العدد 5194 - الجمعة 25 نوفمبر 2016م الموافق 25 صفر 1438هـ

فرحات: جدلية «الأنا والآخر» من الجدليات الكبرى التي تحكم التاريخ الإنساني

محمد نعيم فرحات متحدثاً إلى «الوسط»
محمد نعيم فرحات متحدثاً إلى «الوسط»

قال الأستاذ المشارك في علم الاجتماع في فلسطين محمد نعيم فرحات، في ورقته التي جاءت تحت عنوان: «كيف تمثلت السردية الصهيونية الإسرائيلية للفلسطيني (بحث في إنشاء صورة وفي مفارقاتها)»، «تحاول هذه الورقة البحث في صورة الفلسطيني كما تمثلتها السردية الصهيونية وصنعتها ورسختها في الوعي الحاكم لإسرائيل، وحاولت إقناع العالم بها، وقد ركزت على السياق والعوامل التي لعبت دورًا في تأكيد صورة الفلسطينيين كما جرى بناؤها وانشاؤها، من خلال تحليل موروث ممتد بهذا الخصوص، كما توقفت عندما أنتجه هذا التصور من مفارقات تلقي بأثقالها في وجه إسرائيل نفسها بعد أن ألقت بها ولاتزال في حياة الفلسطينيين ومحيطهم وامتداداتهم القومية والثقافية والدينية والإنسانية».

وأضاف فرحات «تمثل جدلية «الأنا والآخر» واحدة من الجدليات الأساسية الكبرى التي تحكم التاريخ الإنساني، وعلى ما يقول إدوارد سعيد فإن هوية «الذات والآخر» هي صيرورة فكرية سياسية عالية الاشتغال»، وذاته سعيد هو الذي يشير إلى أن «المعرفة بالآخر أصبحت أبعد ما تكون عن الخيال؛ لأنها تشكل بالتكرار الآخر المفروض أنه قيد البحث، وأن هذه المعرفة تكتسب صلابة ومكانة تضعها في مصاف الممارسة الاجتماعية الثقافية الأصيلة المتعارف عليه».

وأردف «من خلال هذا الأفق الذي يطرحه سعيد نستطيع أن نتخيل الدور الذي يلعبه الوعي بالآخر في تشكيل الهوية، وفي تحديد الموقف من الآخرين معاً، على نحو يجعل من تحديد الموقف من الآخر، ليس مسألة خارجية تجاور أو توازي عملية تشكيل الهوية، بل تضحي معطىً في صلب وصميم عملية التشكيل، واذا ما اردنا رؤية الآخر في مداره الحقيقي، سنجده هناك، بكامل طاقته على الحضور او الاستحضار على نحو أدق: في أعماق الهويات وفي صميم صورها».

وتابع «ويطرح هذا الأمر فيما يطرح، التساؤل عن الكيفية التي تتحول بموجبها مسألة الاعتراف بالآخر وقبوله على حقيقته كحاجة إنسانية إلى ضحية مؤكدة في عملية بناء صورته على يدي آخرين من جهة، وكيف تتحول المسألة إلى مؤشر أساسي لدراسة علاقة الذات بنفسها، إذ العلاقة بالآخر وعندما تكون سوية أو خلاف ذلك، لهي صدىً من نوع خاص للعلاقة التي تقوم بين صانع الصورة وبين ذاته، وكلما كانت هذه العلاقة سوية ومتوازنة كانت علاقته بالآخر كذلك، وكلما كانت سلبية وغير موضوعية ومبنية على سوء الفهم المقصود تكون علاقته مع ذاته حاملة لهذه الأبعاد والمعاني، على نحو يعكس خراباً بنيويّاً، ومن هنا يجدد القول نفسه بخصوص مساوئ تحريف الآخر عند تعريفه وتجاهل رؤيته على حقيقته بلحمه الثقافي وشحمه».

