قال إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، إن العالم اليوم يعاني من العنف والإرهاب والطائفية والقتل على الهوية، مؤكداً أن «البشريَّة اليوم في حاجةٍ مُلِحَّة، ومدعوَّةٌ بإلحاحٍ وإشفاقٍ إلى أن تسلُك طريقَ المحبَّة والتراحُم والتسامُح».
القطان، وفي خطبته أمس الجمعة (2 ديسمبر/ كانون الأول 2016)، تحدث عن «دموية الإنسان ورحمة الإسلام»، مبيناً أن «الإسلام جاء وهذب أتباعه بتعاليمه العظيمة، ورباهم على الرحمة والتراحم».
وبيّن أن «الرحمةُ أساسُ سعادة الأمم، واستِقرار النُّفوس، وأمان الدنيا، والرحمةُ في دينِنا ليست محدودةً بمكانٍ أو زمانٍ، ولا بدينٍ أو جنسٍ؛ بل هي لكلِّ العالمين منذ البِعثة المُحمديَّة إلى يوم الدين».
وأشار إلى أن «عالَمَ اليوم يُعانِي من فُقدان الرَّحمة في مُعظم تعامُلاته ومسالِكِه وسياساته، العنفُ والقسوةُ والإرعاب والإرهاب والطائفية البغيضة والقتل على الهوية والظلمُ، سِماتٌ ظاهرةٌ من سِمات الحياة المُعاصِرة، لقد تعاملَ دينُنا مع كلِّ الأحداث التي واجهَتْه عبرَ التاريخ بطريقةٍ فذَّة، وقُدوةٍ مُشرِّفة، وسيرةٍ حسنَة، ومسيرةٍ طاهرةٍ، أخرجَت كنوزًاً هائِلة من فُنون التعامُل وآداب العلاقات، اعترفَ بها العدوُّ قبل الصديق، حتى لا يخلُو موقفٌ ولا حدثٌ ولا فعلٌ ولا ردُّ فعلٍ من بُرُوز هذه الفُنون العالِية والآداب الرَّاقِية، حتى في أمور الحرب والسياسة، والتعامُل مع الظالمين والفاسِقين والمُحارِبين ناهِيكم بالتعامُل مع النِّساء والوِلدان وسائرِ المدنيِّين».
وأردف قائلا «لقد تجلَّت الرَّحمةُ في دينِنا في ظروف الحربِ والمعارِك، فويلاتُ الحروب لا تخفَى، ونتائِجُها هلكَى وقتلى وجرحَى، ودينُنا ليس حفِيًّاً بالحروب، ولا متلذذاً بسفك الدماء، ولا مُرحِّباً بالصراع المُسلَّح؛ بل إنه يدفعُ ذلك ويدرؤُه ما استطاع، فهو لا يدعُو إلى الحربِ، وليس حريصاً على المُبادَرَة بها».
وتابع «لا يُقتل شخصٌ لمجرّد مخالفته للإسلام، إنما يُقتل لاعتدائه على الإسلام وقتل المسلمين، وغير المقاتل لا يجوز قتاله، وإنما يُلتزم معه جانب السلم، وإذا كان لفظُ الحرب جاء في كتاب الله 6 مراتٍ؛ فإن لفظَ السِّلمِ والسلامِ جاءَ 140 مرة، وعلى المُتفكِّر تأمُّل النسبَةِ بين الرَّقمين، ولا يُقاتَلُ في الإسلام إلا المُقاتِلة».
وواصل القطان حديثه عن رحمة الإسلام قائلاً: «يعلمُ الله والمؤمنون والمُنصِفون أن غزوات المُسلمين وحروبَهم وجهادَهم غزواتٍ وسرايا لم تكُن طلباً لدنيا، ولا جمعاً لمالٍ، ولا رغبةً في زعامةٍ، ولا توسِعَةً في ممالِك؛ بل ذلك كلُّه لهداية الناس وتحريرِ العبادِ من عبادةِ العبادِ واستِعبادِهم، إلى عبادةِ الله ربِّ العباد وحدَه، ورفعِ الظُّلم، والانتِصار للمظلومين، مقرونًاً ذلك بأعلى أساليب الرَّحمة والعِفَّة والنُّبل والشَّرف، والتأريخُ خيرُ شاهِدٍ، والمُقارَناتُ مع الآخرين أعظمُ بُرهانٍ، لقد قاتلَ المُسلمون بالرَّحمة، وانتصَروا بالعفو، وفازُوا بعدم المُعاملَة بالمِثْلِ، وإن المتأمل لحروب رسول الله (ص) مع أعدائه، ليجِد حُسن خُلق رسول الله مع كل هؤلاء الذين أذاقوه ويلات الظلم والحيف والبطش، إلاّ أنه كان يعاملهم بعكس معاملاتهم له».
وذكر أنه «تُعرف قيمة الأشياء بما ينتج عنها من منافع، وتعلم أقدار الرجال بما يبقونه من أثر، وتعرف قيمة الأفكار بما تحدثه من تغيير. وفي كل أمة رجال لهم مقولات وأفكار حفظت من بعدهم، وتغيرت بها دولهم وأممهم، فخلدوا في التراث، يعرفهم من بعدهم إلى ما شاء الله تعالى».
ولفت إلى أن «أمة العرب كانت أمة تائهة عن هدى الله تعالى، جاهلة بأمور الدنيا، فلا تعرف الاجتماع ولا العمران ولا الحضارة التي كانت عند غيرها من الأمم الأخرى، بل كان العرب يغزو بعضهم بعضاً، ويقتل ويأكل قويهم ضعيفهم، فجاء الله تعالى بالإسلام لينتشلهم من حالهم البائسة، ويضعهم في مقدمات الأمم والدول والشعوب».
