العدد 26 - الثلثاء 01 أكتوبر 2002م الموافق 24 رجب 1423هـ

إسقاط النظام ... أم تقسيم العراق

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يؤكد المسئولون الأميركيون في مختلف تصريحاتهم أن الهجوم العسكري على العراق يهدف إلى إسقاط النظام واستبداله بالتحالف المعارض الموجود حاليا في عواصم الغرب.

ويصر المسئولون على أن الهدف ليس تقسيم العراق وتفكيك دولته إلى دويلات شمالية وجنوبية ووسطى، بل إعادة تركيب الدولة مجددا وفق خطة حديثة تعطي لكل فئات الشعب حقوقها من دون تمييز.

هذا الكلام يتردد كل يوم ويشكل اللازمة أو المقدمة الأولى للدخول في أي جانب يتعلق بالمسألة العراقية.

المقدمة الكلامية المذكورة قد تكون صادقة وتحتمل الكذب، وربما تكون كاذبة وتحتمل الصدق. فكل مسألة، مهما كانت نزيهة ومعتدلة ومتوازنة، هي في النهاية مركبة من عناصر سلبية وإيجابية. وفي كثير من الأحيان «لا تسير الرياح كما تشتهي السفن». دائما هناك سلبيات وهناك احتمالات لم تكن محسوبة.

فالرهان على ضمانات كلامية تصدر تباعا من مسئولين في الإدارة الأميركية ليس كافيا لتغليب هذا الاحتمال على ذاك. فكل الاحتمالات واردة ويجب وضعها في ميزان القراءة العقلانية لتاريخ العراق وتركيبة دولته.

تاريخيا، العراق دولة مركزية وأساس وحدتها دائما اعتمد على مجاري الأنهار وتحديدا دجلة والفرات. وحضارات العراق قديما كانت نهرية، ومشكلة بلاد الرافدين أو (ما بين النهرين) تركزت على مسألة مركزية الدولة وعدم وجود منفذ بحري يتناسب مع حجم الدولة وموقعها ودورها. فمنذ القدم عانت حضارات العراق من هذا المأزق وحاولت توسيع دائرة نفوذها على البحر. ودائما كانت تصطدم بموانع جغرافية أو بشرية الأمر الذي يضطرها إلى استخدام القوة العسكرية.

هذه المشكلة لاتزال مستمرة إلى أيامنا. وحين تم اصطناع العراق الحديث في العام 1920 حشرت الدولة الجديدة في نطاق بري ـ نهري وعزلت عن البحر باستثناء منفذ صغير في شط العرب.

المشكلة إذا تاريخية ـ بنيوية لها صلة بأصل تكوين الدولة وقوتها الذاتية (المركزية) وضعفها الموضوعي (البحر).

إلى ذلك هناك مسألة المدينة العراقية ودورها كرمز لوحدة الدولة. وفي العراق الحديث هناك ثلاث مدن رئيسية تشكل المثال الحيوي لوحدة الدولة وهي: البصرة، بغداد، والموصل. وأي مدينة تنزع من الدولة تكون سيادة العراق ضربت في الصميم لأنها طالت نقطة التوازن لوحدة الشعب والتاريخ والجغرافيا.

هذا الكلام لا صلة له الآن بالتاريخ بقدر ما يتصل بالسياسة وبوجود صدام حسين في الحكم أو خارجه.

السياسة العراقية المعاصرة ليست انقطاعا عن الماضي وأيضا ليست استمرارا. فهناك عناصر موروثة عن مآزق قديمة وهناك عوامل جديدة أضافها حكم الحزب الواحد وزادها قسوة. إلا أنها ليست جديدة كليا ولا تقتصر على فترة زمنية قصيرة الأجل. الأزمة في الحقيقة داخلة في عمق تكوين الدولة ودورها الجغرافي ـ التاريخي. وهذا يعني أن «النظام الجديد» الذي تريد واشنطن إقامته في بغداد سيدخل دورة الأزمة نفسها حين يجد نفسه داخل السورين (النهرين) ولا يستطيع الخروج منهما من دون عوائق جغرافية وبشرية.

إلى هذه المشكلة المزمنة، هناك مشكلة مركزية الدولة وهي تكونت لأسباب تاريخية أكثر مما هي إرادية. قد تكون العوامل الشخصية (الفرد واستبداده) أضافت عناصر قهرية إلا أن الأمر لا يلغي الأساس التاريخي وهو أن دولة العراق كانت مركزية التوجه لا تعددية.

وعلى هذا الأساس التاريخي (القديم والحديث) يمكن قراءة وعود بعض المسئولين في الإدارة الأميركية بأن الهدف إسقاط النظام لا تقسيم العراق. فالقراءة تشير إلى جهل أميركا بطبيعة تركيب العراق (أو معرفة دقيقة بتاريخه) إلا أنها تؤكد أن مقدمة تغيير النظام، وما ينتج عنه من فراغ في السلطة، قد تنتهي إلى نتيجة غير متوقعة وهي: تقسيم العراق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 26 - الثلثاء 01 أكتوبر 2002م الموافق 24 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً