العدد 27 - الأربعاء 02 أكتوبر 2002م الموافق 25 رجب 1423هـ

عملية «مسألة وقت» فشلت فشلا ذريعا وسياسة «البلدوزر» لن توصلنا إلى أي مكان

الصحف العبرية

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

عملية «مسألة وقت» انتهت بعد عشرة أيام من الحصار الذي فرضته «إسرائيل» على مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات المعروف بالمقاطعة في رام الله، فقد امتثل رئيس الوزراء آرييل شارون للضغط الاميركي وسحب قواته من داخل المقر الى المناطق المحيطة به. لكن زعماء «إسرائيل» وخصوصا آرييل شارون واجهوا سيلا من الانتقادات والهجمات اللاذعة بسبب اضطرار الأخير إلى رفع الحصار عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات تحت ضغط أميركي وهو ما أجمعت الصحف الإسرائيلية على وصفه «بالنكسة الحقيقية» لإسرائيل بعد الفشل في اعتقال فلسطينيين تعتبرهم تل أبيب «مطلوبين» واتهمه بعضهم بالاستسلام لواشنطن.

وعلى رغم ان مسئولا إسرائيليا أشار إلى ان رفع الحصار عن عرفات مؤقت ويمكن أن يفرض مجددا بعد انتهاء الحرب الأميركية على العراق، رأى يوئيل ماركوس في «هآرتس»، ان رفع الحصار عن عرفات والمقاطعة لم يجلب للإسرائيليين السمعة الحسنة. لأنه ليس من المفترض على الحكومة الإسرائيلية أن تدع الدماء تغمرها من رأسها حتى قدمها وأن تتصرف بتهور فقط بسبب تعرضها لعملية انتحارية في تل أبيب. وما كان عليها أن تندفع نحو الأمور من دون أن تفكر مليا بالنتائج. كما لم يكن عليها أن توافق على التحركات العسكرية من دون الأخذ في الاعتبار الموقف العالمي ومن دون إمعان التفكير في ردة فعل المجتمع العالمي والولايات المتحدة على وجه الخصوص.

وإذ لفت إلى ما توقع أن تسمى العملية الأميركية لإسقاط صدام حسين بـ «حان الآن دور العراق» رأى انه الوقت الذي يدعو إلى الاحتماء تحت جناح الأم أميركا. فمهما تكن أميركا طيبة مع إسرائيل، فإن باستطاعة بوش أن ينقلب ليصبح شريرا إذا ما قامت «إسرائيل» بإلحاق الضرر بما أسماه ماركوس «الإجماع العربي» الذي بدأ يتبلور لصالح شن هجوم على العراق، إذ بإمكان «إسرائيل» التدخل في مساعي أميركا لتعبئة التأييد الدولي، لكن خطوة واحدة خاطئة منها سوف تكلفها غاليا.

في أي حال فإن ما زاد في حدة الموقف تجاه حكومة شارون، كشف معاريف ان هؤلاء «المطلوبين» الذين تتهمهم «إسرائيل» بتدبير هجمات فدائية ضدها غادروا مقر الرئيس الفلسطيني في مجمع المقاطعة المدمر في رام الله مباشرة بعد رفع الحصار عنه.

