العدد 5201 - الجمعة 02 ديسمبر 2016م الموافق 02 ربيع الاول 1438هـ

هل سنموت عَطشَى؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الأزمنة الغابرة تحكَّم في حياة الدول أمران: الماء والطرق. كانت الدول (صغيرها وكبيرها) تتخذ من مواضع الماء مركزاً لها. حدث هذا في العراق والشام ومصر وشبه القارة الهندية، بل وحتى في المناطق التي كانت عامرة بالأنهار الصغيرة كما في جنوب الجزيرة العربية ومناطق ظفار والشِّحر.

وفي موازاة ذلك، كانت الدول تستهدف الطرق الآمنة والمستوية (والأقصر) كي تكون ضمن نفوذها. لقد كانت طرق القوافل تجلب إلى الدول أمرين مهمين: الأول هو الضرائب التي تدفعها تلك القوافل للدول التي تمر بها نتاج تأمينها أو الخدمات والتسهيلات التي تحصل عليها، والثاني هو ما تُشيِّده تلك القوافل من أسواق تجارية تُحِيل الأرض الموات إلى منطقة عامرة ومزدهرة اقتصادياً.

لكن، وبالعودة إلى مسألة المياه (التي هي موضوعنا هنا) فلم يكن الهدف فقط البقاء في قيد الحياة، بل أيضاً وسيلة للضغط السياسي والاقتصادي وكذلك لقيام مصالح خاصة وتحالفات إستراتيجية صلبة (مع/ ضد) قد تستمر لسنين طويلة، ما دامت هي محكومة بالظرف البيئي.

في لحظة ما، كانت البوادي الواقعة بين طرَفَيْ النزاع الفارسي والروماني تهيمن عليها قوى صغيرة. وكانت هذه القوى، تفرض على القوتين الكبيرتين شروطاً تكسب من خلالها امتيازات اقتصادية هائلة، إلاَّ أنها كانت أيضاً محل أطماع هذين المعسكرين (وغيرها من الدول الكبيرة) لحظة الرخاء.

هذه القواعد في العلاقات الإقليمية والدولية مازالت قائمة، وإنْ اختلفت صورها. فالماء أمر لا يمكن الاستغناء عنه بل هو يأتي (بعد الهواء) كشرط لاستمرار الحياة من جذر يومٍ إلى آخر. فالإنسان «قد» لا يتحمل العيش من دون ماء مدة 3 أيام لا أكثر وخصوصاً في المناطق الحارة جداً.

ما يجب أن يُعلَم هنا هو أن ثلثي الأرض تغطيها المياه. وهذه المياه هي ليست أمراً غير متجدد؛ لأن الاستهلاك لا يعني نفاد المخزون أبداً. لكن هذا الأمر قد يُصبح معادلة مختلفة إذا ما عَلِمنا أن العالم يسير بِحَربَتَيْن اثنتين تضرّان بالماء: زيادة السكان والعبث بالطبيعة والتغيّر المناخي المهول.

قبل 216 عاماً كان اثنان من كلّ ثلاثة من سكان العالم يعيشان في قارة آسيا، وواحد من كلّ خمسة في أوروبا، وواحد من كلّ عشرة في افريقيا، وواحد من كلّ ثلاثة وثلاثين في أميركا أو أقيانوسيا، كما يشير هوبْزْباوْم. وبعد أن كان تعداد العالم لا يزيد عن الـ 370 مليون قبل 6 قرون بات اليوم 7 مليارات إنسان. وهو مرشّح لأن يصل إلى 9 مليارات في غضون سنوات ليست بالكثيرة.

في الجانب الآخر، ومع تسارع ضرب البيئة، تغدو دورات الهيدرولوجين وهطول الأمطار مضطرباً، لذلك تشير الأرقام والإحصاءات حديثا إلى أن هناك 33 بلداً من أصل 167 سيعيشون ظروفاً مائية صعبة بعد عقدين ونصف العقد حين يزداد الطلب على كميات شحيحة هي أصلاً لا تملك الجودة ولا الأمان الذي يؤهلها للاستخدام الآدمي والزراعي.

لكن وأمام هذين الأمرين هناك مشكلة «سلوكية» أكثر خطورة منهما بل قد تُعتَبر سيدة المشاكل الخاصة بالمياه، وهي عدم وجود تقدير فردي وجماعي لهذه الثروة ذات الأهمية القصوى. فقيمة ما يُدفَع من أجلها يجعلها بلا قيمة أصلاً، وبالتالي تصبح لا شيء لدى المستخدم. والمعادلة هنا عكسية: فكلما قلّ سعر الشيء زاد استهلاكه عبر تبذيره بلا حساب.

أما إذا حصل العكس، وشعر المستهلك بأن الإفراط في استخدام الماء سيعني إنفاقاً أكثر من ماله الخاص، فإن ذلك سيكون سبباً أساسياً كي تبقى هذه الثروة محفوظة بالشكل اللائق، وأنه سيكون شريكاً في توفير السبعة وعشرين تريليون دولار (المقدَّرة أممياً) لتشييد بنى تحتية للمياه في العالم.

اليوم هناك مَنْ يستهلك 109 آلاف و 500 لتر في اليوم وهناك مَنْ لا يجد ربع تلك الكمية لاستهلاكها. بل إن الأرقام تفيدنا بوجود 650 مليون إنسان لا يحصلون على مياه آمنة للشرب. بمعنى أن عُشْر العالم هم عطشى. وأن طفلاً كل دقيقتين يمكن أن يموت بسبب تلك المياه.

في الجو اللامسئول القائم على الاستهتار بتلك الثروة يجد المرء نفسه عصياً لأن يدفع دولاراً واحداً كي يستثمر في تحسين المياه بعائد 4 إلى 11 دولاراً بحسب منظمة الصحة العالمية. وللأسف فإن هذا الشعور باللامسئولية لا يقضي على ثروة الماء فقط؛ بل حتى على آليات الحفاظ عليها.

قبل بضعة أشهر أعلنت جامعة بلجيكية بأن فريقاً من علمائها توصلوا إلى ابتكار آلة تستطيع أن تُحوِّل البول إلى ماء صالح للشرب والتسميد، بعد أن يُسخّن ثم يُغربَل لفصل الماء فيه عن الفوسفور والبوتاسيوم والنيتروجين. لكن هذا الابتكار رُبِطَ بمسألة التمويل التي هي أصلاً غائبة، والسبب هو غياب الشعور بضرورة وخطورة الأمر.

كما أن الحال لا يختص بالأفراد؛ بل بالشركات أكثر. فالشركات الضخمة تستهلك في بعض الأحيان جزءًا مهماً من المياه التي تتشارك فيها مع المجموع. وهو ما يجعلها مشكلة مُركَّبة. وقد قرأت قبل عامين تصريحاً لمسئول بإحدى الدول يقول بأن بعض الشركات تستهلك 500 لتر ماء لإنتاج لتر لبن واحد!

هذا الأمر خطير جداً، ويجعل مستقبل العالم قاتما. ولا يُستبعد أن تغدو مناطق من العالم مجرّد صحارى ووديان مهجورة. فالتاريخ مليء بالصورة المروية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5201 - الجمعة 02 ديسمبر 2016م الموافق 02 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً