اتفق اللبنانيون أخيراً، على انتخاب رئيس لهم، ويبدو أن الأيام المقبلة ستشهد الإعلان عن تشكيل الحكومة اللبنانية المرتقبة. ويعود للبنان بعض من فرحه وألقه وبهجته. وطبيعي أن يحتفل اللبنانيون والعرب جميعاً، بخروج لبنان من أزمته التي مضى عليها، من غير حل قرابة عامين ونصف العام، منذ غادر الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا، وبقي موقع الرئاسة شاغراً.
لكن التوافق على تسمية الجنرال المخضرم ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، وتعيين سعد الحريري رئيساً للحكومة لن يكون مفتاحاً سحرياً خالصاً، لحل الأزمات المستعصية التي يمر بها لبنان. فهذه الأزمات ليست وليدة شغور الموقع الرئاسي فقط. بل إن شغور هذا الموقع هو أحد تجليات أزمة لبنان، منذ استقلاله، والإعلان عما بات يعرف بالميثاق الوطني، الذي جرى بموجبه تقسيم الوظائف الرئيسية في الدولة على أساس كوتا الطوائف.
لقد قوي الميثاق الوطني، من النزعات الطائفية في المجتمع اللبناني، ونقل الطائفية من الدين إلى السياسة. ونتج عن ذلك أن كل طائفة عملت على الاستقواء، بمكونات سياسية خارجية وقوى كبرى، كي تسعفها في زيادة حصتها من الكعكة السياسية اللبنانية. وبات لبنان مركز استقطاب سياسي، لجميع القوى الدولية والإقليمية والمحلية.
مر لبنان بحروب أهلية كثيرة، وبأزمات سياسية مستعصية، مباشرة بعد استقلاله عن الاستعمار الفرنسي. وظلت هذه الأزمات ملازمة لمسيرته، حتى يومنا هذا.
التحولات التي حدثت في لبنان، بقيت تحولات في الشكل، وهي في جلها انعكاس لتغير موازين القوى الإقليمية والدولية.
ففي الخمسينات، احتدم الصراع بين الشرق والغرب. وترك ذلك الصراع بصماته واضحة على الواقع العربي، حيث اصطفت حركة التحرر الوطني في البلدان العربية، مع المعسكر الشرقي، بينما اختارت بلدان عربية كثيرة التحالف بشكل أو بآخر، مع الغرب الرأسمالي، وتحديداً مع بريطانيا وفرنسا، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ومع الولايات المتحدة الأميركية، بعد تربعها مع الاتحاد السوفييتي على عرش الهيمنة الدولية.
ولذلك كان من الطبيعي أن يتأثر لبنان، البلد الرخو سياسياً، بتلك الصراعات. وأن ينقسم اللبنانيون، في ولائهم للغرب أو الشرق، أو هذا النظام العربي أو ذاك. وكان من تلك الاصطفافات اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية الأولى، عام 1958 أثناء رئاسة كميل شمعون الذي حاول ربط لبنان بحلف بغداد. وفي تلك الحرب اصطف السياسيون المسلمون في مواجهة السياسيين المسيحيين. ووقفت مصر عبدالناصر، إلى جانبهم، بينما وقف الغرب إلى جانب المسيحيين. ولم تنته الحرب إلا باتفاق بين القوى الدولية والإقليمية والعربية، على وضع حد لها بانتخاب الجنرال فؤاد شهاب رئيساً، ومنذ ذلك الحين، والأزمة السياسية تختفي حيناً، ثم تعاود البروز في أحيان أخرى. يتغير الفاعلون الرئيسيون، وتتغير وجوه الأزمة المحلية، لكن جوهر الأزمة يظل كما كان.
لقد خلق هذا الواقع، جملة من الحقائق، كرّست واقع الاستقطاب السياسي الدولي والإقليمي، والعربي أيضاً للبنان. فتمترس كل فريق خلف قوى دولية، أضاع هيبة الدولة، وأفقدها قدرتها على الحسم، وخلق مناخاً من الحرية السياسية والاجتماعية غير متاح، في أي بلد عربي آخر. لكن هذه الحرية لم تكن انعكاساً لتطور تاريخي، بل عكست هشاشة الدولة، وعدم قدرتها على الإمساك بزمام تسيير الأمور بفعالية وقوة. وقد خلق ذلك معادلة لبنانية خاصة، خلاصتها «أن في لبنان كثيراً من الحرية وقليلاً من الديمقراطية».
معادلة كثير من الحرية وقليل من الديمقراطية، هي تعبير عن سيادة نمط من الفوضى، لا تستطيع معه الدولة، فرض سطوتها وسن قوانينها، والحد من التمترسات الطائفية والتدخلات الخارجية. إن الحرية الجامحة، هي بالتأكيد ضد وجود أي سلطة مقيدة لها، بينما الديمقراطية، هي ترسيخ تقاليد احترام المؤسسات المعبرة عن إرادة المجتمع وخياراته السياسية، وهي آلية تنفيذ العقد الاجتماعي، بين بنيتي المجتمع التحتية والفوقية.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 5193 - الخميس 24 نوفمبر 2016م الموافق 24 صفر 1438هـ
عاش لبنان الكثير من المآسي والحروب الداخلية بين طوائفه وتشرد أغلب شعبه كله بسبب الأحزاب الدينية والمذهبية وجميع مناصب الدولة بالمحاصصة الطائفية لهذا أصبحة دولة فاشلة وستبقى كذلك إلى أن يستطيع الشعب البناني تكوين أحزاب مدنية تقبل الجميع