وأجمع المحللون الإسرائيليون على ان الضغط الذي أملته التزامات واشنطن في الملف العراقي، أدى إلى تغيير الموقف الحازم لرئيس الوزراء الإسرائيلي. ولفت ألوف بن في «هآرتس»، إلى انه اتّضح من خلال الحصار الإسرائيلي لمبنى المقاطعة ان الدعم الأميركي لحكومة شارون هو رهن بالمصالح الأميركية. ورأى ان هذه الإشارة يجب أن تقلق شارون، إذ انها تعني انه عندما يقرر بوش، التعاطي بجدية مع المسألة الفلسطينية فإنه لن يتردد في التصادم مع شارون... وإذ لاحظ جيرالد ستينبرغ في «جيروزاليم بوست»، ان شارون وحكومته ومؤسسة الجيش احتاجوا إلى أسبوع كامل للاعتراف بأن الردّ الإسرائيلي على عملية تل أبيب كان غلطة... رأى ان هذا الاعتراف كان صعبا جدا وعلنيا جدا، على رغم انه بعيد عن الهزيمة التي يدّعيها رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، وفريق العلاقات العامة الفلسطيني. لكن ستينبرغ، اعتبر ان الخلاف مع الولايات المتحدة حول هذا الموضوع، يتعلق بالتكتيك والظروف، وليس بالإستراتيجية. ورأى ستينبرغ، أيضا ان آرييل شارون يعرف متى يعترف بالخطأ ويعرف كيف يحدّ من الخسائر، وخلص إلى ان نجاح شارون الملحوظ خلال السنتين الماضيتين، كان نتيجة لتعاونه مع إدارة بوش. وأضاف انه للحفاظ على هذه العلاقة، لا مجال أبدا بعد اليوم لتفويت الإشارات المهمة، أو لإحداث أي تغيير في المسار. لكن «جيروزاليم بوست»، لفتت إلى هذا الإحساس بالحصانة الذي شعر به عرفات وربما أيضا حزب الله وسورية قد يكون مؤقتا ولكنها حذرت من ان تكلفته ستكون باهظة جدا على «إسرائيل» والولايات المتحدة... وخلصت «جيروزاليم بوست»، إلى ان هذا التعاون لا يعني فقط أن تلتزم إسرائيل، بالمطالب الأميركية لجهة ضبط النفس، وإنما يعني أيضا أن تقوم واشنطن بدعم «إسرائيل»، للدفاع عن نفسها في وجه ما أسمتها الاعتداءات العربية، التي تهدف أيضا إلى عرقلة الحرب الأميركية ضدّ العراق. وحمّلت «هآرتس»، مسئولية ما جرى في رام الله، إلى ان مجلس الوزراء، الذي أعماه الغضب بعد هجوم تل أبيب لم يتساءل كما كان يجب أن يفعل عن ماهية الأهداف التي سيحققها جرّاء حصار مقر عرفات وعن فرص تحقيق هذه الأهداف كما انه لم يحاول منع شارون من تنفيذ هذا القرار. واعتبرت ان استسلام رئيس حكومة «إسرائيل» آرييل شارون، للضغوط الأميركية لرفع الحصار عن مقر عرفات، في مجمع المقاطعة، أضاء على القرار المتسرع الذي اتخذته الحكومة لتجديد وتضييق الحصار على المقر منذ 12 يوما.

إلاّ ان الصحيفة الإسرائيلية اعتبرت ان شارون، تصرف بحكمة عندما قرر رفع الحصار عن المقر، بعد أن أدرك انه لا يمكنه تحقيق أي مكسب من خلال هذا الحصار. لكن قراره وللأسف جاء بعد قرار شديد اللهجة من قبل مجلس الأمن، وموقف واضح وصريح للولايات المتحدة في هذا الشأن. وأضافت «هآرتس»، ان عملية «انها مسألة وقت فقط» فشلت فشلا ذريعا، خاصة وانها نجحت في تعزيز موقع عرفات، على الأقل مؤقتا، وبذلك تكون الحكومة قد أعاقت بنفسها جهودها الهادفة إلى جعل عرفات «غير ذي صلة». وخلصت الصحيفة الإسرائيلية، إلى ان فشل الحكومة أثبت ان سياسة «البلدوزر» والتدمير لن تقودنا إلى أي مكان، لذلك فإنه يجب على «إسرائيل» أن توسع اتصالاتها بالمعتدلين الفلسطينيين. كما انه يجب عليها أن تأخذ السياسات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط بعين الاعتبار، وأن تثبت للشعب الإسرائيلي انها قادرة على إنهاء العنف من خلال المفاوضات التي ستؤدي إلى اتفاق وتسوية بين الشعبين.

لكن الغلطة الأكبر لحكومة شارون، والمثيرة للإحراج في رأي يوئيل ماركوس في «هآرتس»، كان سوء حكمها على الموقف الأميركي. ونتيجة لتشبثها بسياستها العبثية، لقيت الحكومة الإسرائيلية استنكارين وشجبين رئاسيين، الأول صادر عن قرار مجلس الأمن الذي طالب برفع الحصار والأسوأ منه هو إصدار بوش أمرا بالانسحاب. فأي كان يعتقد انه باستطاعتنا أن نفعل ما يحلو لنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة لأن بوش منهمك بقضية العراق فقد أساء فهم الأمور.

