العدد 25 - الإثنين 30 سبتمبر 2002م الموافق 23 رجب 1423هـ

لماذا الديمقراطية من أفضل الأنظمة السياسية التي شهدها العصر الحديث؟

عبدالناصر جناحي comments [at] alwasatnews.com

.

ترجع أهمية الديمقراطية وضرورتها إلى أنها الطريق الأفضل لتقدم الأمم ونهضتها، إذ نلمس الرقي بسببها في الميادين الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والسياسية والأخلاقية كافة، وتحديدا في الدول الديمقراطية.

تظهر آثار الديمقراطية الايجابية في المجالات المختلفة وخصوصا مجال نظام الحكم والادارة.

أ- آثار الديمقراطية في المجالات المختلفة:

تظهر آثار الديمقراطية في مجال العلم. فالعالم يتفرغ للعلم والابتكار فلا ينشغل بالسياسة طلبا لمنصب ولا يضطر لإضاعة وقته لقضاء مصالحه إذ ان حقوقه تصله في مكان عمله. وفي مجال الأدب والفكر توفر الديمقراطية مناخا حرا يزدهر فيه الأدب والفكر، ويمكن بذلك تغيير حياة الناس إلى الأفضل عن طريق نقد الوضع القائم. وكذلك فإن وظيفة الفن، إصلاح المجتمع وتوعيته، وهذا لن يتأتى إلا في ظل مناخ حر وإلا انقلب أداة للهدم والإلهاء. وفي المجال الأخلاقي لحظ ان الكبت وانعدام الحرية يؤديان إلى الانحراف والأمراض الخلقية والنفسية. وذلك طبيعي فالذي يحس بالاضطهاد يعتقد انه لن يصل إلى حقه بالانتظار. وأما في المجال العسكري، فإن الديمقراطية ضرورية ولازمة لتحقيق النصر. قد يقال ان ظروف الحرب تستدعي السرية وسرعة التصرف، ولهذا يجب منع الحوار والمعارضة، ولكن هذه مغالطة مكشوفة، فإن السرية مقصورة على الأمور العسكرية وما يتعلق بها من الخطط الحربية البحتة، وأما العمل السياسي المتصل بالحرب، كإعلان الحرب أو قبول الصلح ومناقشة ما يتعلق بإعداد الشعب للمعركة أو كفارة الحكم أو اعداد اقتصاد الدولة، فهذه أمور لابد أن تكون خاضعة إلى رقابة الشعب، حتى يستطيع اختيار الرجل المناسب خصوصا وان الرجل الأمثل لوقت السلم قد لا يصلح لوقت الحرب، وحتى يتأكد من سلامة وقدرة الجهاز الحاكم.

ب- آثار الديمقراطية في إصلاح أجهزة الحكم والإدارة:

1- ظهور أصحاب المبادئ والكفاءات. فالديمقراطية تتيح الفرصة لأهل الخبرة لتضع الحلول المناسبة، وتخلق الشخصية السياسية التي تقنع الناس بهذه الحلول.

2- استقلال القضاء وضمان العدالة، لأن الدولة لن تتدخل في أحكامه.

3- إصلاح أخلاقيات الحكم، لأن الصحافة والمعارضة تكونان بالمرصاد لكشف كل انحراف.

4- استقرار الحكم وثباته، لأنه في ظل الحريات لن يلجأ أحد إلى المؤامرات والدسائس والأحزاب السرية أو الانقلابات العسكرية، ففي الحوار الديمقراطي العلني متسع للجميع للتنفيس عن آرائهم، ومن ثم لن يبقى في حاجة إلى العنف الذي يتولد من الكبت.

5- الديمقراطية تجنب الدولة الأخطار الداخلية والخارجية، فالقرارات تكون مدروسة بعناية ولن تكون صادرة في لحظة غضب أو طيش مفاجئ ومن ثم تكون بعيدة عن ردود الفعل المتسرعة.

6- انتعاش اقتصاد الدولة وازدهاره، نتيجة لوجود الكفاءات واقتناع الشعب وثقته بالحكومة والمسئولين، ووجود الأمانة، والتخلص من الروتين ولوجود الثقة المالية بالدولة لاحترامها القوانين وعدم انتهاكها لها أو مصادرة الأموال عند أقل خصومة سياسية.

ونخلص من كل ذلك إلى ان الديمقراطية كنظام للحكم مازالت على رغم ما يقال عنها ويوجه لها من انتقاد، أقل الأنظمة عيوبا وهي أفضل صيغة نظامية للحكم عرف في العصر الحديث. وهم يعتبرون الديمقراطية أدق معيار لقياس تقدم أي أمة، فكلما ازدادت الحرية عمقا في حياة الأمة، ازدادت تقدما.

ركائز الديمقراطية

من ركائز الديمقراطية انه يكاد لا يوجد مفهوم استحوذ على اهتمام الفكر السياسي من ناحية والمشتغلين بدراسة النظم والعلوم السياسية من ناحية أخرى، مثل مفهوم الديمقراطية. وقد ذاع هذا المفهوم وانتشر على نحو يندر فيه ان توجد دولة في العالم، حتى المتخلفة منها، لا تعتبر الديمقراطية جوهر نظامها السياسي. ولا ينال من الديمقراطية ان تتشدق بها الدول المتخلفة، لأن هذا التمسك الشكلي سرعان ما يمكن كشفه إذا ما فحصناه على مجهر الركائز الأساسية لديمقراطية الجوهر من دون الشكل.

فالديمقراطية ترتكز على أسس ثلاثة هي:

1- الاعتراف بمبدأ سيادة الشعب كمذهب فلسفي سياسي، ولا شك في ان أول ركيزة للديمقراطية السياسية هي مبدأ الاعتراف بسيادة الشعب. فإذا كانت ذات كلمة «ديمقراطية» تعني حكم الشعب، فإنها تغدو جوفاء لا معنى لها وتفرغ من مضمونها ما لم تتضمن اعترافا واقعيا بسيادة الشعب، باعتباره صاحب كل السلطات في الدولة ومصدرها الوحيد. وتختلف فكرة الشعب باختلاف الزمان والمكان. وفي كل عصر، وفي كل وسط اجتماعي معين، وفي كل جماعة قومية معينة توجد فكرة خاصة عن المقصود بالشعب.

والقاعدة المتفق عليها لدى الفقه السياسي، ان كل الشعب لا يشارك في السلطة، وإنما يقتصر الاشتراك على الشعب السياسي دون الاجتماعي، الذي تتكون منه هيئة الناخبين. واتفقت كل النظم الديمقراطية على مر العصور على هذه القاعدة.

2- الحرية: تنظر الديمقراطية للدولة على انها وجدت لتمكين الأفراد من ممارسة حقوقهم وحرياتهم المشروعة. فللفرد حرية التعبير عن أفكاره، وحرية الاجتماع مع غيره، فليس للدولة على الفرد من سلطان إلا بالقدر الضروري اللازم لحماية مصالحه ومصالح غيره من المواطنين.

كما ان الديمقراطية تقرر للأفراد المساواة في ممارسة الحرية السياسية، فلا حرية بغير مساواة، أي أنه إذا لم تكن هناك مساواة بين الأفراد في التمتع بالحرية فإنه لا يصح الإدعاء بأن ثمة حرية، لأن المساواة لازمة للحرية، ويجب أن يفهم كذلك أن الحرية اللازمة للديمقراطية، ليست هي الحرية المطلقة، وإلا أدى ذلك إلى الفوضى، وإنما هي الحرية المنظمة على نحو لا يصادرها، وتتولى السلطة تنظيم الحرية بشكل يسمح لكل مواطن بممارسة حريته من دون تصادم مع ممارسة الآخرين لحرياتهم.

3- المشاركة ليكون الحكم للغالبية: تجعل الديمقراطية من المشاركة في الحياة السياسية حقا لكل مواطن، يسهم من خلاله في الوصول إلى حكم الغالبية الذي تستلزمه الديمقراطية. وتعد المشاركة معيارا حقيقيا لقياس مدى ديمقراطية نظام الحكم، حين تعبر عن الواجهة الحقيقية لذلك النظام ومدى تناغمه أو تنافره مع المثل الأعلى للديمقراطية، بمنظومة ثلاثية الركائز (سيادة الشعب والحرية والمشاركة) وغياب أي واحدة من هذه الركائز، يمثل ابتعادا بالقدر نفسه عن المثل الأعلى للديمقراطية.

إن الديمقراطية نظام يتم في إطاره تقرير الشئون العامة وفقا لإرادة غالبية المشاركين في انتخابات دورية تتم في مناخ من الحرية السياسية، لأن الخائف على حريته وحياته لا قيمة لرأيه ولا وزن لكلمته وبالتالي تكون مشاركته السياسية غير جدية.

إلى ذلك أظهرت العناصر الثلاثة (السيادة، الحرية، والغالبية) ما يمكن تسميته بالديمقراطية المباشرة، ويمكن تعريف الديمقراطية شبه المباشرة بأنها تدخل الشعب تدخلا مباشرا في الشئون العامة في التشريع، على رغم وجود برلمان منتخب، اذ تعتبر هيئة الناخبين سلطة رابعة إلى جانب السلطات الثلاث المعروفة، وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية، وذلك لأن الناخبين يباشرون في هذا النظام بعض مظاهر السيادة بصورة إيجابية.

وهذا النظام أخذت به في القرن التاسع عشر سويسرا، والولايات المتحدة إلا أنه لم ينتشر إلا في القرن العشرين، وبخاصة في الدساتير التي صدرت بعد الحربين العالميتين، ومنها مصر.

واهم مبررات ظهور نظام الديمقراطية شبه المباشرة، كان بسبب العوامل الآتية:

1- انتشار التعليم بين طبقات الشعب انتشارا جعل أفراده يطالبون باشتراك فعلي في الحكم، ولم يعد الناخبون يكتفون بانتخاب أعضاء المجالس النيابية، ما أدى إلى ظهور رغبتهم بضرورة الرجوع إليهم في بعض الامور الخطيرة التي تستوجب تدخلهم.

2- ظهر في تطبيق النظام النيابي، أن المجالس النيابية تستبد بسلطاتها من دون الالتفات إلى رغبات الناخبين، وهذا النظام شبه المباشر يقلل من عيوب النظام النيابي.

3- تداعي وانكماش النظام النيابي بسبب الأزمات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية التي نتجت عن انتشار المذاهب الشيوعية، والاشتراكية المتطرفة.

4- محاولة الحيلولة دون استبداد الحزب صاحب الغالبية البرلمانية.

5- في نظام الديمقراطية شبه المباشرة تكون القوانين، والقرارات أكثر انسجاما مع رغبات الشعوب ما يكفل لها حياة أفضل

العدد 25 - الإثنين 30 سبتمبر 2002م الموافق 23 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً