ليس هناك من يختلف أو يجادل في حقيقة ثوابت القيمة الاجتماعية والتاريخية والحضارية للسواحل، وبأنها مصدر استراتيجي للدخل الوطني والأمن المعيشي والاقتصادي للمجتمعات، وتمثل علامة بارزة في مسيرة التقدم الاجتماعي والحضاري للجماعات البشرية والأمم، وتعد مقوما رئيسيا في خريطة التنمية الاجتماعية والسياحة البيئية ومنظومة أهداف التنمية المستدامة.
القيمة الاستراتيجية للسواحل في المسيرة التاريخية للتطور الاجتماعي والثقافي والحضاري للمجتمعات البشرية، أكدت حضورها في المشروع الدولي البيئي، ويمكن تبين ذلك في قواعد منظومة الاتفاقات الدولية المتعددة الاختصاصات والوظائف، في شأن حماية البيئة البحرية وتنميتها، وبالأخص في جوهر مضمون المبادئ القانونية لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي تضع منظومة من الاشتراطات والمعايير القانونية اللازمة لإجراءات صون البيئات الساحلية، وكذلك وثيقة مؤتمر الامم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20) التي تؤكد في المبدأ «158» على أن المجتمع الدولي يدرك (أن المحيطات والبحار والمناطق الساحلية تشكل عنصراً متكاملاً وأساسياً في النظام الإيكولوجي للأرض، و لها أهمية بالغة في الحفاظ عليه) وفي المبدأ «165» تحيط الدول المشاركة في وضع الوثيقة (علما بأن ارتفاع مستوى سطح البحر وتحات السواحل يشكلان ﺗﻬديدين خطيرين لكثير من المناطق الساحلية والجزر، لا سيما في البلدان النامية) وتدعو (اﻟﻤﺠتمع الدولي، في هذا الصدد، إلى تعزيز جهوده لمواجهة هذين التحديين).
للسواحل موقعها الاستراتيجي في معالجات أهداف التنمية المستدامة الـ17 لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدها قادة العالم في سبتمبر/ أيلول 2015، وبدأ رسمياً نفاذها في 1 يناير/ كانون الثاني 2016. وتعزيزا لمضمون الأهداف، بدأت الدول وضع خططها الوطنية لتأكيد حرصها في العمل على تنفيذها، ويجري معالجة قضايا السواحل في (الهدف 14 – حفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة) وتحقيقا لمضمون جوهر الهدف يجري تحديد المقاصد المنهجية للهدف في صون وتنمية هذا المعلم الاستراتيجي لمعيشة المجتمعات، وتتمثل في (منع التلوث البحري بجميع أنواعه والحد منه بدرجة كبيرة، ولا سيما من الأنشطة البرية، بما في ذلك الحطام البحري، وتلوث المغذيات، بحلول عام 2025؛ وإدارة النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية على نحو مستدام وحمايتها، من أجل تجنب حدوث آثار سلبية كبيرة، بما في ذلك عن طريق تعزيز قدرتها على الصمود، واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تحقيق الصحة والإنتاجية للمحيطات، بحلول عام 2020؛ وحفظ 10 في المئة على الأقل من المناطق الساحلية والبحرية، بما يتسق مع القانون الوطني والدولي واستنادا إلى أفضل المعلومات العلمية المتاحة، بحلول عام 2020؛ وزيادة الفوائد الاقتصادية التي تتحقق للدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نموا من الاستخدام المستدام للموارد البحرية، بما في ذلك من خلال الإدارة المستدامة لمصائد الأسماك، وتربية الأحياء المائية، والسياحة، بحلول عام 2030).
السواحل في البحرين قيمة إستراتيجية في مؤشرات التنمية الاجتماعية والحضارية، ويتفق الجميع على الأهمية الاستراتيجية في تطوير وتنمية بيئات المناطق الساحلية، والحفاظ على ثروتها الطبيعية والثقافية والتراثية والتاريخية وصون استدامتها في مملكة البحرين، ولا يمكن الحديث عن ذلك الواقع بعيداً عن واقع علاقة المجتمع البحريني بالسواحل، إذ إنه منذ القدم كان للسواحل حضورها المتميز في الحراك الاجتماعي، وكانت مصدراً لحياة ومعيشة المجتمعات القاطنة في القرى الساحلية، ويمثل الساحل الشمالي لقرى المحافظة الشمالية (الدراز، باربار، جنوسان، جد الحاج، كرانة) نموذجاً لتلك الظاهرة في العلاقة الاجتماعية بالسواحل، وكانت تشكل شريطاً حيوياً متداخلاً ومترابطاً، بيد أن ذلك الواقع شهد تراجعاً؛ بسبب حالة التدهور الذي تعرضت إليه البيئة الساحلية، بفعل جملة من الأسباب التنموية، والأنشطة غير الرشيدة؛ ما تسبب في تراجع في المساحة المتاحة للأنشطة الاجتماعية، ووفق التقرير المنشور في صحيفة الوسط بتاريخ الأحد 23 يونيو/حزيران 2013 تجري الإشارة إلى «أن خطة وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني التخطيطية مع حلول العام 2030، تشمل خلق شريط ساحلي عام مفتوح مستمر على طوال الواجهة البحرية الشمالية الممتد من قلعة البحرين حتى ساحل البديع».