وما كان قد شغل بال الجميع قبل التراجع الشاروني عن حصار عرفات، هي نتائج هذا الحصار من تعكير العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، فـ «إنها مجرد مسألة وقت» يقول يوئيل ماركوس في «هآرتس»، قبل أن ندفع ثمن رفض الالتزام بقرار مجلس الأمن الذي يدعو إلى رفع الحصار عن عرفات وسحب قواتنا من المقاطعة وغزة.. معتبرا ان الدولة العبرية، تتجه نحو أزمة دفاعية خطيرة في حال عدم بروز أية مبادرة سياسية.. ليس في الداخل فحسب بل على حدودها أيضا. لكن ما أثار قلق مارك هيلير في «جيروزاليم بوست»، الذي سأل عن الجدوى من هذا الحصار طالما انه لم يتعرض لعرفات بالأذى؟ هو ان الرئيس الفلسطيني كان يجب أن يكون أسيرا أو قتيلا. لافتا إلى ان هذا الحصار أدى إلى إصدار قرار ضدّ «إسرائيل» في مجلس الأمن، كما انه أدى إلى تعزيز الدعاية المناهضة لـ «إسرائيل». والأسوأ من ذلك، يقول هيلر، ان هذه الدعاية من شأنها عرقلة الاستعدادات الأميركية لشن حرب على العراق وبالتالي توتير العلاقات الإسرائيلية الأميركية. وأوضح هيلير، انه يمكن القول ان الحصار المفروض على عرفات، يفسد مصالح «إسرائيل» الاستراتيجية وعلاقاتها المتينة مع الإدارة الأميركية كما يفسد عملية تجريد العراق من السلاح والقضاء على صدام وبالتالي على الصدامية. وأضاف هيلير، ان الأمر الأسوأ هو انه لا جدوى من دفع كل هذه التكاليف الباهظة، وخصوصا ان الخطوات التي تتخذ ضد عرفات لا تجدي نفعا.

يُذكر ان المحلل في «هآرتس»، ألوف بن، تطرق إلى مسألة العلاقات الإسرائيلية، مع أوروبا، فبعد أن ارتاح بن، إلى ان العلاقات الأميركية الإسرائيلية عادت إلى مسارها الصحيح، وكشف ان وزارة الخارجية الأميركية أعطت تعليمات لممثليها وسفرائها في المنطقة بعدم إبداء أي مشاعر ابتهاج حيال استسلام «إسرائيل» بل على العكس التركيز في الوقت الحالي على الصداقة التي تربطهما لأن المسألة أصبحت من الماضي، فإن القلق بدأ يتصاعد في وزارة الخارجية الإسرائيلية أكثر فأكثر، خاصة بعد أن بدأ بعض المسئولين الأوروبيين بالتمييز بين الهجوم الفلسطيني داخل «إسرائيل» (الخط الأخضر) وبين الهجوم على المستوطنين أو الجنود الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن هنا رأى بن، ان على «إسرائيل» أن تبذل جهودا مكثفة لتحسين العلاقات مع أوروبا، مشيرا إلى ان الصادرات الإسرائيلية إلى أوروبا قد انخفضت بنسبة 26 في المئة في العامين الماضيين لأن الشركات الأوروبية لا تريد التعامل تجاريا مع «إسرائيل». محذرا من ان التعامل بازدراء مع أوروبا، هو أمر غير ضروري، ومضر في الوقت نفسه.

وإذ شكلت زيارة شارون لموسكو مخرجا له من الأزمة والضغوط الهائلة التي أجمعت كلها على إدانة الحصار، لفت بين كاسبيت في «معاريف»، إلى ان الرحلة إلى موسكو بالنسبة إلى شارون جاءت في وقتها المناسب تماما، ففي مثل هذا اليوم يجب الرحيل ولا يهم إلى أين. لكن المهم الابتعاد أكثر ما يمكن عن المقاطعة. واعتبر ان حصار المقاطعة الذي بدأ بهدير الجرافات وأجواء الحرب، انتهى بشكل مخجل. لكن اللافت هو الحملة التي شنتها «جيروزاليم بوست»، على روسيا، حتى كادت الصحيفة الإسرائيلية، أن تضع روسيا على لائحة الدول الراعية لـ «الارهاب» وقد تكون افتتاحية «جيروزاليم بوست»، مؤشرا على فشل محادثات شارون في الكرملين، فقد رأت ان الصورة التي تحاول روسيا، إظهارها من خلال إظهار نفسها كشريك متعاون مع الغرب، هي صورة مضللة. فعلى رغم استمرار روسيا، في وعظ العالم حول حرمة حقوق الإنسان، ورفضها «للإرهاب» فإنها ما زالت تتعاون مع الأنظمة «الإرهابية» في العراق، وإيران. وقالت انه على رغم ان واشنطن أطلقت يد روسيا للقضاء على «الإرهاب» في الشيشان فإن موسكو لم تبادر قط إلى قطع علاقاتها مع طهران أو بغداد. ومن هنا اعتبرت انه طالما ان روسيا، تشعر ان بإمكانها الحصول على ما تريد من الغرب، من دون قطع علاقاتها بأعداء الغرب، فإنها لن تغير سياستها هذه. لذلك وحسب الصحيفة الإسرائيلية فإنه يجب إجبار روسيا على اتخاذ قرار وبشكل سريع جدا

العدد 27 - الأربعاء 02 أكتوبر 2002م الموافق 25 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً