الانتخابات الأميركيَّة انتهت بفوز مرشَّح الحزب الجمهوري دونالد ترامب بأصوات المُجمَّعات الانتخابيَّة electoral colleges. وبحسب قواعد اللعبة المعمول بها، فإنَّ كلَّ ولاية لها مجمَّعٌ انتخابيٌّ، والفائز في الولاية يفوز بجميع أصوات المجمَّع الانتخابي.
المُجمَّعُ الانتخابيُّ هو الفكرة التي ابتكرها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأميركيَّة، وهي في أساسها تنصُّ على أنَّ انتخاب الرئيس يُحدِّده المُجمَّعُ الانتخابيُّ بغضِّ النظر عن تصويت الجمهور. والهدف من كل ذلك هو منع وصول شخص غير مُناسب إلى الرئاسة، على رُغم أنَّ المُجمَّع الانتخابيَّ لم يعارض رغبة الناس إلا مرَّة أو مرَّتين، منذ تأسيس الولايات المتحدة، ولعلَّه سيجد صعوبة في مخالفة رأي الجمهور في العصر الحالي.
الفكرة لها جذورها، وذلك لأنَّ الديمقراطيَّة المباشرة التي كانت تُطبَّق في أثينا، في القرن الخامس قبل الميلاد، كان من عيوبها الرئيسيَّة أنَّ الرغبات الجامحة التي تسيطر على الناس يتمُّ تفعيلها مباشرة حتى لو كانت خاطئة، بما في ذلك - مثلاً - قرار إعدام الفيلسوف سقراط، الذي تمَّ تنفيذه نزولاً عند الرغبة الديمقراطيَّة.
ردّاً على ذلك، فقد كفر أفلاطون (تلميذ سقراط) بالديمقراطيَّة، ودعا إلى حكم الفلاسفة، واعتبر أنَّ الفيلسوف لا ينتُج عنه إلا الحقُّ والعدلُ والخيرُ، على أساس أنَّ علم الفيلسوف يمنعه عن ارتكاب الأخطاء. هذه الفكرة الطوباويَّة لم تكن واقعيَّة، ولذلك فإنَّ الديمقراطيَّة عندما انهارت في أثينا خلفتها نُظمٌ لا تعترف بإرادة الناس، ولا تلتزم بمنهاج الحكمة والعدالة.
وعندما عاد المفهوم الديمقراطي إلى التفعيل قبل قرنين أو ثلاثة، ابتكرت التجاربُ الإنسانيَّةُ فكرة الديمقراطيَّة غير المباشرة، أو الديمقراطيَّة التمثيليَّة، وأدخلت ضوابط وتقييدات لموازنة احتمال جنوح الناس نحو الرغبات التي يمكن أنْ تسلِّم الأمور إلى أشخاص لا يأمن الناس من تصرفاتهم. ولعلَّ السؤال المحوريَّ في كلِّ ذلك، هو عن مدى وجود مؤسَّسات دستوريَّة قويَّة تستطيع مقاومة ومنع أيِّ تمادٍ على الحقوق الطبيعيَّة للناس، ومنع أيِّ تصرُّف قد يتسبَّب في عواقب وخيمة. هذه المبادئ تخضع للاختبار في فترات صعبة، وربما نحن حاليّاً في فترة اختبار من هذا النوع.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 5194 - الجمعة 25 نوفمبر 2016م الموافق 25 صفر 1438هـ
الديمقراطية أسقطتها قضايا الشعوب المستضعفة في الامتحان كقضية الشعب الفلسطيني وغيرها من الشعوب المستضعفة
الكلام عن الديمقراطية وحقوق الانسان ضائع في بلد يعتقل الناس لأبسط حالات التعبير عن الرأي