.
المبادئ الثمانية
ولكي تعم الفائدة، فإننا سنقوم هنا بسرد هذه المبادئ الثمانية بصورة عامة، ومن ثم التركيز على تلك التي تهم هذه الجمعيات الخيرية، ومدى تطبيقها لأي من هذه المبادئ والعقبات والتحديات التي تواجهها.
المبدأ الأول: احترام وتعزيز حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية: تقوم منظمات المجتمع المدني بوضع وتنفيذ الاستراتيجيات والأنشطة والممارسات التي تعزز حقوق الإنسان الفردية والجماعية، بما في ذلك الحق في التنمية، والحصول على عمل لائق يحفظ الكرامة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة للجميع.
المبدأ الثاني: الحث على الإنصاف والمساواة المبنية على النوع الاجتماعي مع تعزيز حقوق النساء والفتيات: تعمل منظمات المجتمع المدني على تعزيز التعاون الإنمائي وممارسته وهو ما يجسد المساواة المبنية على النوع الاجتماعي، بما يعكس اهتمامات المرأة وخبراتها، وفي الوقت نفسه تدعم جهود المرأة لحصولها على حقوقها الفردية والجماعية، ومشاركتها كفاعل متمكن في عملية التنمية.
المبدأ الثالث: الاهتمام بتمكين الناس والمشاركة على أساس المبدأ الديمقراطي: تقوم منظمات المجتمع المدني بدعم التمكين والمشاركة الدمجية للأفراد لتوسيع نطاق تملكهم الديمقراطي للسياسات ومبادرات التنمية التي تؤثر في حياتهم، مع التركيز على الفقراء والمهمشين.
المبدأ الرابع: تعزيز الاستدامة البيئية: تقوم منظمات المجتمع المدني بوضع الأولويات وتنفيذ التوجهات التي تعزز الاستدامة البيئية للأجيال الحالية والقادمة، بما في ذلك الاستجابة العاجلة لأزمات المناخ، مع الاهتمام بالأوضاع السوسيو-اقتصادية والثقافية والظروف المحلية الخاصة من أجل التكامل البيئي والعدالة.
المبدأ الخامس: ممارسة الشفافية والمساءلة: تبرهن منظمات المجتمع المدني على التزامها المنظم والمستمر بالشفافية والمساءلة بتعدد أنواعها، وبالنزاهة في تسيير شئونها الداخلية واعتماد مبدأ الحوكمة في أعمالها وفي إدارة الجمعية قدر الإمكان.
المبدأ السادس: السعي إلى إقامة شراكات منصفة والتضامن: تقيم منظمات المجتمع المدني علاقات شفافة مع منظمات المجتمع المدني ومع غيرهم من الفاعلين في التنمية، علاقات غير مقيدة ومبنية على التكافؤ، تستند إلى الأهداف الإنمائية والقيم المشتركة والاحترام المتبادل والثقة والاستقلالية التنظيمية والمرافقة طويلة المدى والتضامن والمواطنة العالمية .
المبدأ السابع: إنتاج وتقاسم المعرفة والالتزام بالتعلم المتبادل: تقوم منظمات المجتمع المدني بتعزيز سبل التعلم من تجاربها، ومن تجارب منظمات المجتمع المدني والفاعلين في مجال التنمية، مع اعتماد أدلة مستقاة من الخبرات العملية للتنمية ونتائجها، بما في ذلك المعرفة والحكمة المأخوذة من المجتمعات المحلية ومجتمعات السكان الأصليين، من أجل تشجيع الابتكار ورؤيتهم المستقبل الذي يودون تحقيقه.
المبدأ الثامن: الالتزام بتحقيق تغيير مستدام إيجابي: تعمل منظمات المجتمع المدني على التعاون لتحقيق نتائج مستدامة وإحداث أثر لعملها التنموي، مع التركيز على النتائج والظروف من أجل إحداث تغيير للناس، مع الاهتمام بشكل خاص بالفئات الفقيرة والمهمشة، وضمان تركة دائمة للأجيال الحالية والقادمة.
هل تطبق الجمعيات هذه المبادئ؟
تؤكد المادة 18 من المرسوم بقانون رقم (21) لسنة 1989م بإصدار قانون الجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية في البحرين على أنه «لا يجوز للجمعية الاشتغال بالسياسة»، ولذلك لن نتطرق إلى أي من البنود التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالسياسة؛ ولكن سنتحدث عن البنود التي لها علاقة مباشرة بعمل هذه الجمعيات.
السؤال ما إذا كانت الجمعيات الخيرية تنفذ مبادئ اسطنبول أم لا؟ الجواب هو أن هذه الجمعيات الخيرية جزء لا يتجزأ من مؤسسات المجتمع المدني، ولكن يمكننا القول أن النقاط الثماني التي تضمنتها مبادئ إسطنبول لفعالية التنمية الخاصة بمنظمات المجتمع المدني، ليست معروفة أو مفهومة أو مركز عليها في الأوساط الخيرية. ولكن يبدو أن هذه الجمعيات تطبق بعض هذه البنود من حيث لا تدري. مثال هو ممارسة بعض الشفافية والمساءلة وتقاسم المعرفة ومحاولة تحقيق تغيير مستدام والتحول من عمل رعوي إلى عمل تنموي وكذلك الاهتمام بتمكين الناس والتركيز على الفقراء والمهمشين والأسر المحتاجة.
هناك عقبات وتحديات كثيرة تعترض العمل في هذه الجمعيات، منها عزوف عام من الكفاءات المحلية للدخول في معترك العمل التطوعي وخاصة من الشباب والمرأة، وتشريعات حكومية ليست ملائمة للعمل التطوعي؛ بل تعيقها ومنها على سبيل المثال فقط تراخيص جمع المال، وعدم وجود تشريعات نيابية تساعد على تطوير العمل التطوعي مثل تفعيل المسئولية المجتمعية، وعدم وجود «مظلة» للجمعيات الخيرية من خلال اتحاد عام يغطي هذه الجمعيات.
لا نعتقد أن هناك عملا مشتركا على المستوى المحلي بالمعنى الحقيقي للتشبيك مع باقي الجمعيات الاجتماعية والدينية والمهنية... الخ في البحرين. مثال على ذلك، تعمل الجمعيات الخيرية وعددها يفوق المئة كل على حدة وبدون تنسيق يذكر، إلا في حالات نادرة جدا مثل مشروعات الزواج الجماعي... الخ. السبب هو عدم وجود اتحاد أو لجان تنسيقية أهلية أو رسمية ممكن أن تنظم وتنسق عمل وإستراتيجيات هذه الجمعيات. هناك محاولة قامت بها مجموعة من الجمعيات في وقت فائت لإشهار اتحاد عام للجمعيات الخيرية ولكن لم تنجح. أيضا محاولات القيام باستحداث لجان تنسيقية بين بعض الجمعيات لم تلق الاهتمام اللازم.
ليست علاقة الجمعيات مع الوزارات المعنية في المستوى المطلوب حيث أن هناك بعض التدخلات في عمل هذه الجمعيات، كما أن قوانينها ليست في صالح تطوير هذه الجمعيات مثل مرسوم 21 وهناك تعديلات من خلال مرئيات تقدمت بها الجمعيات في وقت ما، وكان بالإمكان أن تستفيد منها هذه الجمعيات إلا أن ذلك لم ير النور.
بالنسبة لمعايير الشفافية والنزاهة والمساءلة فإن جميع هذه المؤسسات الخيرية فاعلة، ولذلك فإن هناك قدرا من المسئولية وتطبيقا لبعض المعايير المهمة منها تقديم تقارير أدبية ومالية لأعضائها كل عام، وعلى مستوى أهالي المنطقة التي تغطيها أيضا. كما أن هناك متابعة لصيقة من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لأي مخالفة مالية أو إدارية لهذه الجمعيات.
إن أردنا تفعيل مبادئ إسطنبول الثمانية في المجال الخيري فإن أول ما يجب عمله هو تعريف العاملين وزيادة وعيهم بالنسبة لهذه المبادئ مثل تقديم ورش عمل تدريبية على مستوى الوطن وكيفية تقييم أداء هذه الجمعيات. أيضا يجب تمكين هذه الجمعيات من ممارسة دورها بصفتها جهات خيرية فاعلة مستقلة تُعنى بالفقراء والمحتاجين وكذلك مساعدتها لتحقيق التنمية المستدامة.
كما أن على الجهات المختصة في الدولة وبالذات وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تشجيع هذه الجمعيات على تنفيذ الممارسات التي تعزز مسئوليتها ومساهمتها في فعالية التنمية، باستخدام مبادئ اسطنبول والإطار الدولي لفعالية التنمية لمنظمات المجتمع المدني عموما، ومن ضمن ذلك خلق مساحات أعلى من التنسيق والحوار، ورسم خطة واضحة لعملية التنمية بين هذه الجمعيات الخيرية وباقي مؤسسات المجتمع المدني في الدولة، وحل المشكلات والعقبات التي تواجهها هذه الجمعيات والتي تؤثر سلبا على أدائها وعملها.
إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"العدد 5202 - السبت 03 ديسمبر 2016م الموافق 03 ربيع الاول 1438هـ
شكرا لكاتب المقال وشكرا لزائر 5 جمعياتنا الخيرية مختطفة من قبل مجموعات منبوذة من المجتمع الذي هي فيه ، هذا من جماعتنا وهذا من خطنا وهذا لا تساعدون لأنه مو من خطنا ومو من حزبنا ، وهكذا بالاضافة الى الفساد المالي والاداري والاخلاقي المستشري في هذه الجمعيات وبدون مراقبة ومتابعة من الجهات الرسمية ويجب ان تكون هناك متابعة من قبل ديوان الرقابة المالية لكشف الفساد وخاصة المالي منه لأنه يعرض هذه الجمعيات لخسائر فادحة تنعكس على ادائها ولدينا امثلة كبيرة على ذلك لكننا لا نريد الاساءة الى اي جمعية
للاسف الوزارة اخر المهتمين بتطوير اداء مجالس ادارات الجمعيات الخيرية .
واكبر دليل على ذلك توزيع المنح على المشاريع التنموية و التضييق على الجمعيات بموضوع التراخيص لجمع المال .
سيد علي
شكراً بوعلي على التطرق والتوضيح. هذه المبادئ لا علاقة لها بالخيرية والتي لا معنى لها الا مساعدة المحتاجين بالقاصي اولاً والداني اخيراً. انها اجندات وضعت لتمكين البعض او ستغلت من بعض السياسيون والمتدينون لتحقيق اهدافهم. شكراً لك.
مقال عظيم الهدف منه الدفع بالبلد للأمام، ولكن الحكومة تدفع بالعكس
شكر للكاتب حسين مدن على هذا المقال القيم
مشروع التنمية المؤسسية المعني بتدريب الجمعيات الخيرية (وهومشروع ....)يعمل على تأهيل الجمعيات الخيرية وفق نفس المبادئ الممكن تطبيقها على المستوى المحلي، وسوف يسعى إلى تضمين خطة العام القادم هذه المبادئ في إحدى الورش
حبيب الهملي
(وهناك تعديلات من خلال مرئيات تقدمت بها الجمعيات في وقت ما)
اقول
( لقد أسمعت لو ناديت حيًّا .... ولكن لا حياة لمن تنادي )
كان من المفترض القول "وجود تشريعات حكومية معرقلة للعمل التطوعي" بدل من (تشريعات حكومية ليست ملائمة للعمل التطوعي؛ بل تعيقها ومنها على سبيل المثال فقط تراخيص جمع المال، ......)
بارك الله في جهودك الخيرية والاجتماعية يا أستاذ حسين وجعل ما تقوم به في ميزان حسناتك،فأنت بعمل الدؤوب خير من الخير لأن فاعل الخير خير منه