وأشار الى أن «هذه الممارسة، أي سوء النية وسوء الوعي المرتكب عند تعريف الآخر، موجودة في التجربة الإنسانية من مستوياتها الأولية: بين الذكر والأنثى إلى أوسع نطاق ممكن، كما توجد داخل كل حيز إنساني وثقافة أو بين الثقافات المختلفة والأجناس والقوميات، هي المسئولة الأولى عن موروث إنساني شاسع من الإشكاليات والنزاعات والتباينات والاختلافات والعلل والتشوهات والأضرار في تاريخ البشر وفي ذاكرتهم، أكثر مما كانت منتجة لما هو عكس ذلك من خلال اعتماد البشر على علاقة تثاقف ايجابي بين المختلفين منهم أو المتشابهين، وحيثما ولينا وجوهنا في الوجود والتاريخ سنجد فيضاً من النماذج على سوء الفهم المقدس الذي يتبادله الأفراد والجماعات والثقافات والقوميات والإثنيات».

واستدرك «غير أن هذه الورقة ستركز انشغالها على نموذج حيوي معاصر هو «السردية الصهيونية الإسرائيلية»، وتمثلها للفلسطيني، لعدد أسباب منها: خصوصية هذا التصور التي ترقى إلى تخوم الفرادة، وقوة الممارسات والتعبيرات التي أعطتها إسرائيل في الواقع إزاء الفلسطينيين على خلفية الصورة التي بنتها لهم، وقدرتها على تحويل ذلك إلى ثقافة حاكمة وسياسات متواصلة كان لها سند إيديولوجي فعال، وكذلك بسبب ما تخلفه هذا الحالة من مفارقات صعبة انبنت على رؤية شاذة، باتت تلقي بأثقالها في وجه إسرائيل نفسها بعد أن ألقت ما استطاعت من خراب مس بعمق الفلسطينيين في كل مناحي حياتهم».

وأفاد «يمثل الصراع الدائر في فلسطين وبخصوصها بين إسرائيل من جهة والفلسطينيين ومحيطهم العربي والإسلامي والإنساني من جهة أخرى، حالة معقدة ومركبة تمتد من التاريخ فالأرض حتى السماء، ويدور الصراع حول ماضي فلسطين وراهنها ومستقبلها ومعناها، تساهم فيه الميثولوجيات والإيديولوجيات والتأويلات والمصالح والحقوق بقسطها الوافر والمتجدد، كما أنه كان حقلاً خصباً لبناء الصور وانشائها وتوليدها والعودة إلى مخزون الصور النمطية المقولبة وتحديثها وتحينها وتشغيلها وإدماجها في الصراع على نحو مكثف».

وواصل «تشير المعطيات التاريخية والوثائق التأسيسية والنوايا الكامنة وراءها والنصوص والممارسات والتجارب والخطابات، إلى أن الحركة الصهيونية التي أنتجت إسرائيل كمشروع، دججت نفسها سلفا واستنادا إلى اعتقادات ميثولوجية وثقافية وسياسية صارمة خاصة بها، بصورة بنتها للفلسطيني تراوحت بين إنكاره ونفيه وتجريده من كل ما يمت له بصلة مع فلسطين، وجازفت باعتباره «كائناً لا تاريخيّاً» في علاقته مع مكانه الأول، أو اعتباره كائناً غير مشروع يشكل عقبة في طريق استرداد الحركة الصهيونية لفلسطين كحق لها كان مسلوباً طوال ألفي عام. وفي كلتا الحالتين ظل الفلسطيني عرضة للإخفاء والحذف فقط، على يدي حركة سعت إلى تجسيد ذلك من خلال استراتيجية عمل وممارسات معقدة ومقتدرة قامت على الطمس والاقتلاع».

