تحوّلت تونس منذ 3 سنوات إلى وجهة عالمية للاستثمار، من خلال عقد مؤتمر اقتصادي دولي سنويّ؛ ففي العام 2014 شاركت 29 دولة بوفود رسمية وعشرات الشركات والمؤسسات الاقتصادية الوطنية والدولية لتدارس فرص الاستثمار الاقتصادي في تونس. وفي العام 2015 انعقد مؤتمر الاستثمار وريادة الأعمال لبناء شراكات إستراتيجية مع أكثر من 300 مشارك دولي من عالم الأعمال والمجتمع المدني والحكومات. وينعقد يومي 29 و30 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري مؤتمر تونس2020. فما الرهانات التي يطرحها هذا المؤتمر الثالث من نوعه؟
يبدو أنّ النجاحات السياسية التي حققتها تونس لم تترافق مع نجاحات اقتصادية بالمستوى المأمول، وخاصّة بعد ثورة كان تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي أبرز أسبابها؛ ذلك أنّ الإرث الثقيل الذي خلّفه نظام المخلوع زين العابدين بن علي لم يكن بالهيّن تجاوُزُه، ما عطّل معظم جهود التنمية الاقتصاديّة في البلد، فضلا عن أسباب أخرى متشعّبة يطول شرحها. غير أنّ الكثير من المحللين وللأسف، يحاولون ربط هذا الفشل الاقتصاديّ بالتغيير السياسيّ الذي طرأ على البلاد في نوع من الشيطنة المستمرّة للثورة التونسيّة خدمة لأجندات داخليّة وخارجيّة.
وتواجه تونس اليوم، حكومة وشعبا، تحديات جمّة تحول دون القفزة الاقتصادية المأمولة، ويأتي عقد هذا المؤتمر الثالث للاستثمار في تونس في سياق حارق؛ حيث تعاني القدرة الشرائية للمواطن من تدهور متواصل ويستمرّ نزيف العملة الصعبة بسبب العجز في الميزان التجاري فضلا عن ضعف نسبة النمو الاقتصادي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، الأمر الذي جعل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد تواجه ضغوطات سياسية واجتماعية كثيرة ويطالبها الجميع بالإنجاز والإقلاع الاقتصادي وخاصة بعد توفير كل شروط النجاح لها.
في هذا السياق، يأتي مؤتمر تونس 2020 الذي تراهن الحكومة على مخرجاته لجلب الاستثمار الداخلي وخاصة الخارجي كحل لإنقاذ الوضع الراهن بكل تعقيداته، ويعتبره بعض الخبراء في حال نجاحه حدثا سيغيّر بوصلة الاقتصاد في البلاد وضامنا لاستمرار عمل الحكومة بضغوط أقلّ. لذا استعدت تونس بكل طاقاتها لإنجاح هذا المؤتمر الذي يشارك فيه أكثر من 70 دولة وأكثر من 1000 مؤسسة اقتصادية حكومية وخاصة.
ولضمان أقصى مستويات النجاح أرسل مجلس النواب التونسي رسالة طمأنة إلى المستثمرين الأجانب من خلال إقرار قانون الاستثمار، والهادف إلى تشجيع المستثمرين في الداخل والخارج ويحتوي القانون 36 فصلا، ويهدف لدفع الاستثمار ومنح المستثمرين تسهيلات مغرية عبر التخلي عن الحواجز البيروقراطية، وخلق مناخ خصب للمشاريع والأعمال، وتقديم منح وحوافز وضمانات، وإرساء حوكمة الاستثمار من خلال التصدي للفساد، وتسوية النزاعات سيما في العقارات. كما أقر القانون الحماية القانونية للمستثمرين وتبسيط الإجراءات الإدارية، ومنح الكثير من الفوائد للشركات المصدرة، وفتح مناخ حرّ للاستثمار، وغيرها من الامتيازات للمستثمرين الأجانب.
وعشيّة هذا المؤتمر قام البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بالتوقيع على اتفاقيتين تتعلقان بمشاريع سيتولى البنك تمويلها، وبرنامجين للتعاون التقني يتولى دعمه الاتحاد الأوروبي، وذلك في إطار دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستديمة في تونس. ويسجل البنك الأوروبي لإعادة الاعمار والتنمية حضوره في تونس منذ سنة 2012 وقد قام بتمويل أكثر من 25 مشروعا في القطاع الخاص.
كما وعد أعضاء نادي مدريد، الذى يضم قرابة 60 شخصية من رؤساء حكومات ودول سابقين في كافة أنحاء العالم من بينهم بيل كلنتون ورؤساء فرنسا السابقين ورؤساء من أوروبا وإفريقيا، بترجمة الأقوال إلى أفعال عبر مساعدة تونس على إنجاح مسارها الديمقراطي الفعّال واستعدادهم لتوظيف شبكة علاقاتهم الرسمية داخل المجتمع المدني والقطاع الخاص لتعزيز مساعي التونسيين، ومبادراتهم والمساهمة الفعالة في إنجاح هذا المؤتمر، وخاصة بعد أن توجّه إليهم رئيس الحكومة التونسية الأسبق مهدي جمعة برسالة «تونس الملهمة» داعيا أعضاء نادي مدريد إلى مساندة تونس اقتصاديا. كما أنّه من المنتظر أن تتسع دائرة المشاركة العربية والخليجية مقارنة مع الدورتين السابقتين.
ومن المنتظر أن يتم تقديم 82 مشروعا، تقدر قيمتها بنحو 17731 مليون يورو تهم 20 قطاعا، على المستثمرين والممولين الأجانب خلال ندوة الاستثمار «تونس 2020»
قد يكون مؤتمر الاستثمار تونس 2020 بالفعل طوق نجاة لدولة متعطشة للاستثمار وتدفق رؤوس الأموال، وقد يكون فرصة جديدة للخروج من عنق الزجاجة لحكومة ترزح تحت ضغوطات سياسية واجتماعية كبيرة. لكنّه، قطعا، لن يكون حلا سحريا يقدم العلاج دون مقابل، ولن يكون علاجه سريعا؛ بل إنه على الجميع في تونس الصبر من جهة، والتيقّظ من جهة أخرى، حتى لا يقع ارتهان البلاد لدى هذه المؤسسات الاقتصادية العملاقة.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 5197 - الإثنين 28 نوفمبر 2016م الموافق 28 صفر 1438هـ
نقطة:
تشجيع المستثمرين في الخارج يوازيه تشحيع المستثمرين في الداخل.
لكن: تشجيع المستثمرين في الداخل، يقابله إجحاف ومزيد من الجباية "لرؤوس الأموال الصغيرة"
ما يعطى من تحفيز و إعفاء جبائي للمستثمرين، يعوض من صغار التجار والشركات الصغيرة والمتوسطة،بالضغط عليها..
نرجو لتونس الازدهار والعودة إلى سالف منزلتها الاقتصادية وأفضل، وللمستثمرين كل التوفيق.
شكرا أستاذ سليم، تذكرنا بما صرنا ننشغل عنه من متابعات.
إن شاء الله المقال القادم نقرأ فيه عن أهم وعود الاستثمار المرتقبة
....على التونسي اليوم أن يفهم أن التواكل والتعلل ولى سبيله
عليه بالعمل والعمل ولا شيء غيره
مشكور أستاذ سليم
احسنت أستاااااااد:
على الجميع في تونس الصبر من جهة، والتيقّظ من جهة أخرى، حتى لا يقع ارتهان البلاد لدى هذه المؤسسات الاقتصادية العملاقة
لقد تم ارتهانها بل رهنها ، و قضي الأمر الذي منه تحذرون.