بصوت أجش وأظافر مزيّنة بالحناء تبتسم سعدية البالغة من العمر 70 عاماً حتى وهي تقول أن منزلها قد دمّر.
وعلى الرغم من أن فازع، الذي تظهرعلى وجهه لفحة الشمس وقسوة المناخ ويقيم حالياً في ملجأ سابق التجهيز يقع في منطقة مجاورة، غير متأكد من عمره، لكنه يتذكر الفرار مما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية بعد أشهر من العيش على علف الحيوانات. روى لنا كيف لوّح رجال قريته بقمصانهم البيضاء في الهواء عند رؤية تقدم الجيش العراقي.
وهناك صبي صغير لا يتكلم ويحدّق إلى الأمام مباشرة، تعلو وجنتاه بقع سوداء تبدو وكأنها شظايا وندوب تنتشر في شتى أجزاء جسده، إنها جروح الحرب. ويقول أقاربه أن والدته قتلت في إحدى المعارك ووالده لايزال مفقوداً.
هؤلاء الثلاثة جميعهم من منطقة الفلوجة، ولكن عامرية الفلوجة موطن زهاء 50,000 نازح داخلياً من شتى مناطق العراق، رجال ونساء وأطفال لازالوا يعانون صدمة نفسية، بعدما هربوا من مقاتلي "تنظيم داعش" أو الحرب الدائرة ضده.
يتجه التركيز، سواء العسكري أو تركيز وسائل الإعلام الدولية، صوب الشمال، على هجوم الموصل الذي يمكن أن يقضي على "تنظيم داعش" في العراق. وفي حين أنه من المرجح أن يتم تحقيق النصر هناك في نهاية المطاف، إلا أن مستقبل هؤلاء الأشخاص الذين اقتلعوا من ديارهم وملايين آخرين مثلهم هو الذي سيكفل تحقيق السلام العادل والدائم.
والجدير بالذكر أن غالبية النازحين في العراق الذين يبلغ عددهم قرابة 3.2 مليون شخص لا يعيشون في المخيمات الرسمية فعلياً.
هنا في الأنبار، المحافظة التي يوجد بها أكبر عدد من النازحين داخلياً (540,000 شخص)، يعيش حوالي 20 بالمائة من النازحين فقط في مخيمات بينما يقيم أكثر من نصفهم مع أسر مضيفة. وهناك آخرون يقيمون في مدارس أو مبان لم تكتمل وفي مستوطنات غير رسمية أو مساكن مستأجرة. في المقابل، يعيش حوالي ثلاثة بالمائة فقط من إجمالي الـ450,000 نازح داخلياً في بغداد في مخيمات.
وبعدما نجح كثير منهم من الإفلات من الحياة في ظل "تنظيم داعش" وعبور الصحراء سيراً على الاقدام إلى عامرية الفلوجة في شهر يونيو، وجدوا أن نظام المعونة مثقل بأكثر مما يتحمل وغير مهيأ لتلبية الاحتياجات المتزايدة.
ولكن الوضع قد تحسن الآن. فعندما وصلوا في البداية، حُشر كثير منهم كالسردين المعلب في خيام ضخمة حيث كان الهدف فعل أي شيء لحمايتهم من الرمال وشمس الصيف. والآن تقف هذه الخيام البيضاء فارغة، حيث يقيم سكانها في وحدات سابقة التجهيز أو في خيام صغيرة. كما تتوفر لديهم الآن المياه والمراحيض والحمامات وبرزت سوق صغيرة، لم تكن موجود من قبل، لبيع الخضروات وبطاقات تعبئة رصيد للهاتف المحمول.
ولكن ليس هناك أي شيء آخر، فالنازحون عبر البلاد، سواء كانوا يقبعون في طي النسيان في المخيمات الصحراوية أو يتم استضافتهم في البلدات أو المدن، نادراً ما يتمكنون من الانتقال بين المحافظات دون تصاريح، كما من الصعب إيجاد فرص عمل. ويقول كثيرون أنهم يشعرون أنهم منسيّون.
وبالنسبة لأولئك الذين أجبروا على الخروج من المناطق التي يجري تطهيرها من "تنظيم داعش"، مثل بعض أجزاء محافظة الأنبار، فإن العودة إلى الوطن لا تزال معقدة ومشحونة سياسياً، وتعرقلها النزاعات الماضية والانقسامات الطائفية. كما أن إعادة البناء بالكاد قد بدأت.
العراق خلاص في خبر كان
بدون وطنية العراقيين لن تتخلص العراق من أزماتها