إن قطاع السياحة من القطاعات الهامة، ويمكن لها أن تحدث تطوراً اجتماعياً واقتصادياً وبيئياً ملموساً؛ إذا ما تم التخطيط لها بالشكل المناسب، فالزائر يريد أن يزور قلعة البحرين والمتحف الوطني والفورمولا، ويهمه أن يجد أمامه مجموعة من الخيارات من الفنادق ذات النجمة والنجمتين وحتى الخمس نجوم.
إن تطور السياحة في البحرين، لا يقاس بعدد السياح القادمين إلى البحرين، أو بحجم الدخل السياحي فحسب، وإنما من خلال مؤشرات اقتصادية اخرى، من مثل نسبة انخراط البحرينيين في العمل السياحي، حيث أن هذه النسبة لاتزال متواضعة في حدود 22 في المئة، علما بأن البحرين من الدول التي تعاني من مشكلة البطالة.
بعد تخرجه من الكلية العليا للإدارة توجه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك إلى الولايات المتحدة، ولأنه لم يمتلك مصاريف الدراسة، فإنه توجه ليعمل في المطاعم، (شيراك) لم يكن طاهيا، فهذه مهمة صعبة وتحتاج إلى خبرة كبيرة، ولم يكن أيضا نادلا، فهذه مسألة تحتاج إلى شخص يتحدث الإنجليزية بلكنة سليمة ويفهم الأميركيين بصورة ممتازة، وكان الحل أن يعمل في غسيل الأطباق، وهذه مهمة تستلزم بأن يقوم بتنظيف المطبخ، لم ينكر هذه المرحلة، ولعله افتخر بها أكثر من مرة في جميع مراحل حياتة السياسية والمدنية.
مناسبة الحديث هو أن لدينا نحو 15 ألف وظيفة في قطاع السياحة، لا تجد من يشغلها من البحرينيين، فالشباب يعزف عن هذه المهن، وذلك لأسباب اجتماعية أو اقتصادية محضة تم بحثها ودراستها دون فائدة، وحتى لو التحق أحد الشباب بالقطاع السياحي في الفنادق والمطاعم، فإنه يكون في إطار عملية بحثه عن فرصة أفضل، وبعد ذلك لا يجد غضاضة في التضحية براتب جيد يحمل آفاقا متواصلة للزيادة، ويمكن في المتوسط أن يتضاعف مرة كل 6 أو 7 سنوات، ليصل إلى راتب لا يتجاوز نصف ما يحصل عليه في قطاع السياحة، وضحى به في سبيل الحصول على وظيفة حكومية.
إن المشكلة لا تتمثل بضآلة نسبة البحرينيين في المجال السياحي (22 في المئة)، وإنما لنتمعن بالمهن التي يعملون بها، فهي لا تخرج عن مهن بسيطة مثل محاسب أو سائق أو موظف أمني، وكم كنا نتمنى أن تظهر مهن ذات مهنية سياحية وفندقية عالية، ولكن هذه المهن تحتاج إلى علم وكفاءة وخبرة.
وهنا نتساءل ما سر نجاح المطبخ اللبناني في الوطن العربي والعالم؟ ببساطة إبان الاستعمار الفرنسي للبنان، ابتعثت مجموعة من الشباب لتعلم فن الطبخ في فرنسا، وبعد سنوات عاد المبتعثون ومعهم نواة المطبخ اللبناني. نتمنى بأن تتبنى الدولة ابتعاث مجموعة من الشباب البحريني ليتعلموا تخصصات مختلفة في المطاعم والفنادق والسياحة.
إن أصحاب المشاريع السياحية في البحرين، يعلمون أن البديل متوافر من غير ابناء الوطن، وبالتالي تتراجع الفرصة لتشغيل أبناء الوطن؛ لأن شروط العمل الموجودة لا تتوافر فيهم، ويشعر العامل البحريني بالغبن لأنه لا تتوافر فيه الكفاءة والمهارة؛ لأنه لم تتح له الفرصة المناسبة.
في البحرين، يعزف الشباب عن العمل في مهن السياحة والضيافة؛ لأنها غير مقبولة اجتماعيا، فهي من وجهة نظرهم تنتقص من المكانة الاجتماعية للفرد، ويفضل البعض أن يجلس في منزله، بدلا من العمل في هذه الوظائف، والتغيير يتطلب حملة من التوعية الجدية، وزيادة الاحترام لهذه الوظائف في ثقافتنا الشعبية، وعدم الدعاية عن طريق قصص النجاح أو الإعلانات التلفزيونية، فهذه وسائل أثبتت عدم تمكنها من تحقيق أي شيء ملموس. والطرح الآخر والمهم هو تدني معدلات أجور العاملين في قطاع السياحة، لا سيما المبتدئين منهم.
