لم أنتبه لها منذُ أن وقفتْ أمام بائع الدجاج، ظلّت واقفة صامتة تنظر إلى الدجاج وإلى أجزائها المتنوعة المعروضة للبيع، طال وقوفها حتى سألها البائع عمّا تريد، التفتت نحونا هنيهة وكأنه تستحي من أعيننا، ثم رفعت رأسها تجاه البائع ولم تقوَ على النظر في عينه قائلة: بكم ثمن الكيلو من هياكل الدجاج؟ سمعتُ صوتها لأنني كنت بقربها أما البائع فلم يسمع، فسألها مرة أخرى فأشارت إلى مكان الهياكل، فقال لها بخمسة جنيهات ثم واصل عمله، نظرتُ إلى الهياكل فوجدتها رقبة وقطعة ضئيلة من الصدر يتعلق الجناحان بهما لكن أغلبها بدون أجنحة، ثم نظرت إلى وجهها أبيض البشرة المصبوغ بحمرة الخجل، وعينيها المثبتتين على نقطة ما في الأرض، وملابسها النظيفة شاحبة اللون، سألها الرجل ثانية عن كم كيلو ترغب؟ فأجابت بأنها تريد كيلواً واحداً فقط، يقف بجواري رجل لا يختلف مظهره البسيط عنها، ظل ينظر لها وكأنه يريد أن يحدثها لكن الخجل لم يمكنه، لم تمض ثواني حتى خطى إلى داخل المحل وهمس في أذن البائع ثم عاد لموقعه، أسرني الفضول ورغبت في معرفة ما دار بينهما لكنني لم أجرؤ على السؤال، انحنى البائع على حقيبة بلاستكية سوداء وأخذ منها دجاجة كاملة ووضعها في حقيبة أخرى ثم توجه بها إلى السيدة وطلب منها أن تأخذها فتناولتها على أنها مطلبها، وبمجرد أن فتحتها ورأت الدجاجة اندهشت وقالت للبائع بأن هذه الحقيبة لا تخصها، فقال لها البائع إنها لكِ، نظرت السيدة مرة أخرى داخل الحقيبة وعينيها امتلأت بالدموع، ترددت السيدة أن تأخذها لكن حاجتها إليها كانت أقوى، والغريب أنها لم تنظر إلى البائع أو إلينا وهمهمت بالدعاء ثم ذهبت، وظل الرجل ساكتاً دون أن يتلفظ بكلمة واحدة،ٍ يستمع وينظر، بعد أن غادرت السيدة قدم البائع للرجل الحقيبة السوداء التي كانت بداخل الدكان، فتحها الرجل ناظراً إلى داخلها، كان بداخلها دجاجة واحدة فقط ثم ابتسم وقال للبائع: زن لي كيلواً أخر من الهياكل.