وتطرق في خطبته لصفات الإنسان البغي، فهو «لا يردعه عنه إلا دين يعصمه، أو خلق يهذبه، ولما كان أكثر البشر بلا دين يعصم، ولا خلق يردع؛ كثر فيهم البغي، وأكثر الناس بغياً من استغنوا بقوتهم وسلطانهم وأموالهم وأعوانهم»، مبيناً أن «كل هذه الصفات في جنس الإنسان سبب للاعتداء والبغي والجور والظلم، وهي سبب للحروب والنزاعات، فلما كان الظلم سلوكاً بشرياً كان لا بد من ردعه بالحدود، ولما كانت الحروب ضرورة بشرية كان لا بد من توجيهها وجهتها الصحيحة، وهي إقامة دين الله تعالى، والعمل بتعاليمه، والدفاع عن أوطان المسلمين ومقاومة ورد المعتدين، ليُقضى على الظلم والخوف، ويتحقق العدل والأمن؛ فلأجل ذلك شرع الجهاد في سبيل الله والحدود، فكان المنتقدون لهما، الطاعنون فيهما يطعنون فيما يجلب العدل والأمن للبشرية، ويفرضون عليها ما يسبب الظلم والجور والخوف».
وأوضح أن «النزاعات والحروب بين البشر لأجل الأثرة أكثر من أن تحصر، ومن العجيب أن يصل مؤرخ غربي غير مسلم عن طريق استقراء التاريخ كله ودراسته إلى بعض ما قُرر في القرآن الكريم عن البشرية والحروب؛ ففي (عظات من التاريخ) للمؤرخ الأميركي المشهور وليم ديورانت المتوفى في 1981، يقول: الحرب أحد ثوابت التاريخ... فالحرب أو المنافسة هي أبو كل شيء، وهي الأصل الفعال للأفكار والمخترعات والمؤسسات والدول، أما السلام فهو توازن غير مستقر... وأسباب الحرب هي ذاتها أسباب المنافسة بين الأفراد: نزعة التملك والمشاكسة والغرور... وفي إحصائه للحروب التي وقعت في التاريخ البشري منذ تدوينه لم يجد من 3 آلاف و400 سنة سوى 268 سنة ليس فيها حروب، وأكثر من 3 آلاف سنة كلها حروب».
وقال القطان أيضاً: «أما الواقع: فما عاش أحد منا إلا وعاصر حروباً ينسي بعضها بعضاً من كثرتها، وضحاياها بشر يسقطون، ودماء تنزف، وقلوب تكلم، وأسر تشرد، وأطفال تيتم، وفي زمننا هذا كانت السيادة على العالم للرأسماليين والشيوعيين، ثم انفرد بها الرأسماليون، فكان عدد القتلى من البشر في قرن واحد، -وهو قرن سيادتهم- أكثر من قتلى البشر خلال القرون السابقة كلها بأضعاف مضاعفة، وفي الحربين العالميتين الأولى والثانية بلغ عدد القتلى قرابة 100 مليون إنسان، سوى حروب كثيرة راح ضحيتها الملايين ليست دوافعها إلا الغرور والأثرة وإثبات القوة، ومحركها ما غرس في الإنسان من الجهل والظلم والعدوان».
وأكد أن «كثيراً من قادة العالم، والمؤثرين في قراراته، ما هم إلا وحوش كاسرة في جثامين أناسي، وإن تزينوا باللباس الأنيق، وتحلوا بالابتسامة الهادئة، وحملوا المؤهلات العالية، وإن ذرفوا الدموع على قطة دعست، أو كلبة جرحت، أو إنسان مضطهد، إنه عالم قاده الرأسماليون والشيوعيون بجنون العظمة، وهستيريا الزعامة، فنشروا المآسي في البشر، ووتروا أكثر الأسر، وكل ذلك في سبيل المصلحة الآنية فقط».
ورأى أنهم «قادرون على إيقاف المجازر التي فاقت كل وصف في كثير من بلاد المسلمين، ولكن لا مصلحة لهم في إيقافها، بل مصلحتهم في إشعالها والنفخ في نيرانها، وتوسيع دائرتها، ونشر الفوضى في كل بلاد المسلمين، واستهداف أمنهم وأمانهم، وتحويل قتل البشر إلى سلع ومصالح مادية تدرس جدواها الاقتصادية، ولا يهم ما تخلفه من المآسي والقتلى والجرحى والدموع والآلام».
وخلص إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي إلى أن «هذا هو الإنسان المتخلق بالظلم والجور والبغي والجهل، وهذه هي البشرية التي لا تعرف السلم ولا العدل. فإذا حادت عن شريعة الله تعالى كان ما ترون من الفوضى والقتلى والدماء والآلام التي لا يتحرك العالم لوقفها أو تخفيفها ولا لردع الظالم المعتدي إلا وفق مصالحه الضيقة، مصالحه فقط، يقتاتون بالدماء المسفوحة ظلماً، وبالجثث المقطعة بغياً، وبالنساء والأطفال المفحمين حرقاً، هؤلاء هم سادة عالم اليوم، عالم الهستيريا والنفاق والجنون، ومع ذلك يطعنون في شريعة الخلاق العليم».
العدد 5201 - الجمعة 02 ديسمبر 2016م الموافق 02 ربيع الاول 1438هـ