نعلم جميعاً أن الأخلاق تحتاج دائماً إلى معلم، أما الرذيلة فهي تنتشر من تلقاء ذاتها.
والرذائل هنا هي الطائفية، والتعصب، والجنس، والتحريض، وغيرها من المصطلحات الهدامة للنفس وللمجتمع.
والبشر بطبيعتهم ينساقون خلف كل ما هو مختلف وغير تقليدي وغير متوقع، ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي هم في النهاية بشر لديهم عواطف وميول ورغبات وحب الاستكشاف، وليس لدينا جميعاً المستوى ذاته من القدرة على التحكم بأنفسنا والوقوف عن الانجراف خلف ما نعرف أنه سيئ، لكننا نتابعه ونتبعه. ولا يقف الأمر عند هذا الحد مع الأسف، بل يصبح مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي ليس متلقين للرسالة الرذيلة فقط، وإنما ناقلون لها أيضاً، ويبدأون عن قصد أو من دونه نشرها بين متابعيهم، الذين سيقوم بعضهم بمتابعة المصدر الأصلي للرسالة، أي المستخدم السفيه المشهور، وهكذا تزيد شهرته أكثر وأكثر.
لكن هل تتخذ مواقع التواصل الاجتماعي إجراءات لوقف مثل هذه الممارسات؟
من الناحية المنطقية ليس لدى إدارة موقع التواصل الاجتماعي القدرة على مراقبة سلوك ملايين المستخدمين، وخاصة أن الإنترنت فضاء مفتوح، متعدد اللغات والثقافات. إضافة إلى ذلك ليس هناك اتفاق واضح المعالم على تعريف «الرذيلة» فما نعتبره هنا صورة فاضحة، ربما لا يكون كذلك في البيرو مثلاً!. لذلك لجأت معظم مواقع التواصل الاجتماعي إلى إتاحة مراقبة الرذائل من قبل المجتمع نفسه، وذلك عبر خاصية أو أداة «التبليغ»، وطبعاً كثرة التبليغات ستؤدي إلى إغلاق حساب المستخدم بشكل مؤقت أو دائم. لكن حتى هذه الخاصية مع الأسف يجري استخدامها لغير الهدف الذي وضعت من أجله، وخاصة مع الانفصام الكبير الحاصل في المجتمع، فيمكن أن تقوم بإنشاء صفحة دينية مثلاً على «فيسبوك» تنشر مكارم الأخلاق وليس الرذائل، لكن المعارضين أو المختلفين مع هذه الصفحة ربما يحشدون لإغلاقها عبر إغراقها بسيل من التبليغات، فيرد متابعو هذه الصفحة بما يمكن تسميته حرب تبليغات مضادة... وهكذا. وأذهب إلى حد القول إن المسئول عن انتشار هذه الظواهر هو المستخدمون أنفسهم، ونحن في النادي العالمي للإعلام الاجتماعي لدينا الحل الخاص بنا لمواجهة هذه الظواهر، ودائماً نروج له في الفعاليات التي نقيمها، وندعوكم أيضاً، وأدعو السادة المشاهدين من خلال برنامجكم الكريم إلى تبني هذا الحل.
هذا الحل هو التجاهل، ignorance، أي حساب ترى أنه ينشر الرذيلة، ويبحث عن الشهرة بأي ثمن، تجاهله، ازدره، سيقاوم لفترة ربما تطول قليلاً، لكنه سيموت من تلقاء نفسه في نهاية المطاف.
لقد نظمنا في النادي في شهر يوليو/ تموز الماضي جائزة لأفضل الممارسات الإيجابية على مواقع الإعلام الاجتماعي وحصد العديد من المستخدمين البحرينيين الذين نعتز بهم فئات تلك الجائزة، وكل ذلك في مسعى متواصل منا لتكريس ثقافة الاستخدام الأمثل لمواقع الإعلام الاجتماعي. من الناحية القانونية نجد أن هناك جملة من القوانين الرادعة لإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ولدينا في البحرين مثلاً دائرة للجرائم الإلكترونية تتعاطى مع هذا النوع من الجرائم.
لكن أقول صراحة، وأعتقد أن جميع المعنيين يدركون، أنه من الصعب جداً فرض سيطرة ورقابة محكمة على هذا الوسائل، فكيف يمكن أن أسيطر أو أعاقب شخصاً يجلس في أوروبا أو أميركيا ويختبئ خلف حساب «بنت الديرة» أو «السهم الأزرق» وينشر ما يحلو له من رذائل؟
الحل الأمثل هو أن نتعلم كيفية الاستثمار الأمثل لمواقع التواصل الاجتماعي، وكيف نستفيد من هذه الوسائل على صعيد التعليم والمعرفة وتنمية المهارات وإيجاد فرص عمل وخلق صداقات مثمرة، عندها سيختفي الأرذال والرذائل من تلقاء أنفسهم، وستعم الفضائل ومكارم الأخلاق.
إقرأ أيضا لـ "علي سبكار"العدد 5201 - الجمعة 02 ديسمبر 2016م الموافق 02 ربيع الاول 1438هـ