حذّرت الأمم المتحدة أمس الثلثاء (29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) من وضع «مخيف» في أحياء حلب الشرقية بعدما دفع التقدم السريع لقوات النظام على حساب الفصائل المعارضة نحو 16 ألف مدني إلى الفرار من شرق المدينة.
دبلوماسياً، طالب وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت الثلثاء مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع فوري لبحث تطورات الوضع في حلب وسبل تقديم المساعدات للسكان المحاصرين.
وأعرب رئيس العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة، ستيفن أوبراين أمس عن «غاية القلق على مصير المدنيين بسبب الوضع المقلق والمخيف في مدينة حلب».
وفي خسارة هي الأكبر منذ سيطرتها على شرق المدينة في العام 2012، فقدت الفصائل المعارضة الإثنين كامل القطاع الشمالي من الأحياء الشرقية إثر تقدم سريع أحرزته قوات الجيش السوري في إطار هجوم بدأه منتصف الشهر الجاري لاستعادة السيطرة على كامل مدينة حلب.
وقال أوبراين إن «التقارير الأولى تشير إلى أن حوالى 16 ألف شخص نزحوا والكثير منهم يواجهون أوضاعاً صعبة. من المرجح أن آلافاً آخرين ليس لديهم من خيار سوى الفرار في حال استمرت المعارك وازدادت حدة في الأيام المقبلة».
وأوضح الناطق باسم الأمم المتحدة، ينس لاركي في تصريح صحافي لاحقاً أن حوالى عشرة آلاف منهم توجهوا إلى غرب حلب، فيما فر ما بين أربعة آلاف وستة آلاف نحو حي الشيخ مقصود تحت سيطرة القوات الكردية.
ولا يشمل هذا العدد، الآلاف من المدنيين الذين نزحوا داخل الأحياء الشرقية خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، ويعيشون ظروفاً مأسوية وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان ومراسل لـ «فرانس برس».
وأوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن أمس أن آلاف نزحوا منذ ليل الاثنين الثلثاء إلى مناطق سيطرت عليها قوات النظام في اليومين الأخيرين وتحديداً من حيي الشعار وطريق الباب اللذين يشكلان حالياً خطوط المواجهات بين طرفي النزاع وفيهما كثافة سكانية مرتفعة.
«انحدار نحو الجحيم»
وقالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، بتينا لوشر أمس (الثلثاء) في جنيف إن المدنيين في شرق حلب يواجهون ظروفاً «رهيبة» واصفة الوضع بأنه «انحدار بطيئ نحو الجحيم».
وفي انتظار الحصول على موافقة من دمشق لإدخال المساعدات إلى شرق حلب، يستعد البرنامج لتلبية احتياجات العائلات التي وصلت إلى غرب المدينة.
وطالبت منظمة العفو الدولية الحكومة السورية بحماية المدنيين في الأحياء الشرقية التي سيطرت عليها مؤخراً.
اجتماع «فوري»
وغداة توجيه الأمم المتحدة نداءً عاجلاً إلى الأطراف المتحاربة لوقف قصف المدنيين في شرق حلب، طالب وزير الخارجية الفرنسي أمس (الثلثاء) مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع «فوراً» من أجل «النظر في الوضع في هذه المدينة الشهيدة وبحث سبل تقديم الإغاثة لسكانها».
وقال آيرولت في بيان «ثمة حاجة ملحة أكثر من أي وقت لتطبيق وقف للأعمال الحربية والسماح بوصول المساعدة الإنسانية بدون قيود».
ومن المقرر عقد محادثات بشأن سورية في مجلس الأمن الدولي، لكنها ليست على ارتباط بالوضع في حلب.
ميدانياً، تركزت الاشتباكات أمس في حيي طريق الباب والشعار الملاصقين لحيي جبل بدرو والصاخور اللذين خسرتهما الفصائل أمس الأول.
وأفاد المرصد بمقتل عشرة مدنيين على الأقل جراء غارات شنتها طائرات سورية عل حي باب النيرب تحت سيطرة الفصائل. ويعد تقدم النظام في شرق حلب أكبر انتصاراته بعدما استعاد المبادرة ميدانياً.
من جانبه، انتقد المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال إيغور كوناشينكوف أمس «تعامي» الغربيين حين «يتعلق الأمر بتقييم الوضع الحقيقي في حلب»، لافتاً إلى أن «عمليات الجيش السوري الدقيقة (...) غيرت الوضع بشكل جذري في الساعات الـ24 الأخيرة».
وفي سياق متصل، أوعز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس إلى الوزارات المعنية «بإرسال مشاف ميدانية متنقلة إلى محيط مدينة حلب لتقديم المساعدة الطبية للسكان» وفق ما نقلت وكالات أنباء روسية عن الكرملين. وقالت إنه سيتم إرسال مشفى اليوم (الأربعاء) يتسع لـ 250 مريضاً يومياً.
وفي تطور جديد، أقر التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» أمس بشن غارة عن طريق الخطأ على القوات السورية في 17سبتمبر/ أيلول قرب دير الزور في شرق سورية قالت تقارير إنها أدت إلى مقتل نحو 90 جندياً سورياً.
وقالت القيادة الوسطى للجيش الأميركي في بيان في أعقاب تحقيق استمر ستة أسابيع في الهجوم إن «أخطاءً وقعت في جمع المعلومات الاستخباراتية كما أن عناصر مناوبة من التحالف الدولي لم تتمكن من تعريف الهدف بشكل دقيق للإبلاغ عن أدلة مخالفة» لمن يتخذون القرار بتوجيه الضربة.
وشاركت طائرات أسترالية ودنماركية وبريطانية وأميركية في الغارة الجوية.
وصرح الجنرال ريتشارد كو الذي حقق في الهجوم، للصحافيين أن كل من الدول الأربع «استخدمت الأسلحة» وأسقطت إجمالي 34 قنبلة موجهة وأطلقت 380 طلقة من عيار 30 ملم.
وصرح كو «في هذا الحادث ارتكبنا خطأً غير مقصود ومؤسف كانت وراءه بشكل أساسي عوامل بشرية في العديد من المناطق في عملية الاستهداف».
ومن أهم تلك الأخطاء أن قوات التحالف اعتقدت أن عربة تابعة لقوات النظام تعود إلى تنظيم «داعش» وهو ما أثر على التقييمات الاستخباراتية التي ترتبت على ذلك. وقال «البنتاغون» إن ما يزيد من تعقيد الأمور هو أن القوات السورية لم تكن ترتدي زياً عسكرياً يمكن التعرف عليه أو تحمل رايات تميزها.
وأشار التحقيق إلى أن القوات الروسية اتصلت بقوات التحالف لإبلاغها بأن الضربة استهدفت قوات النظام السوري.
وأضاف أن الاتصال الذي جاء عبر خط ساخن خاص بين قوات التحالف وروسيا، تأخر 27 دقيقة لأن الضابط الذي يتحدث معه الروس عادة لم يكن متواجداً.
وخلال تلك الفترة وقعت نحو نصف الضربات المنفصلة وعددها 32 ضربة.
وفور تمكن الروس من التحدث إلى نقطة الاتصال التي يتحدثون معها عادة توقفت الضربات.
وتوصل التحقيق إلى أنه تم تجاهل تقييم أولي من محلل استخباراتي بأن الهدف «لا يمكن أن يكون» لتنظيم داعش، ولم يتم توجيه التهم إلى أي من قوات التحالف في هذا الحادث».
وقال كوي «برأيي كان هؤلاء الأشخاص يبذلون جهدهم للقيام بعملهم على أفضل وجه». وأضاف أن «قرار ضرب هذه الأهداف تم اتخاذه طبقاً لقانون النزاع المسلح وقواعد الاشتباك المطبقة».
العدد 5198 - الثلثاء 29 نوفمبر 2016م الموافق 29 صفر 1438هـ