بدأت معركة الولايات المتحدة مع مجلس الأمن لانتزاع قرار يجيز لها حق استخدام القوة ضد العراق في حال عدم امتثاله للشروط الدولية.
وحتى تنجح واشنطن في تمرير قرارها كان لابد لها من اللجوء إلى سلسلة خطوات تكتيكية تسهل عليها مهمتها. فالإدارة الأميركية باشرت منذ فترة ليست قليلة تمهيد الطريق، فهي وعدت روسيا بحصتها في العراق وضمنت لها تنفيذ كل الاتفاقات (التسليحية والنفطية) الموقعة مع بغداد مقابل عدم استخدام حق النقض (الفيتو). ووعدت فرنسا بأن ديونها على العراق التي تبلغ عشرات المليارات (وهي فاتورة حرب الخليج الأولى مع إيران) ستسدد بالكامل مع حفظ حق باريس في المشاركة في إعادة إعمار ما ستدمره الحرب المتوقعة. وتكررت الوعود مع الصين مضافا إليها بعض المطالب الخاصة المتعلقة بجزيرة فورموزا (تايوان) واعتبار واشنطن المنظمات الإسلامية العاملة في إقليم تركمنستان الشرقية حركات انفصالية وإرهابية.
لم تبقَ دولة ذات قيمة دولية إلا ووعدتها واشنطن بضمان حصتها في العراق مقابل عدم استخدام نفوذها لتعطيل مهمة مجلس الأمن... إلا الدول العربية.
ماذا تقدم الولايات المتحدة إلى الدول المعنية مباشرة بالوضع العراقي؟ وماذا تقول للدول المجاورة عن حصتها في النظام الجديد في العراق؟
لا شيء واضحا حتى الآن. كل ما تستطيع تقديمه هو أنها ستضمن عدم تغيير خريطة المنطقة والشيء الوحيد الذي تستطيع أن تعطيه في فلسطين هو مطالبة حليفها الإسرائيلي اريل شارون بتخفيف الحصار عن ياسر عرفات. وهذا ما فعلته قبل يوم من بدء مجلس الأمن مشاوراته لمناقشة الملف العراقي.
واشنطن تريد تمهيد الأرض وأيضا تنقية الأجواء التي قد تفسد مزاجها خلال المناقشات. هذا كل ما قدمته واشنطن مسبقا. وتركت الأمور المصيرية معلقة بـ «حبال الهواء» في انتظار ما ستسفر عنه نتائج المعركة.
والسؤال: إذا كانت الولايات المتحدة لم تقدم الوعود إلى الدول العربية قبل تدمير العراق فكيف ستكون ضماناتها بعد الضربة؟ فالضربة إذا حصلت سيكون وقعها أكبر مما تتوقع بعض التحليلات، وأعمق بكثير مما يظنه بعض المتخوفين من نتائجها.
العراق جغرافيا دولة استراتيجية، وسياسيا دولة مركزية، واقتصاديا دولة غنية. فهي تجمع النفط والماء، والصحراء والجبال، والأراضي الزراعية والمناطق الغنية بالمعادن.
والعراق تاريخيا من الدول القاعدة ـ الإقليم كما كتب مرارا المفكر القومي نديم البيطار. فهو من الدول المركزية في المنطقة وحلقة قوية في وسط السلسلة إذا انكسرت تنفك عنها حلقات وإذا أمسكت ستتحول إلى نقطة جذب للدول المجاورة.
وفي حال نجحت الولايات المتحدة في إحكام قبضتها فإنها ستنطلق منها للضغط على الدول المجاورة. فبعد أن تكون دولة محاصرة تصبح دولة تحاصر من حولها مثيرة فيها المشكلات، تستقطب المعارضة من كل الجهات المحيطة للضغط على دول الجوار.
بدأت معركة الولايات المتحدة في مجلس الأمن لانتزاع القرار الدولي الذي يعطيها شرعية الحرب، وبعد ذلك ستبدأ معركة أخرى هي تفكيك الجوار وإعادة رسم خرائطه من جديد، حتى تتناسب الجغرافيا ـ السياسية مع الاستراتيجية الأميركية.
الصراع على العراق مسألة مهمة أميركيا وهي مهمة إلى درجة أن واشنطن لا تكترث بسببها بحقوق الشعب الفلسطيني ولا بحقوق العرب في أرضهم وثروتهم وهويتهم الثقافية ولا بمصير مئات الضحايا الذين سيسقطون من أجل «حفنة من الدولارات» تصبّ في خزائن مصانع الأسلحة وشركات النفط
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 25 - الإثنين 30 سبتمبر 2002م الموافق 23 رجب 1423هـ