العدد 28 - الخميس 03 أكتوبر 2002م الموافق 26 رجب 1423هـ

صحافة فرنسية: لماذا تلجأ واشنطن إلى الأمم المتحدة؟

إيمان شقير comments [at] alwasatnews.com

.

لماذا خاطر الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بالتوجه إلى منظمة الأمم المتحدة؟

هذا السؤال طرحته وسائل إعلام فرنسية خلال الأسبوع الماضي بعد توجه الرئيس الأميركي إلى المنظمة الدولية يطلب منها تفويضا ولو كلاميا يخوله دوليا ضرب العراق، ورد عليه الرئيس العراقي بإعلان قبوله عودة فريق التفتيش التابع إلى الأمم المتحدة إلى بغداد للتحقق من امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل. مما جعل المنظمة الدولية مرة جديدة موضع تجاذب بين الإصرار الأميركي على الحرب وبين التردد الدولي في دعم قرار التدخل العسكري.

«لوكورييه انترناسيونال»: تلك هي المشيئة

لماذا تشعر اكبر قوة عالمية بضرورة الذهاب إلى نيويورك لتعلن الحرب على العراق؟

هذا السؤال طرحته «لوكورييه انترناسيونال» في عددها الأخير لتذكر بوضع سابق ساد قبل ثمانية قرون حين طلب الصليبيون المباركة البابوية لاطلاق ما سمي حينه بـ «حملة تحرير قبر المسيح». وقالت: حين طلب الرئيس بوش من الأمم المتحدة العمل من اجل فرض احترام بغداد لها، كان أساسا يطلب وبشكل إنذار نهائي، من الدول الـ 190 الأعضاء في المنظمة مباركة أي عمل عسكري.

فالولايات المتحدة تعرضت بوضوح إلى اعتداء في 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وبإمكانها الاعتقاد بأن إسقاط صدام حسين يأتي أيضا من ضمن المنطق الاستراتيجي الذي برر الحرب على أفغانستان والتي شنها الاميركيون من دون أي اذن مسبق من الامم المتحدة على رغم من ان مجلس الأمن صوت في الأيام اللاحقة للاعتداءات على نيويورك وواشنطن على مبدأ «حق الدفاع المشروع عن النفس». كم انه لا يجب أن ننسى الازدراء المعروف لواشنطن تجاه المنظمة العالمية وكيف أن «جمعية الرجال» هذه، على حد تعبير «نيوزويك»، غالبا ما تهزأ بها واشنطن، وان انتقادات كثيرة توجه إليها لعدم فعالية قراراتها وعجزها عن تجنب حدوث النزاعات بل ومعالجتها. فلماذا إذن هذا الإصرار الأميركي على نيل المباركة الدولية؟

تضيف لوكورييه: منذ حرب الخليج العام 1991 كانت النزاعات التي يديرها الغرب تمر بالامم المتحدة ما عدا النزاع في كوسوفو الذي ادارته منظمة دولية اخرى هي حلف الاطلسي. فالقوة العالمية العظمى الأولى في العالم لم يعد بإمكانها الإفلات من عادة أصبحت من طقوس النظام العالمي الجديد وهي التحصن بالموافقة الدولية بشكل قرار من مجلس الأمن. وحتى اليوم، تقول لوكورييه، فإن الحصول على قرارات ملائمة وبحسب الطلب لم يشكل أي مشكلة لواشنطن غير بعض التعقيدات الدبلوماسية البسيطة. ولن يكن الأمر مختلفا هذه المرة طالما أن المطلوب من مجلس الأمن فقط الإعلان، كما فعل الكرسي البابوي قبل الحرب الصليبية الأولى، بأن «هذه هي مشيئة الله». ولذلك خاطرت الولايات المتحدة بتسليم أمرها إلى ما تكرهه اكثر من أي شيء آخر وهو طلب رأي أحد غيرها.

«لوموند»: الأمم المتحدة إلى أين؟

في مقال في صفحة الرأي لأستاذة القانون الدولي في جامعة باريس السابعة مونيك شميليه جندرو كتبت تقول: فرضت القوى العظمى تجارتها ومصالحها على كل العالم واتت الى الحكومات بطغاة مشكوك فيهم وشجعت على تسلح مجموعات متطرفة تسيطر عليها وتستخدمها لسحق الشعوب أو تقسيمها وأتاحت باسم الحرب ضد الإرهاب تفكيك قوى معارضة سياسية ونقابية بل وجرّمت الكثير منها.

لذلك، أضافت لوموند، فإن الحرب التي تعدّ ضد العراق من شأنها تجسيد مثل هذا الاتجاه والإطاحة بقرنين من تطور الفكر السياسي الملتزم بتحقيق الديمقراطية. ونحن اليوم في مرحلة حاسمة يجب الانتقال فيها من الديمقراطية في إطارها الوطني إلى الديمقراطية العالمية ويكون ذلك من خلال تطوير العملية التي انطلقت بانشاء منظمة الامم المتحدة وليس بالقضاء عليها.

وتابعت لوموند: إن إعلان الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن معارضة حذرة تجاه إرادة بوش بضرب العراق بقوله: «إننا لن ندعم هذه الحرب إلا بتفويض من الأمم المتحدة» يشكل موافقة مغلفة غير مباشرة... فأي تفويض من الأمم المتحدة رهن به كما بكل الأعضاء الخمس الدائمين الذين يستطيعون استخدام حق النقض. كذلك فإن المعارضة الخجولة التي أبدتها في البداية دول مثل الصين وروسيا وفرنسا وبعض الدول العربية تحولت لاحقا إلى قبول خنوع. ولم يعد قبل يوم من خطاب بوش امام الجمعية العامة سوى بعض ملامح الرفض والمعارضة لاجراءات تشريع العمليات العسكرية.

جاءت موافقة صدام على عودة المحققين لتعقد الأمور- أضافت لوموند. لكن مهما كانت التشنجات التي ستشهدها الأمم المتحدة، فإنه يمكن الرهان على ما سيصدر عنها من قرارات أو صيغ ملتبسة وغامضة ستحل بوش من خطيئة العمل بشكل أحادي الجانب. فحرب الولايات المتحدة التي أرادتها حربا لها وحدها ستصبح حربنا أيضا.

بل وقد يصبح أي اعتراض عليها ضربا من العمل الإرهابي. ولا تعد الأمم المتحدة المنفذ لديمقراطية خجولة بين الأمم بل الموقع لإلغاء حرية الشعوب.

وختمت لوموند: يقولون إن العراق لم يحترم قرارات الأمم المتحدة التي لم تعد تستطع تقبل الاستهتار بها، في حين أن «إسرائيل» تستخف بها منذ اكثر من ثلاثين سنة بل وتستفيد من هذا الاستخفاف؟. وأكدت: أن المفهوم الهش للأمن الجماعي الذي تتم إدارته بشكل سيئ منذ 1990 لا يمكن إعادة إحيائه إلا من خلال معالجة جديدة لمسألة التسلح تعامل بالتساوي كل الدول وكل الشعوب. فتتم مراقبة الجميع والتحقق من الجميع ومن دون أي استثناء .

«الاكسبرس»: بوش واستراتيجية المستحيل

يسعى الرئيس الأميركي جهده لتشريع ضرب نظام صدام حسين فيحاول التوفيق بين العمل الاحادي الجانب وبين التعاون الدولي.

ذلك هو رأي مجلة «الاكسبرس» التي نقلت عن مصدر أوروبي مسئول في الأمم المتحدة قوله تعليقا على موافقة صدام حسين على عودة المحققين الدوليين إلى بغداد من دون أي شروط: «لن يعرفوا السلام اكثر من ستة اشهر».

