المؤسسات والشركات في عالم المال والأعمال لها غرضٌ من وجودها، وإذا انتفى ذلك الغرض فإنّ بقاءها في السوق يصبح صعباً. وفي تحقيق نشرته «الفايننشال تايمز» في (23 فبراير/ شباط 1998)، أشار إلى أن المؤسسات التقليدية تخطط استراتيجياتها من الأعلى وتفرض ذلك على العاملين لديها. ولكن مع تطور تكنولوجيا المعلومات فإنّ الاستراتيجية أصبحت تنفذ على أرض الواقع من قبل العاملين أنفسهم، ومن ثم تصعد الاستراتيجية إلى الإدارة العليا. والإشارة هنا إلى أنّ العاملين في المؤسسات المتطورة والناجحة إنّما هم مجموعة متمكنة (empowered staff) وخبيرة ولديها قدرة المبادرة.
التحقيق أشار إلى أنّ هناك ثلاثة تطورات قوية ومتسارعة، وهذه إذا اجتمعت في وقت واحد فإنّها تقضي على الحاجة إلى وجود المؤسسة أو الشركة، وهي كما يلي:
التطور المتسارع الأول: يتمثل بالملاحظة التي تسمى قانون مور (Moore›s Law) - ومور هو مؤسس شركة إنتل - الذي قال منذ ستينيات القرن الماضي إنّ قدرة الكمبيوتر تتضاعف كلَّ 18 شهراً. وهذا الأمر مازال صحيحاً، إذ إنّ الحاسوب تتضاعف سعته وسرعته بما يتوافق مع ملاحظة مور.
التطور المتسارع الثاني: يتمثل بالملاحظة التي تسمى قانون ميتكالف (Metcalf›s Law) - وميتكالف هو مؤسس شركة «3Com» - الذي قال إنّ استخدامات شبكات الاتصالات تزداد بما يعادل مربع عدد الأشخاص الذي يستخدمون تلك الشبكات. بمعنى أنّ شبكات الاتصالات ستغطي بيئة العمل باستمرار وستتضاعف نسبةً إلى عدد المستخدمين.
التطور المتسارع الثالث: يتمثل في ملاحظة (أو قانون) الاقتصادي رونالد كواس (Ronald Coase)، الذي قال في 1937 إنّ الغرض من وجود أيّة شركة يكمن في تقليل كلفة المعاملات التي تقوم بها كوسيط بين مقدم المنتج / الخدمة وبين مستهلكها. فإذا أصبحتْ هناك وسيلة أرخص (أرخص من وجود شركة) لإجراء المعاملة فإنّ الشركة تفقد الغرض من وجودها.
وعليه، فإذا اجتمع قانون مور، مع قانون ميتكالف، مع قانون كواس، فإنّ قيمة المعاملات تنخفض بسرعة، والشركات يجب أنْ تصبح أصغر، وإذا أصبحتْ كلفة إجراء المعاملة صفراً، فإنّ حجم الشركة يصبح صفراً أيضاً.
وإذا رجعنا إلى الأسلوب التقليدي لتخطيط الاستراتيجية الذي طرحه عالم الإدارة مايكل بورتر فقد نجد أنّ تطبيقه يصبح صعباً في الشركات غير التقليدية. فبورتر يطرح مفهوم القيمة المتسلسلة (value chain)؛ بمعنى أنّ المنتج يمر من توريد المواد ومن ثم الإنتاج والتوزيع عبر سلسلة من العمليات التي تضيف كلُّ واحدة منها قيمةً مرغوبةً للمنتج أو الخدمة. ولكنْ في المؤسسات المعرفية، فإنّ القيمة قد يتم خلقها ومضاعفتها بالتشارك بين الموردين والمنتجين والمستهلكين الذي يتحولون إلى «co-creators». وعليه، فإنّ ما يعرض في السوق ليس منتجاً لشركة ما وإنّما في حقيقته هو عرضٌ من الخدمة أو المنتج الذي تشكل عبر تفاعل جميع الأطراف بمن فيهم الزبون والمستخدم النهائي.
هذا لا يعني الاختفاء الكلي للشركات والمؤسسات في العصر الرقمي، ولكنه يعني أنّ كثيراً منها سيختفي، وأنّ العاملين في المؤسسات المعرفية يتحولون إلى رواد أعمال (entrepreneurs) متمكنين من عملهم، ويستطيعون تقديم الخدمة المطلوبة كشركاء أكثر منهم كموظفين ينتظرون تنفيذ أوامر تصدر إليهم من القيادة العليا للشركة.
ما نشهده حاليّاّ في مختلف القطاعات هو أنّ الشركات التقليدية تضمحل بينما تزداد أهمية رواد الأعمال المتمكنين من مهارات وخبرات مجالات تخصصهم.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 5200 - الخميس 01 ديسمبر 2016م الموافق 01 ربيع الاول 1438هـ