ألقى التاجر العراقي الكردي بكيس كبير يحتوي على كمية من عبوات المقرمشات من فوق الأسلاك الشائكة إلى زبونه العربي الذي أحصاها وتفاوض لفترة وجيزة على السعر ثم ناوله المال عبر السياج المعدني الذي يحيط بالمخيم.
وفي مجموعة قليلة من الأكشاك المؤقتة وقف رجال يتساومون على هواتف محمولة رخيصة وشرائح الهواتف التي طرحها بائع آخر على ملاءة بلاستيكية فوق التراب.
وبلغ سعر هاتف نوكيا القديم 4000 دينار (ثلاثة دولارات).
وقال سافين حمزة بائع الهواتف من بلدة الكلك على مسافة 15 كيلومترا وقد بدا عليه التفاؤل "هذا أول يوم أبيع فيه بمخيم حسن شام."
وقد بدأ عشرات من الباعة الجائلين أغلبهم من أكراد العراق المجيء كل يوم لبيع الأغذية والماء والسلع المنزلية لسكان مخيم حسن شام ومخيم الخازر اللذين يستضيفان آلاف النازحين الفارين من القتال الدائر لإخراج تنظيم الدولة الإسلامية من الموصل.
ويقول سكان المخيم الذين يشكون من نقص الغذاء والمياه النظيفة إن الأسواق المؤقتة تسد فراغا نتج عن عدم كفاية المساعدات الإنسانية لكنهم يخشون من تعرضهم للاستغلال على أيدي التجار في الوقت الذي بدأ ينفد فيه ما لديهم من مال.
وقالت ندى (48 عاما) التي تعيش في خيمة بمخيم حسن شام مع زوجها وأبنائهما الثلاثة "المساعدات موجودة لكن بعض الأشياء لا تكفي ولذلك نضطر لشراء الباقي."
وأضافت "لا نحصل على ما يكفي من الخبز ومياه الشرب. وأصيب الناس بأمراض من المياه القذرة في المخيم ولذا تلك هي الأشياء التي نشتريها أكثر من غيرها إذا استطعنا."
وقال سكان كثيرون فروا من الموصل معقل تنظيم الدولة الإسلامية وما حولها من قرى مع تقدم القوات العراقية بدعم أمريكي إن الخضراوات تأتي في المرتبة التالية لأهم الأشياء التي يحتاجون لشرائها.
وقالت ندى "لكنها غالية جدا. ضعفا سعرها في الموصل. وهذا استغلال."
ولم يؤد زوجها زكريا أبو يحيى (52 عاما) الموظف الحكومي السابق بقطاع الصحة أي عمل أو يحصل على أي أجر منذ سيطر التنظيم على الموصل في منتصف عام 2014.
وتعتمد الأسرة الآن على ما تبقى من مدخراتها وما تقترضه من أموال من الأقارب.
وقال زكريا إن الأسعار تتفاوت وإن "بعض التجار منصفون والأسعار معقولة لكن البعض يستغلون الوضع."
ويصر الباعة أنهم لا يرفعون الأسعار عندما يأتون للمخيمات ويقولون أن السبب الرئيسي للعمل في المنطقة هو انخفاض عدد زبائنهم في مدنهم الأصلية منذ اجتياح التنظيم للمنطقة قبل أكثر من عامين.
وقال كردي يدعى عمران (30 عاما) يتردد على مخيم حسن شام منذ ثلاثة أسابيع من مدينته بردراش لبيع الخضر والفاكهة مستخدما الاسم الشائع للتنظيم "قبل داعش كان هناك حركة بيع وكان الزبائن يأتون من القرى القريبة."
وأضاف "لكن عندما سيطر داعش لم يستطع الناس الخروج والآن دمرت القرى وأصبحت خاوية. الناس إما أصبحوا فقراء أو رحلوا. والبعض انتهى به الحال هنا. ولا يوجد عمل في بردراش."
* سوق حكر
قال وحيد عباد الذي يبيع الخضر أيضا إنه يحقق في بعض الأيام دخلا في المخيمات يفوق ما يحصل عليه في الكلك. وفي بعض الأيام يحصل على دخل أقل.
وأضاف "إذا كنت صاحب محل في الكلك والزبائن أكثر انتظاما فهذا معقول لكن إذا كنت مثلي تبيع من صندوق سيارتك فهذا رهان أفضل."
ويقول كثير من سكان المخيمات إنهم عاجزون عن الرحيل ريثما تجري قوات الأمن التركية عمليات الفحص الأمني وتحري الخلفيات خشية تسلل مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية مما يجعل منهم سوق حكر.
وقد تزايد عدد الأكشاك المؤقتة خارج السياج المحيط بمخيمي حسن شام والخازر في الأيام الأخيرة وأصبح الناس يتزاحمون حولها ويسير البعض عائدا إلى خيامهم وهم يحملون أكياس ما اشتروه.
وقال مايكل هاجينز من برنامج الأغذية العالمي إن المنظمات المحلية تقدم مساعدات بالتوازي مع جهود الأمم المتحدة وإن المساعدات الغذائية التي توزع في المخيمات كافية. واستطاع البرنامج الوصول لأكثر من 100 ألف شخص احتاجوا للمساعدة بسبب هجوم الموصل.
وقال "برنامج الأغذية العالمي يكافح للوصول إلى الجميع بمساعدات شهرية... وأحيانا يستغرق الأمر بضعة أيام قبل أن يحصل الكل على غذائه."
وتقول الأمم المتحدة إن هجوم استعادة الموصل الذي بدأ قبل شهر تسبب في نزوح نحو 68 ألف شخص وتتأهب للوضع الذي قد يحتاج فيه مئات الآلاف المساعدة.
وفي مؤشر على أن الوضع سيتدهور مع امتلاء المخيمات ونفاد ما لدى النازحين من أموال بدأ بعض السكان بالفعل بيع المساعدات الغذائية للتجار لإعادة بيعها.
وقال تاجر يدعى جاسم "الناس الذين تسلموا حليب أطفال لكن ليس عندهم أطفال رضع يبيعونه لنا. ونعيد نحن بيعه لأسر مقابل سعر أعلى بقليل."
وعرض أحمد محمد (16 عاما) الذي فر من الموصل قبل أسبوعين كيسا من البقول من برنامج الأغذية العالمي وقال إنه يحاول بيعه.
وقال وهو يحمل الكيس الذي كتبت عليه بوضوح عبارة (ليس للبيع) "أطلب فيه 1000 دينار".