الفوبيا هي من الأمراض النفسية التي تصيب وقد تدمّر حياة الإنسان، وهي عبارةٌ عن خوف شديد متواصل من شخص أو من الآخرين أو شيء ما، مثل مواقف أو نشاطات معينة، ليس بالضرورة عند حدوثها، وإنما مجرد التفكير في حدوثها، أو مجرد أن يسمع الآخرين يتحدثون عنها. فمثلاً هناك من يخشى مواجهة من يعتقد بأنهم أفضل منه علماً ومالاً. هذا النوع من الخوف يجعل من المصاب شخصية ضعيفة ومتشائمة وغير قادرة على العيش بسلام. فيعيش المرء المصاب بهذا الداء بدون أحلام أو أهداف مستقبلية؛ لأنه لا يملك الجرأة في رسم رؤية مستقبلية، أو اتخاذ القرارات خوفاً من الفشل الذي هو النتيجة الحتمية المرسومة في عقله.
وقد يصيب هذا المرض فرداً أو مجموعةً من الأفراد أو شعوباً بنفس المستوى والخطورة، وقد يكون سبباً جوهرياً في عدم تقدّم تلك الشعوب، والبقاء على مستواها العلمي المتدني. ويترسخ لدى المصابين بالفوبيا الاعتقاد بأن قدراتهم الذهنية أقل بكثير من الآخرين، وخاصة المنافسين لهم، فيعتقدون أنهم يفتقرون إلى الإمكانات التي تمكّنهم من المنافسة ومقارعة الكبار.
إن أخطر أنواع هذا المرض هو عندما يصيب مجتمعاً بأكمله أو نسبة كبيرة منه. وهذا النوع من الفوبيا يتفشى في كثيرٍ من المجتمعات النامية، والتي تعتقد بأنها ضعيفة ولا حول لها ولا قوة، ضعيفة الابتكارات والتقنية والدراية والمعرفة والشجاعة والحسم في اتخاذ القرار، ضعيفة الاعتماد على الذات، ليس بالضرورة الضعف المالي أو العلمي أو العددي.
نسبة كبيرة من مجتمعاتنا العربية مع الأسف، مصابةٌ بهذا المرض، الذي أصبح كالجدار الرفيع يمنعنا من التقدم إلى الأمام. فلدى البعض عقد مزمنة من هيمنة وقوة وتسلط المجتمعات الأخرى، وخاصة المجتمعات المتقدمة، ومن قوتهم الفكرية والمالية والعلمية التي رسخت في عقولهم بأنه من المحال مواجهتهم، فتراهم رافعين الراية البيضاء لهم، فيصبحون خاضعين تحت سلطتهم وعاجزين عن مواجهتهم.
لهذا السبب بقينا نخشى من الهيمنة الأميركية الأوروبية، ومن عظمة الشركات العالمية وقوتها التنافسية، ومن دون أن نتجرأ على مواجهتها بالسلاح العلمي والمعرفي، وبناء القوة الذاتية التي تمكننا من منافسة تلك القوة وإثبات الوجود، ومن دون حتى أن نكلّف أنفسنا جهداً ونقوم بدراسة أسباب تفوقهم، وأسباب تأخرنا، والكيفية التي يمكن من خلالها أن نتقدّم ونحقّق التفوق.
دول ومجتمعات كثيرة نجحت في التغلب على تلك الفوبيا، ولم تستسلم بل تسلّحت بالعلم والمعرفة، وتحوّلت إلى قوةٍ تخشاها الدول العظمى. مثال على ذلك اليابان وسنغافورة ودول شرق آسيا، والهند وغيرها من الدول التي استطاعت بفضل إصرارها على تحويل هاجس الخوف إلى دافعٍ للمواجهة والنجاح، وبفضل تبني رؤية مستقبلية متينة، تضمن لهم مستقبلاً أفضل بقدرات تنافسية عالية.
أما نحن فبدلاً من أن نواجه التحديات والمنافسة وزرع الثقة والتسلح بالعلم والمعرفة والتعلم من أخطائنا وتجارب الآخرين، خلقنا من الفوبيا حجةً نبرّر بها فشلنا، وعجزنا عن منافسة الآخرين. وبذلك تشكّلت لدينا قناعة تامة بأننا شعوب مظلومة، سُلبت منها مقومات التقدم والنجاح، وأن الدول الكبرى لا تريد لنا خيراً، فبقينا في موقع الدفاع والمقاومة المستمرة ضد تلك الهيمنة الاقتصادية المزعومة من الدول التي سبقتنا في الوصول إلى القمة، وتحوّلت في عقولنا بأنها دول نموذجية بمثابة جنة الله على الأرض نحلم بالعيش فيها .
إنه وبدلاً من أن نبقى نعاني من هذه الفوبيا المهلكة التي كانت ولا تزال سبباً في تخلفنا، وبدلاً من أن نستمر في إقناع أنفسنا بأننا أمة مظلومة مسلوبة الحقوق لا تستطيع المنافسة، ولا تمتلك مقومات التقدم والازدهار، دعونا نعيد النظر في سياساتنا وأفكارنا وقدراتنا، ونؤمن بأننا أمة كسائر الأمم، تمتلك كل أسباب وعوامل النمو والقدرة على الابتكار والمنافسة، ولديها كل الإمكانات لتصبح قوةً اقتصاديةً عظمى، لا تخشى الآخرين مهما كانت قوتهم وقدراتهم الفكرية والمالية. فلدينا من الإمكانات والموارد الطبيعية والبشرية الهائلة التي لو يحسن استخدامها في بيئة اجتماعية تنافسية مناسبة وصالحة للعمل، لأصبحنا أمة مبدعة مبتكرة تعتمد على نفسها وفي صفوف المجتمعات المتقدمة. هذا ليس حلماً، وإنما حقيقة تعلّمناها في المرحلة الابتدائية، وتعمّقنا في دراستها في الدراسات العليا.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الصائغ"العدد 5195 - السبت 26 نوفمبر 2016م الموافق 26 صفر 1438هـ