في الحلقة السابقة تناولنا المبنى أو القصر الغامض في عالي، وهذا المبنى يعتبر جزءاً من موقع إسلامي كبير تم اعتباره قرية إسلامية مبكرة. وهذه القرية عبارة عن قرية صغيرة تقع في قرية عالي الحالية، وكان موقعها بالقرب من وادٍ يمر أمامها من الجنوب إلى الشمال، ويصل هذا الوادي إلى القرب من موقع سار الأثري (Sasaki et. at.2011). هذا، وقد قامت بعثة يابانية بالتنقيب في هذه القرية في موسمين منفصلين ما بين الأعوام 1988م – 1990م، فأتضح أن القرية تأسست في نحو منتصف القرن الثامن الميلادي، ووصلت ذروتها في القرنين التاسع/ العاشر الميلاديين، واستمرت حتى القرن الثاني عشر الميلادي (Sasaki et. al. 2011). هذه النتائج تتفق مع نتائج البعثة الدنماركية والتي رجحت، من خلال دراسة الفخار، أن هذه القرية تعود إلى القرنين التاسع/العاشر الميلاديين (Frifelt 2001, pp. 33 - 34).
يذكر، أن تقرير البعثة اليابانية يشير إلى أن هذه القرية تخص مجموعة من التجار، وذلك من خلال وجود الفخار السامرائي غالي الثمن والذي يستورد من العراق، ليس للحاجة بالدرجة الأولى، بل للرفاهية (Sasaki et. al. 2011). وربما كان هؤلاء التجار يمتلكون مزارع ونخيلاً (أنظر أدناه)، وكان يعمل عندهم العديد من العمال أو المزارعين. يذكر، أن العمال أو المزارعين الذين يعملون لدى أصحاب الأملاك، في الغالب،لا يمتلكون مساكن من الطين أو الحجر، بل إن منازلهم كانت تبنى من سعف النخيل. هذا وقد كشفت نتائج المسح الذي قامت به البعثة البريطانية، وذلك في أحد المواقع في شمال قرية جنوسان يعود إلى القرن العاشر الميلادي، عن بقايا جريد نخيل ودلائل أخرى تشير إلى وجود منازل كانت مبنية من جريد النخيل وتعود إلى تلك الحقبة (McNicoll and Roaf n.d., p. 24).
الحياة في القرية المبكرة في البحرين
من خلال الدراسات المتخصصة التي فحصت أسنان الهياكل العظمية التي تعود إلى حقب ما قبل الميلاد وللحقب الإسلامية، وكذلك من خلال دراسة أنماط الحياة في البحرين في حقبة ما قبل النفط، ويضاف إلى تلك التقارير، نتائج تنقيب البعثة اليابانية في القرية الإسلامية المبكرة، من خلال كل ذلك، يمكننا أن نرجح وجود عوامل مشتركة في أنماط الحياة المختلفة للأفراد في طبقات المجتمع المختلفة. من أهم هذه العوامل نوعية الغذاء، حيث توجد أنواع معينة من الغذاء تعتبر عوامل مشتركة والتي تؤدي إلى نمط حياة معين؛ فنوعية الغذاء تنعكس في أمور ظاهرية تتحول إلى آثار تبقى لأزمانٍ طويلة.
من أهم الأمور التي تعتبر مرآة لنوعية الغذاء هي أسنان الإنسان التي تتأثر مباشرة بنوعية الغذاء، وكذلك أدوات المطبخ ومكونات البيت عموماً. هذا، وقد بينت دراسة الأسنان لمجموعة من الهياكل العظمية تعود إلى حقب دلمون وتايلوس والحقبة الإسلامية المتوسطة أن الغذاء في البحرين في تلك الحقب كان، بصورة أساسية، غنياً بالمواد السكرية والنشوية، فكان يتكون، بصورة أساسية، من التمر والقمح والشعير والفواكه والخضار وبصورة ثانوية السمك المجفف واللحوم، كما تبين أن الاعتماد على الشعير والقمح في الغذاء أرتفع نسبياً في الحقب الإسلامية مقارنة بحقب ما قبل الإسلام (Littleton and Frohlich 1989).
بالطبع، لقد كانت المحاصيل الزراعية مثل الشعير والقمح، وربما الرز أيضاً، تزرع في البحرين، وهناك تقارير توضح أن القمح والشعير كانا من أبرز المنتجات الزراعية في البحرين منذ القرن الثاني عشر وحتى القرن التاسع عشر، حتى أن البوكيرك في وصفه للبحرين العام 1510م وصف أيضاً حقول الشعير فيها. (Nesbitt 1993).
نتائج التنقيب في القرية الإسلامية المبكرة في عالي، تؤكد نتائج دراسة الأسنان، حيث أوضحت تلك الدراسة مكونات البيوت في البحرين في الحقبة الإسلامية المبكرة، والتي تتكون من عدة حجرات صغيرة، ومن ضمن هذه الحجرات يوجد المطبخ والچندود. (Sasaki et. al. 2011).
أدوات المطبخ ومدلولاتها
يشير تقرير البعثة اليابانية (Sasaki et. al. 2011)، إلى أنه تم العثور في المطبخ على نوعين مختلفين من الحفر التي تستخدم للطبخ، تلك الحفر هي ما تعرف باسم التنور. النوع الأول منها عبارة عن حفرة محاطة بالحجارة، وهذه تستخدم لعملية الطبخ أو شواء السمك. أما النوع الثاني فعبارة عن تنور مصنوع من الفخار ومدفون في الأرض، والمرجح أن هذا التنور يستخدم لتحضير الخبز. وما يؤكد ذلك أنه تم العثور في المطبخ نفسه على أحجار رحى والتي كانت تستخدم في طحن القمح وتحوله إلى دقيق (طحين) ليصنع منه الخبز. كما تستخدم الرحى لجرش القمح، أي تكسير حبات القمح، وتحضير الجريش وهو طحين به غلظ أي أن البذور مكسرة وغير مطحونة.
الچندود والمدبسة
عثر في القرية الإسلامية المبكرة على مدابس (جمع مدبسة) (Sasaki et. al.2011)، وهي أماكن تكون الدبس، وهي تمثل جزءاً مما تسميه العامة في البحرين في الوقت الراهن الچندود، وهو مصطلح محلي يقصد به مخزن التمر وقد سبق أن تناولناه بالتفصيل في سلسلة مقالات ثقافة النخلة. أما المدبسة فهي عبارة عن قنوات في أرضية «الچندود» يجري فيها الدبس؛ حيث يتم رص جلال التمر فوق بعضها البعض فوق تلك القنوات، وبسبب الضغط يبدأ الدبس بالسيلان. ووجود هذه المدبسة دليل على وجود مزارع النخيل بكثافة في المنطقة، كما تشير إلى وجود صناعة التمر وصناعة الدبس.
الخلاصة: إن الحياة في البحرين في الحقبة الإسلامية المبكرة، لا تختلف كثيراً عن الحياة في الحقب الإسلامية المتأخرة والتي امتدت حتى فترة ما قبل اكتشاف النفط؛ فقد كان هناك نوعان من البيوت، بيوت من السعف وبيوت من الطين أو الحجر. وقد كانت تلك البيوت الحجرية الكبيرة تحتوي على مطبخ مجهز بمكان خاص للطبخ، وأدوات لتحضير الدقيق. كما كانت هناك مخازن خاصة للتمر، چندود، تحتوي على مكان صنع الدبس، أي المدبسة. يتبع.
لو دعمتون الموضوع بالصور انكان ممتاز ..
خسارة علشان نعرف اكثر عن عراقة هذا الوطن وكيف هو