وأوضح أن «هذا الموقف المثير يبدو واضحا بصورة لا تدعو إلى حشد الأدلة عليه في سطح الوعي الصهيوني وفي أعماقه معاً، وهو ما جسدته إسرائيل على نحو منهجي متواصل، وبمقدار ما كانت الفكرة الصهيونية معقدة وغير مألوفة في التاريخ، ومبدعة وناجحة من حيث قدرتها السياسية، على رغم لا مشروعيتها التاريخية والدينية والأخلاقية، تمكنت من تجسيد نفسها في كيان ودولة وحيز وجغرافيا ومساحات واسعة وعميقة من الفعل والنفوذ والحضور، بمقدار ما كانت الصورة التي بنتها للفلسطينيين كآخر، معقدة وغير مألوفة في كثير من جوانبها».

وأكمل فرحات أن «الذي يحتاج فعلا للتوقف هنا، هو أننا نقف بإزاء حركة لم تطرح نفسها كقوة استعمارية لديها فائض قدرة وخيال وظروف ملائمة، وجدت في فلسطين حيزاً مناسباً لمشروعها، وفي ضوء ذلك تعاملت مع الفلسطيني كآخر يشغل هذا الحيز لكنه يشكل عقبة في طريقها، لقد طرحت الحركة الصهيونية نفسها منذ البداية، كوكيل حصري عن كل اليهود في العالم منذ فجر تاريخهم حتى اللحظة، وكصاحبة حق مبني على تفويض سماوي طوب فلسطين منذ القدم ملكا لليهود فقط، وبالتالي بنت الحركة الصهيونية تصورها على أساس أنها تعود بنفسها، وباليهود إلى أرض الأجداد والآباء الذين ابعدوا منها منذ ألفي عام وتستعيدها في نفس الوقت. ومن هذا الجذر».

وذكر «بالذات لنا أن نتصور خلفية الرؤية التي حكت وعي الحركة الصهيونية ووارثتها إسرائيل بخصوص فلسطين والفلسطينيين، منذ كانت إسرائيل تتولد كفكرة، بمعنى آخر أن صورة الفلسطيني عند الحركة الصهيونية والموقف الذي حددته منه لم ينبن على تجربة تاريخية معه، سواء كانت قائمة على علاقة جيرة أو عيش مشترك أو صراع، لقد تم التعامل مع الفلسطيني سلفاً بصفته غير موجود أو يجب أن يكون غير موجود، وهذا النفي والإخفاء «بسبب إنكار وجودهم الذي يراه الفلسطينيون جنبا إلى جنب مع حقيقة وجودهم فيها يظهر ما تعرضوا له من استلاب، كما يكشف عن مدى عملية التغريب التي تعرضوا لها عن مكانهم الأول بفعالية تتخطى حدود العصر والتاريخ، حيث يمكنهم قراءة تاريخهم في مكان آخر حتى الثمالة».

وختم فرحات «وفي هذا السياق يبدو من المهم استحضار ما قاله يوما كميل منصور بشأن قيام إسرائيل وطبيعة فكرتها المبنية على معطى خارج بنيوي، إذ لم يكن قيامها «نتيجة أفضى إليها تطور اجتماعي سياسي طويل لجماعة محلية مستقرة تاريخيا في فلسطين، أخذت تعي نفسها بالتدريج كأمة إزاء باب عال يسيطر عليها، وازاء آهلين عرب يعيشون بجوارها، فباستثناء الجماعة الفلسطينية اليهودية التاريخية الصغيرة التي كانت تسكن في فلسطين قبل ظهور الحركة الصهيونية نفسها، فإن»اليشوف» الاسم العبري لوحدات الاستيطان الزراعي اليهودية فلسطين الذي نما في ظل الانتداب البريطاني وكونه ساهم فيما بعد بإيجاد دولة إسرائيل، كان في الأساس من المهاجرين الوافدين من أوروبا، وعلى هذا الأساس فإن إسرائيل تدين بوجودها لظاهرة خارجية بالنسبة إلى المنطقة هي الصهيونية».

العدد 5194 - الجمعة 25 نوفمبر 2016م الموافق 25 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً