سأروي لكم حكاية «مروة»... الفتاة التي كانت تضجّ بالمرح، ولا تمل من رسم الابتسامة على وجوه المحيطين بها، تتقافز بين أشقائها وشقيقاتها بخفة غزال وإلحاح فراشة، وبراءة طفلة لم تمنحها الحياة إلا دلال أبوين وخبرة غَضّة مقدارها 16 عاماً مما تعدّون.
في السادسة عشرة من العمر، تشاء لها الأقدار أن تتزوج بشاب يكبرها بنحو عشرة أعوام !! تبدو على الشاب الخاطب ملامح النجابة، ويرتسم على محياه سمت الجدّية والوقار، وهو فوق ذلك صاحب صُنعة وحِرفة تُبشّر بمستقبلٍ مهني واعد.
لم تكن «مروة» هي الوحيدة بين شقيقاتها من تزوّجت في هذا العمر المُبكر؛ فشقيقاتها الأربع سبقنها إلى ارتداء الفستان الأبيض والالتحاق بركب «الأمهات الصغيرات»... هكذا كانت أُمنية الأب لبناته، وهكذا شاءت إرادة الله، فقد جرت الأمور كما لو كانت «تيسيرات» و«توفيقات» ربانية رتبتها السماء، و«المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين». والفتيات يحلمن، والأسرة تأمر، والزوج يقرر.
تزوجت مروة إذن، وأكملت مراحل تعليمها، وأتبعتها بالالتحاق بالجامعة، أنهت دراستها بتقدير مشرّف لكن الزوج منعها بعد ذلك من العمل بعد «التخرّج» بحجة أنه مكتفٍ ماديّاً، ولا شيء يدعوها إلى الخروج من البيت، فمكان الزوجة بيتها وبين أولادها، تسهر على تربيتهم وتجتهد في إرضاء زوجها وتلبية متطلباته، فاضطرّت مرغمة على القبول بأداء هذا الدور.
بعد 15 عاماً من الزواج، وهب الله «مروة» أربعة أبناء، ثلاثة أولاد وطفلة كفلقة القمر، وسرعان ما توسعت أعمال الزوج، محققاً نجاحاً مهنيّاً جلب للأسرة ارتياحاً في العيش مكّنها من الانتقال إلى منزل واسع، ومظاهر رفاهية لا تتوافر لكثيرين في مثل أعمار الزوجين. لم يكن هذا النجاح المهني للزوج بقادر على أن يحقق السعادة المرجوّة للزوجة التي أصبحت تقاسي الأمرّين من غطرسة زوجها التي أخذت تكبر يوماً بعد يوم، وأصبحت بمضي السنين تُعامل كخادمة، مسلوبة من أي اعتبار لإنسانيتها ومكانتها كزوجة وأم لأولاد. فإلى جانب العلاقات النسائية المتعددة التي صار الزوج يقيمها دون حساب في وضح النهار وعلى المكشوف، تعاظمت وقاحته فصار يعاملها بدونية، وتعاظمت نرجسيته وقسوته وغروره، وباتت الإهانة والضرب اليومي للزوجة أمام أولادها جزءاً من واقع أسري تجري فصوله المأساوية أمام نظر الأطفال وسمعهم، وهم يعيشون في كنف جحيم الأب ويعاينون بذهول محنة الأم، تلفّهم الحيرة ويُخرسهم هول المفاجأة.
تغيرت «مروة» التي كانت أكثر شقيقاتها مرحاً وإقبالاً على الحياة كثيراً، أصبحت شيئاً آخر بعد أن كرّت سُبحة السنين... «مروة» التي كانت تملأ المكان حبوراً ومرحاً، وتجتهد في نثر السعادة حيثما تكون أصبحت - بعد أن ارتدت جِلباب الزوجة ومِعطف الأُم - تختار الصمت وتميل إلى العزلة والانزواء مثل عابدٍ فَرّ من ذنوبه، تذرف دموعها بغزارة بعيداً عن عيون الرُّصّاد وتطفّل أشقائها وشقيقاتها وتساؤلاتهم، تحاول أن تُخبئ حزنها الكبير عن أطفالها الذين كثيراً ما يجدونها وقد احمرّت وجنتاها وفاضت عيونها بدموع حارّة تحاول عبثاً إخفاءها عنهم حين تقع العيون على العيون.
