من المعروف أن العين البشرية يمكنها رؤية الأشياء بوضوح ابتداءً من مسافة 25 سم. هذا يعني أن العين السليمة لن تستطيع رؤية ما هو أقرب من ذلك.

ليست العين البشرية وحدها التي لا ترى الأشياء القريبة منها بوضوح. ذلك أننا نحن البشر كثيراً ما نغفل وجود ما هو قريب منا. والمقصود هنا ليست الرؤية بمجالها البصري. بل ما هو أبعد وأعمق من مجرد النظر. هذه الغفلة في كثير من الأحيان ليست مقصودة. وإنما هي طبيعة اعتاد عليها الإنسان حين البحث عما يريد.

نبحث عن حلول لمشكلات طارئة تلم بنا، فنرحل إلى ما هو أبعد مما بين أيدينا. متغافلين وجود الحل في مجال أقرب مما ذهبنا إليه. وهو ما يذكر بقصة السجين التي يقال إن أحداثها وقعت في عهد لويس الرابع عشر، حين ذهب الأخير إلى محكوم بالإعدام لم يتبق على موعد إعدامه سوى ليلة واحدة، طالباً منه أن يجد المخرج الخالي من الحراسة الموجود في زنزانته، فإن وجده سيخرج منه، وإلا فإن الحراس سيأتون لأخذه لتنفيذ الحكم في اليوم التالي. ثم غادر الملك والحراس، وتركوا الرجل يبحث عن المخرج بلهاث. بحث في المخارج السرية جميعها، فمن فتحة مغطاة بسجادة بالية على الأرض تؤدي إلى السرداب لكنها توصله إلى برج شاهق، إلى سرداب ضيق لا يتسع إلا لرجل زاحف أوصله في النهاية إلى نافذة مغلقة بالحديد، إلى مخارج متعددة توصل في كل مرة إلى طريق مسدود بعد أن يأخذ وقتا طويلا للعثور عليها واجتيازها، وهكذا حتى لاح نور الفجر، ودخل عليه الإمبراطور متعجباً أنه مازال مكانه، فقال له السجين: ظننتك صادقا معي أيها الامبراطور، فلم أترك بقعة إلا حاولت معها، ليفاجأ به يقول له: كان باب الزنزانة مفتوحاً من غير حراس!

وهكذا كان السجين يبحث في أصعب الأماكن متجاهلا الباب المفتوح أمامه. كما نفعل حين البحث عن حلول معقدة لمشكلات نمتلك مفاتيح حلها.

كما نبحث أحياناً عن قريب يفهمنا، متجاهلين أقرب الناس إلينا. أو حبيبٍ وصديق يهتم بتفاصيلنا، فيما يجاهد القريبون منا في إبداء اهتمامهم الحقيقي بأبسط التفاصيل وأدقها حين يتعلق الأمر بنا. ليست مجاملة وإنما حباً واهتماما حقيقياً نابعا من محبة لا تنتظر شكراً أو مقابلا. نتجاهل القريب عمداً أو غفلة، فيما نبحث عن كل ما هو بعيد ومعقد وغير موجود أحيانا.

من المهم أن نفتح بصيرتنا بشكل صحيح، وأن نرى القريب قبل البعيد، أن نرى مابين أيدينا قبل أن نبحث فيما بعده، ستكون حياتنا بالطبع أسهل وأكثر جمالاً وراحة.