كانت حليمة عبد الله في الرابعة عشرة من عمرها عندما اختطفتها جماعة بوكو حرام الإرهابية ، في شمال شرقي نيجيريا. اغتصبوها جماعيا وأجبروها على الزواج من أحد مقاتليهم. في نهاية المطاف، صارت حاملا.
لثمانية عشر شهرا طويلة، جوعها خاطفوها وضربوها، هكذا تهمس المراهقة طويلة القامة من خلف حجابها الإسلامي الأبيض. عندما أخبروها أن عليها أن تصير مهاجمة انتحارية، وجدت حليمة الشجاعة لتهرب.
ووجدت الفتاة مأوى في مخيم باكاسي للنازحين في مايدوجوري عاصمة ولاية بورنو، قلب تمرد بوكو حرام الذي أسفر عن مقتل 14 ألف شخص على الأقل منذ عام .2009
هاهنا صارت حليمة آمنة نسبيا، لكنها ليست سعيدة نهائيا. السكان يرفضونها، لأن الفتيات اللائي احتجزن أسرى في أيدي الإرهابيين - الذين يريدون فرض تفسير متشدد للشريعة الإسلامية - ينظر إليهن على أنهن تم غسل أدمغتهن، وتلقينهن عقيدة المتشددين وتحويلهن للتطرف.
الريبة راسخة في النفوس. تم استخدام النساء والفتيات على نحو متزايد كانتحاريات في شمال شرقي نيجيريا وكذلك في الكاميرون وتشاد والنيجر المجاورة، لمظهرهن البريء وإمكانية إخفاء المتفجرات تحت حجابهن وفساتينهن الفضفاضة.
ويقول خبراء إن النيجيريين يتهمونهن بأنهن يضفن إلى انعدام الأمن في المنطقة بشكل عام.
ونتيجة لذلك، فإن أولئك اللائي أنقذهن الجيش أو تمكن من الفرار، يواجهن تمييزا قاسيا وحتى عنفا، داخل وخارج المخيمات على حد سواء.
وتوضح حليمة "الناس تتحاشاني دوما. ويسمونني بزوجة بوكو حرام. عائلتي تبرأت مني. ولأني زوجت لأحد مقاتلي بوكو حرام، فلا يريدون أن تكون لهم علاقة بي".
أمينة محمود، فتاة أخرى تعيش داخل مخيم باكاسي منذ هربت من مختطفيها، وتقول هي الأخرى إن المجتمع معاد بشكل علني.
وتقول الفتاة المنطوية ذات الأربعة عشر ربيعا "عندما نذهب لجلب المياه من الصنبور العمومي، يهينوننا. وفي بعض الأحيان يمنعونا حتى من جلب الماء".
ويضم مخيم باكاسي المؤقت المغبر أكثر من 16 ألف نازح، معظمهم من النساء والأطفال، في خيام بسيطة باللون البيج. تشارك حليمة الخيمة مع 15 امرأة أخرى، لكنها تشعر أنها وحيدة وضعيفة.
في الشهر الرابع من حملها، في طفل والده إرهابي، حليمة منبوذة بشكل إضافي بسبب الأعراف الثقافية والاجتماعية المتعلقة بالعنف الجنسي.
يوصف الأطفال الذين ولدوا من الاغتصاب من قبل المتمردين بـ"نسل بوكو حرام" أو "أنوبا" التي تعني "وباء" في لغة الهوسا المحلية، ويقول صندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة "يونيسيف" إن هذه الأوصاف تعكس المخاوف من أن التعرض لبوكو حرام، معديٍ.
ومن الامثال الشائعة في نيجيريا ""أبن الثعبان ثعبان".
تخفض حليمة بصرها إلى بطنها الذي ينمو، في اشمئزاز. وتقول المراهقة "لا أحب هذا الطفل الذي لم يولد بعد. إذا أمكنني إجهاض الحمل، سأفعل ذلك لأفترق عن هذا الطفل".
لكن حليمة لا تملك هذا الخيار. فالإجهاض غير قانوني في نيجيريا إلا لو كانت حياة الأم في خطر، حتى إذا كانت ضحية للعنف الجنسي.
وفقا لمنظمة الصحة العالمية (دبليو إتش او) نزح ما يقدر بنحو 2ر2 مليون نيجيري داخليا بسبب عنف بوكو حرام. وقد استقر نصفهم تقريبا في مايدوجوري، التي تضم تسعة مخيمات آمنة للغاية للاجئين كما تؤوي آلافا آخرين بمنازل أسر مضيفة.
و المخيمات مطوقة بسياج بارتفاع ثلاثة أمتار ويحرسها جنود وحراس أمن ببنادق هجومية. وعلى أي شخص يدخل أو يغادر الخضوع لتفتيش أمني.
وتعمل دوريات منتظمة داخل المخيمات على ضمان سلامة النازحين. لكن الحراس لا يساندون بالضرورة، الضحايا.
دانلادي يحيى، أحد ضباط الأمن في مخيم "مونا" في مايدوجوري، يعرب لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) عن اعتقاده بأن اللاتي تم إنقاذهن من بوكو حرام يشكلن "تهديدا أمنيا".
ويقول ضابط الأمن ذو العشرين عاما "إن الأطفال يعملون كجواسيس لبوكو حرام، يبحثون عن الأهداف المحتملة للهجوم ويعطونهم المعلومات الحيوية كطرق الهروب".
وكشف تقرير حديث لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" كيف أن مسؤولين حكوميين وقوات الأمن ومسؤولين آخرين اغتصبوا واستغلوا جنسيا نساء وفتيات في مخيمات في مايدوجوري. كما نقلت منظمتا مجتمع مدني محليتان تقارير عن الاعتداءات الجنسية.
وتعمل مجموعة من منظمات الإغاثة حاليا مع المجتمعات المحلية والزعماء الدينيين لتبديد الخرافات حول ضحايا بوكو حرام.
وتدير الحكومة النيجيرية "عملية اجتثاث التطرف"، التي تتكون أساسا من استخلاص المعلومات، وتقديم المشورة ورعاية ما بعد الصدمة.
لكن الأمر سيستدعي أكثر من ذلك بكثير لتمكين المختطفات من قبل الإرهابيين من العودة إلى ديارهن وإعادة الاندماج في مجتمعاتهن.
يجب اتخاذ تدابير تتعامل مع قضايا عميقة الجذور، بما فيها التمييز والحرمان والإقصاء وعدم المساواة بين الجنسين، كما يقول منسق الطوارئ في اليونيسيف عبد القادر موسى الذي يضيف: "سوف يتطلب الأمر وقتا طويلا للتعافي".