المسئولية والحرص المهني في تقييم الواقع البيئي لشريط الساحل الشمالي في المحافظة الشمالية، دفعنا في تنظيم جولة ميدانية صباح الاثنين 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 في ساحل (كرانه، جد الحاج، جنوسان، باربار) بمرافقة الرئيس السابق للنادي باربار والناشط في فريق حماية ساحل باربار حسن عبدالله الشويخ، وشهدنا في سياق الجولة مشاهد مأساوية للوقع البيئي، إذ وجدنا في ساحلي (جد الحاج وجنوسان) أكواما من النفايات والروائح الكريهة المنبعثة من المخلفات العضوية، التي كما بين لنا بعض الأفراد من المجتمع المحلي يجري إلقاؤها في جنح الظلام في المياة الساحلية، من معمل مختص بتعليب الأحياء البحرية، بالإضافة إلى النفايات غير المعروف مصدرها ومكونها، وينبغي على الجهة المختصة بالرقابة البيئية إجراء تقييم للأثر البيئي والصحي لهذه الظاهرة، وتشخيص جوانب الخطر الذي يمكن أن تتسببه في حدوث الحالات المرضية للسكان القاطنين بالقرب من الساحل، ويتداخل مع ذلك الواقع ظاهرة إلقاء مخلفات البناء على السواحل. والتقينا في سياق جولتنا أحد البحارة عبر عن ألمه لهذه الحالة المأساوية، وتحدث عن جمال الساحل والإشارة إلى قطيع طائر الفلامنغو المتواجد بالقرب من الساحل، ويضفي على الساحل طابعاً جمالياً، ويمثل عنصر جذب للسواح الأجانب، الذين كما قال ينظمون حملات دورية لتنظيف المياه الساحلية من الملوثات، التي يداوم على إلقائها في المياة البحرية البحارة الآسيويين.
بيئة السواحل عنصر جذب لمحبي الطبيعة، والسياحة البيئية للاستمتاع بالأجواء الطبيعية، ومشاهدة الطيور المهاجرة، إذ تشهد السواحل في هذه المرحلة من السنة زيارة أنواع من الطيور المهاجرة، كطائر الفلامنغو، وبلشون الصخر، وطيور الخرشنة والنوارس البحرية، وذلك ما حفز أعضاء مجموعة (شعلة المحبة والسلام) بمشاركة عدد من أعضاء (جمعية البحرين للبيئة) و(نادي باربار) و(فريق حماية ساحل باربار) ومجموعة من نشطاء البيئة في التخطيط لتنظيم رحلة بيئية في صباح اليوم (الجمعة 25 نوفمبر 2016) إلى ساحل باربار، ما يعزز استثنائية التوجه للعمل في البحث عن مخارج لتأهيل الشريط الشمالي لساحل المحافظة الشمالية، وتوفير المتطلبات الخدمية، وتحقيق ما جرى التخطيط إليه والاعلان عنه في تصريحات جهة الاختصاص بشأن تنمية الشريط الساحلي وتحويله إلى واجهة سياحية، وذلك ما ينتظر ثمرته الإيجابية بفارغ الصبر المجتمع في القرى الواقعة على شاطئ الساحل الشمالي.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 5193 - الخميس 24 نوفمبر 2016م الموافق 24 صفر 1438هـ
لو كان هناك استراتيجية واضحة للمحافظة على البيئة البحرية والسواحل.
صيادي السمك يذهبون الى اقرب نقطة للحدود البحرية حيث يتواجد السمك بكثرة لماذا لوجود البيئة المناسبة وغالب الامر يقبض عليهم بسبب دخولهم حدود دولة اخرى والسبب الرئيسي هو تدمير البيئة البحرية.
ده كان زمان وجبر: مثل مصري مفاده في وضعنا الحالي أننا كانت لنا بلد تحوطه السواحل والمزارع الغنّاء فأصبحنا لا مزارع ولا سواحل ولا حتى حدائق .
نقوم بزراعة بعض الاشجار الصغيرة في بيوتنا حتى لا نفقد اللون الأخضر واما البحر فعوضنا عليه لون السماء لنقول لعيالنا لون البحر ازرق مثل لون السماء
في الأوّل كنّا نحتار أي ساحل نذهب لكثرة السواحل في البحرين والآن نحتار أي ساحل نذهب لأنها كلها املاك خاصة ولم يتبقى الا الفتات للناس حتى منظر البحر اصبح لعيالنا بالحسرة
نعم أزيدك يا استاذ: أصبح المواطن البحريني ينفق مئات الدنانير لكي يسافر خارج البحرين اذا اراد ان يتمتع بجمال البحر وسواحله.
تتحدث عن السواحل وكأننا في بلد فيه سواحل !!
رغم كوننا نعيش على أرخبيل من الجزر إلا أن شعب البحرين انعدمت لديه السواحل واصبحت حكرا على فئة معيّنة
واصبحت رؤية البحر علينا عزيزة ونادرة بل وصعبة
فكما دمّرت ثروتنا المائية والزراعية وثروتنا السمكية أخذت السواحل نصيبها من التدمير واصبحنا نسافر لأقاصي الأرض لكي نجلس على ساحل نظيف مرتّب