مروة التي تسكن الآن بيتاً كبيراً ذا باحة واسعة خضراء مفروشة بالحشائش، تحوطه النخيل، لكنه خالٍ من الحب والكلمة الطيبة والمشاعر الدافئة، بيتٌ تعيش فيه مع زوج يبخل عليها بأبسط متطلبات العيش الكريم على رغم ثرائه الظاهر ووضعه المادي الميسور، الزوج الذي يُقامر بأمواله بحثاً عن متعة رخيصة يصطادها في سفر مُتكرر، وطلعات ليلية يصرف عليها بلا حساب. إنها باختصار تعيش في واقع كل ما فيه يدعو إلى اليأس لكن القلوب تحنُّ إلى الرجاء.
قصة مروة هي قصة تتكرر في حياة نساء كثيرات يعشن بين أسوار العزلة وجدران التكتم خوفاً من الفضيحة أو تلافياً لغضب الأزواج العنيفين أو نبذ أسرهن لهن، وربما خشية من المصير المجهول التي ستكون عليه المرأة في حال آل مصيرها إلى الانفصال.
كثيرةٌ هي المشاكل التي تعيشها المرأة في مجتمعنا لا تصل إلى الجهات المختصة، وأقل منها ذلك الذي يصل إلى وسائل الإعلام المطالب منه تقديم دور أكبر من مجرد الوقوف العابر أمام حدث دولي يحاول تسليط الضوء على ما يقع على المرأة من غبن وحيف وتهميش.
في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي تحتفي به الأمم المتحدة في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، ينبغي تكوين حركة حقوق مدنية واسعة تبني تحالفات تُحسن إبراز قضاياها مع الإعلام بشكل مؤثر، وتُبرز المعاناة، وتزيل الغمامة التي تجعل الناس العاديين لا يدركون حجم الضرر الناجم من التكتم على جرائم من هذا النوع.
كان المهاتما غاندي يقول: «عليك أن تكون أنت التغيير الذي ترغب أن تراه في العالم». وهذا الزعيم الهندي يقول بطريقة أخرى مضمون الآية الشريفة «إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» (الرعد: 11).
والأهم من ذلك، ضرورة الالتزام بالوصية القرآنية الخالدة التي تُجسّد خُلاصة الرؤية الأخلاقية الراقية للحياة الزوجية: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (النساء: 19).
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 5197 - الإثنين 28 نوفمبر 2016م الموافق 28 صفر 1438هـ
سرد رائع وتعبير جميل وأعجبني هذا المقطع كثيراً "وفاضت عيونها بدموع حارّة تحاول عبثاً إخفاءها عنهم حين تقع العيون على العيون"
ان حل الرجاء كمن يقول الصبر ع المرض والدواء ف متناول اليد
الحل هو يجب ان تتغير هي لا احد سواها
ان تغيير فكرة واحدة كفيلة ان تغيير مجمل حياتها
والصبر ع التغيير
ودمتم جميعا بخير
اتفق معك تماما
من لا يرحم لا يرحم وان ربك لبالمرصاد. إن كانت هي ضعيفة فلها ربّ قويّ وإن كان حلم الرب طويل فإنه لا ينسى وإن امهل فلن يهمل ابدا فلينتظر الظالم يوم تشخص فيه الأبصار
قصة جميلة جدا:
حب الدنيا راس كل خطيئة .
سبحان الله وما ربك بغافل
القصة تشي بواقع بعض البيوت الثرية لكنها غامضة لأنها تبحث فقط مظلومية الزواج المبكر
في اعتقادي الكاتب أخفق في التحليل أن أبواب اللجوء إلى الاستعانة بالشرع أو الاهل أو العقل مفتوحة وكثيرة لحل هذه المشاكل المتكررة.
لكن الكاتب اختار الحزن على الأمل واختار الضعف على الحل.
اشكر الكاتب لإثارة الموضوع. ونتمنى قصص نهاياتها سعيدة.
اسعدني رايك عزيزي.. هذا جزء من واقع نعيشه ونحاول ادانته والتنبيه على مخاطره
لا اسرد القصص لمجرد التسلية ؛ انما نرويها للتنبيه على واقع ينبغي ان يصحح
البعض يعامل زوجته كقطعة اثاث اشتراها كديكور للمنزل لا امان لهم المراءه يجب ان تتحصن بالعمل على مستوى تحصيلها الدراسي حتى لا تحتاج ولا تقع فريسه لاناس بلا رحمه