والسؤال، هل توقفت القدرة الإبداعية على إدارة حملة توعوية شاملة، تخاطب الجمهور بطريقة يتفهمها؟ أم أن ما يسمى بثقافة العيب، أصبح المصطلح الأكثراستخداما ليمثل المشكلة المستعصية.
القضية شائكة ولكنها قابلة للحل؛ المشكلة ليست في آلاف الوظائف الضائعة على البحرينيين، ولكن في الأموال التي تخرج من البحرين في صورة تحويلات مالية صعبة، وهذه الأموال لو بقيت في البلد لدخلت عجلة التطور الاقتصادي بصورة منتجة ومضاعفة.
وبينما يتطلع المختصون في الاقتصاد لتحويلات العاملين المقيمين للخارج، فإن دول الخليج عندما توجهت لبناء اقتصادات تجارية، وفي جانب منها سياحية وترفيهية، تعمدت أن تستغل ليس الزوار وحدهم، ولكن المقيمين من مختلف الجنسيات أيضا، وبالتالي تراجعت الأموال التي تخرج من هذه الدول، وبقيت تدور في العجلة الاقتصادية المحلية.
العمالة في القطاع السياحي هي التي يمكن أن تفرض شروطها إلى حدود معينة، ويبدو أن المنشآت السياحية تعتمد على معادلة غير منصفة، فهي تستعين بأيدي عاملة رخيصة من خارج البحرين، وفي الوقت نفسه لا تعمل على تخفيض أسعارها، ولا تحقق للبحرين أي ميزة تنافسية سياحيا، فهي تستنزف السائح في برامجها التي تستفيد منها بعض شركات السياحة، ولا تترك للسائح فرصة للخروج عمليا والإنفاق بما يفيد القطاعات الأخرى، وتطلب من الموظف الانصياع للعمل وفق شروطها، وقانون العمل لا يوفر الحماية لموظفي بعض القطاعات، مع أن الأصل أن يكون القانون مرنا في تعامله مع بعض القطاعات التي تعتبر قطاعات نامية.
كما أصبحت السياحة من أكبر القطاعات التي تساهم في الناتج العالمي، حيث تساهم بما نسبته 15 في المئة، مقارنة مع 4 في المئة فقط للزراعة و11 في المئة للخدمات المصرفية، و14 في المئة للصناعة بشكل عام، و12 في المئة للصناعات التحويلية، 6 في المئة للاستثمار و12 في المئة للصادرات البترولية، فيما يتبقى من صناعات وخدمات أخرى تستحوذ على 26 في المئة من الناتج العالمي، بينما تساهم السياحة بنسبة 16 في المئة من الاستهلاك العالمي، و7 في المئة من الاستثمار العالمي، و9.6 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي العالمي. وقد شكلت إيرادات السياحة العالمية نحو 7 إلى 8 من إجمالي صادرات العالم من السلع والخدمات، وذلك وفقاً للإحصاءات الصادرة عن منظمة السياحة العالمية.
المطلوب؛ نظرة معمقة في القطاع السياحي من الداخل، والسعي نحو الاستعانة بالكفاءات الوطنية ضمن خطة تتسم بالفعالية وتتوافر لها المتابعة الدائمة، وليس الاستمرار في الفرجة على قطاع واعد يفيد الكثيرين باستثناء اهل البحرين.
جميل جدًا أن نحتفل بالمنامة عاصمة للسياحة العربية، وأن نحتفل باليوم العالمي للسياحة، وأن نحافظ على مواردنا المائية والبيئية، ولكن أتمنى بأن يتم وضع خطط وإستراتيجيات جديدة للسياحة في البحرين، بحيث تتم تنمية وتطوير الموارد البشرية البحرينية مع متطلبات واحتياجات سوق العمل السياحي والفندقي، فهل يعقل بأنه لغاية اليوم لا يوجد العدد الكافي من المرشدين السياحيين المرخصين في البحرين، مع العلم بأن هذه المهنة تلقى قبولا واسعا عند أبناء البحرين؟
إقرأ أيضا لـ "حابس السماوي"العدد 5194 - الجمعة 25 نوفمبر 2016م الموافق 25 صفر 1438هـ
كلامك منطقي وعين العقل و لكن من الذي يسمع
أين المشكلة
كُل الكلام المنطقي و السليم، والذي يصبّ في مصلحة الوطن و المواطن .. هو محل تقدير و قراءة و تفهم، ولكن ؟!
مُشكلة البحرين في منظومة السُلطة والحكومة، فهي بعيدة عن المواطن البحريني .. ولا توجد رقابة و مُحاسبة على إدارة الحكومة والبلد، وهذا الأمر .. كارثة ..!!
جماعتك
يبون وظائف مال وزارة التربية عشان يقعدون .
روح بيت سيادي في المحرق المرشد واللي يستقبلونك هنود وباكستانيه..بدل ما اوظفون البحرينيين خالين هنود...بس يفتح الينا البيبان ويتنقل مع السياح...