لكن على ما يبدو، تضيف «الاكسبرس» أن الأمور بدأت تسوء بعد أسبوعين فقط، فالبيت الأبيض يضاعف من تهديداته بل إن حتى بوش الأب، المعتبر اكثر لباقة سياسية من ابنه، صرح لـ «سي ان ان» يقول «اكره صدام». أما بوش الرئيس فهو لم يتخل يوما عن نيته ضرب العراق ولو لوحده. إلا انه يريد أن يجعل من العراق نموذجا ضاربا عن «السلام الأميركي» ولذلك ليس له من خيار سوى تأكيد شرعية نواياه للعالم من خلال اللجوء إلى تفويض من الامم المتحدة.

إن الإصرار الأميركي على الحصول بأسرع وقت ممكن على قرار من الأمم المتحدة يسمح لواشنطن استخدام القوة ضد العراق، يكشف قبل كل شيء، في رأي «الاكسبرس»، عن حاجة واشنطن إلى الشرعية، الداخلية اولا، إذ ان معظم الاميركيين مع تدخل عسكري ضد العراق ولكن بشرط ألا تكون بلادهم وحدها في المعركة. وشرعية دولية ثانيا، لأن واشنطن ومن دون موافقة حلفائها تزيد من المخاطر العسكرية وتعرض نفسها لأحقاد دولية. لا سيما أن الروس والفرنسيين مترددون في إعطائها عبر الأمم المتحدة قرارا يكون بمثابة شيك على بياض بضرب العراق واستخدام القوة من دون أي ضمانات .

لذلك، تختم «الاكسبرس»، وعلى رغم نية بوش العمل بشكل أحادي، فإنه يصر على استحصال موافقة دولية على أي حرب ضد العراق فهو يعرف ـ كما يقول رئيس معهد كنيدي لأمور الحكم في هارفرد ومؤلف كتاب «مفارقات القوة الاميركية» ـ «ان الحكم لا يقتصر على مجرد القوة العسكرية أو الاقتصادية، بل هو يتمثل أيضا في القدرة على اجتذاب الآخرين». لذلك، وفي خضم الأخطار الدولية الحالية فإن أميركا، ومهما بلغت من القوة والنفوذ، لا تستطيع اليوم وأكثر من أي وقت مضى العمل لوحدها، ولو كان ذلك في العراق.

«ليبراسيون»: لعبة بوكر

«هي لعبة بوكر مستمرة» يقول جاك امالريك في تعليق له في «ليبراسيون». فبوش، وبوضعه الأمم المتحدة بشكل مباشر فج أمام مسئولياتها من خلال تذكيرها بتساهلها في مرحلة سابقة تجاه صدام وعدم فرضه عليه احترام قراراتها بالعقوبات، سجل نقطة مهمة لصالحه. فبعد أن هدد طوال الصيف بتدخل عسكري أحادي الجانب قام بخطوة ارتجاعية، محض تكتيكية بالتأكيد، لكنها تحافظ ولو شكليا على الصيغ الدولية للتعامل بين الدول. وكانت خطوة اطمأن إليها المتخوفون من قطيعة أميركية خطيرة مع الممارسات الدولية التي قامت منذ نهاية الحرب الباردة. كما أنها خطوة لابد منها تجاه باريس وموسكو والكثير من الدول العربية التي لن توافق على فكرة الضربة العسكرية ضد العراق إلا عندما تدرك ان خطوة صدام بقبول عودة المحققين ليست سوى كسب للوقت وخداع العالم.

ونظرا لتصرفات صدام السابقة ـ يختم امالريك ـ وبهدف تجنب الغوص في ألاعيبه، كان اللجوء الأميركي إلى قرار من الأمم المتحدة، سيكون من الصعب على أعضاء المنظمة الدولية معارضة إقراره

العدد 28 - الخميس 03 أكتوبر 2002م الموافق 26 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً