شاركت مملكة البحرين ضيف شرف في احتفالية منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) بالذكرى الخمسين على تأسيسها، وذلك في الحفل الذي تفضل بحضوره أمس الإثنين (21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) سمو ولي العهد نيابة عن عاهل البلاد، وذلك تقديراً لجهودها التنموية ونجاح تطبيق استراتيجيتها الصناعية.
وتكتسب هذه المشاركة أهميتها من أنها تُعدُّ فرصة مهمة لاطلاع العالم على ما أنجزته المملكة من منجزات في شتى الميادين وخاصة الاقتصادية منها، وهي بمثابة تكريم للبحرين ممثلة بقائد مسيرتها جلالة الملك ونهجه الرشيد في رعاية ودعم القطاع الصناعي كقاطرة للنمو.
ومثلت المشاركة البحرينية في هذا المحفل المهم اعترافاً دوليّاً كبيراً بجهودها التنموية في العديد من القطاعات، وتقديراً لما حققته من خطى واثقة في الوصول إلى الأهداف الإنمائية للألفية، وخاصة في مجال التمكين الاقتصادي للشباب والمرأة.
واعتبر التواجد البحريني وسط أكثر من 170 دولة بمقر الاحتفال بالعاصمة النمساوية فيينا، إقراراً بنجاح النموذج الوطني في مجالات التنمية الصناعية، ولا سيما منها ما يتعلق بمبادرات المملكة الرائدة في دعم ورعاية وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والذي أصبح نموذجا يحتذى به في العديد من دول العالم.
واقع الأمر، أن ريادة البحرين في مجال التمكين الاقتصادي ودعم رواد الأعمال الشباب وتمكين المرأة، تنبع من رؤية جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه ومشروعه الإصلاحي الشامل الذي أولى عناية بالغة بمحور الشباب والمرأة، والذي يشغل بدوره حيزاً كبيراً من البرامج التنموية ورؤية البحرين المستقبلية 2030.
وهنا يبدو مهمًّا التأكيد على أن وجود البحرين ضيف شرف على الاحتفالية وتسلمها جائزة المنظمة الأممية، يعد ثمرة لجهود دؤوبة تواصلت على مدار عقود من العمل المضني وتطوير المبادرات المبتكرة التي ضمنت مستقبلاً أفضل للمرأة والشباب وأصحاب الأعمال.
ومن الأمثلة المعبرة بجلاء عن ذلك عدة مشروعات مهمة شرعت في تنفيذها المملكة خلال السنوات السابقة، ومازال بعضها قائما إلى الآن، وبرهنت على النجاح البحريني، منها: مدينة الشباب 2030 التي أطلقت العام 2010، واستقطبت 11,600 مشارك، إضافة إلى برنامج ريادة الأعمال والشباب وأسبوع التمكين الذي استطاع مساعدة أكثر من ألف رائد من رواد الأعمال الشباب في العام 2016.
كذلك، حصلت البحرين على المركز الأول عربيّاً من حيث الرفاهية والرعاية الصحية في مؤشر تنمية الشباب الصادر عن أمانة الكومنولث، علاوة على ارتفاع نسبة المرأة في القوى العاملة البحرينية من 4.9 في المئة إلى 36 في المئة بين العامين 1971 و2016، وتشكل العاملات الآن 53 في المئة من العاملين في القطاع العام، و30 في المئة من العاملين في القطاع الخاص، كما تحتل البحرين المرتبة الثالثة في الشرق الأوسط في مجال توفير الفرص الاقتصادية أمام المرأة بحسب تقرير الفرص الاقتصادية للمرأة 2012.
يضاف إلى ذلك، أن المجلس الأعلى للمرأة نجح في إثارة الاهتمام بالقضية عبر عدة مبادرات، منها: جائزة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة لتمكين المرأة الدولية، وجائزتها لتمكين المرأة الوطنية قبل 10 أعوام، فضلاً عن الخطة الوطنية للنهوض بالمرأة، وبرامج التمكين السياسي والاقتصادي ولجان تكافؤ الفرص. وهو الأمر ذاته بالنسبة لنجاحات "تمكين"، التي استثمرت أكثر من 800 مليون دينار لدعم 95000 بحريني، وأطلقت أكثر من 200 مبادرة لتمكين القطاع الخاص.
وبجانب هذه النجاحات، يشار إلى دور بنك البحرين للتنمية الذي استثمر 455 مليون دينار لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. كما تبرز مؤشرات ارتفاع متوسط دخل الأسرة البحرينية بنسبة 47 في المئة منذ العام 2008، ونجاح جهود التنويع في القطاعات الاقتصادية، ما زاد من مساهمة القطاع غير النفطي في اقتصاد البحرين بنسبة 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ونمو الاقتصاد بنسبة 28 في المئة خلال الأعوام من 2008 إلى 2015، وزيادة الاستثمارات الوافدة ثلاثة أضعاف منذ العام 2008.
وترى أوساط دولية أن هذه النجاحات البحرينية الواضحة، وخاصة في تطبيق استراتيجيتها الصناعية، يرجع إلى أكثر من عامل، أولها: شراكتها الاستراتيجية المتواصلة مع "اليونيدو"، حيث تقدم البحرين نموذجا لريادة الأعمال، ثانيها: قوة النموذج التنموي البحريني، ما ساهم في استنساخ أكثر من 48 دولة حول العالم لهذا النموذج التنموي الرائد، وهو ما لقي اهتماما كبيرا من جانب الاحتفالية تأكيداً لمخرجاته.
ثالثها: تميز برامج التعاون التي تربط المملكة بالمنظمة الدولية، وذلك على مدار 20 عاما من عمر التعاون المشترك بين الجانبين، ويشار هنا إلى دور مكتب ترويج الاستثمار والتكنولوجيا التابع إلى "اليونيدو" في المملكة، الذي سجل منذ تأسيسه العام 1996 نجاحاً كبيراً في تنمية الاستثمارات المحلية وتحفيز الاستثمارات الأجنبية، واستطاع انطلاقا من البحرين أن يرتبط بشبكة واسعة من المصارف ومؤسسات المال والأعمال، ونجح في جذب الموارد الأجنبية وتشجيع مصادرها والتركيز على استخدامات التكنولوجيا المتطورة.
ولعل من المؤشرات الدالة، هو أن مكتب ترويج الاستثمار والتكنولوجيا التابع إلى "اليونيدو" بالمملكة عمل على تقديم الدعم لأكثر من 6000 مبادر بحريني، واستطاع خلق 14000 وظيفة، وساعد في إنشاء 1350 شركة جديدة باستثمارات تبلغ 1.5 مليار دولار.
وساهمت الشراكة بين البحرين و"اليونيدو" في النهوض ببرامج التمكين الاقتصادي التي نفذتها المملكة باستمرار، مثلما ذكر سلفا، ونجحت في الدفع بالشباب والمرأة قُدُماً، ومن ذلك: استطاع تمكين / صندوق العمل أن يوفر التدريب والتقنية والدعم المالي لأصحاب المشاريع والشركات، واستفاد منه حوالي 30 ألف شاب بحريني، كما استطاع الصندوق أن يصل إلى 32 في المئة من القوة العاملة في البلاد (واحد من بين كل ثلاثة بحرينيين).
يضاف لذلك برنامج دعم سيدات الأعمال بالتعاون مع تمكين، الذي يوفر التدريب والمنح للمرأة لتدشين الأعمال التجارية الخاصة بها، واستفادت منه حوالي 15 ألف امرأة، كما قدم أكثر من 80 برنامجاً تدريبيّاً بما في ذلك تمويل المشاريع الصغيرة.
كما تم تأسيس المركز العربي الدولي لريادة الأعمال والاستثمار (AICEI) الذي عمل على تعزيز القدرات المحلية لتشجيع الاستثمارات المحلية وتسهيل الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما أدى إلى خلق فرص العمل والتخفيف من حدة الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي.
علاوة على استضافة منتدى الاستثمار الدولي الأول لريادة الأعمال، الذي ضم 800 مبادر من 80 دولة ونتج عنه "إعلان المنامة 2015 لرواد الأعمال من أجل التنمية" الذي تم اعتماده من الجمعية العامة.
انطلاقاً من هذه النجاحات، يتطلع الكثيرون إلى المرحلة المقبلة من التنمية في البحرين، وكيف يمكن أن يسهم العمل مع "اليونيدو" بشكل أوسع في ضمان تلبية احتياجات وتطلعات المواطنين، وهنا تبرز ثلاث أولويات رئيسية حيوية للمرحلة المقبلة من التنمية في المملكة، هي: تعزيز الجهود الرامية إلى إعادة تحديد دور القطاع العام من المحرك الأساسي للاقتصاد إلى منظم وتمكين القطاع الخاص للعب دوره الأساسي، وتشجيع الابتكار وزيادة القدرة على التنافسية، فضلا عن الاستمرار في الاستثمار في المواطنين وتحسين مستوى معيشتهم.
ولا شك أن الربط بين هذه الأولويات وأهداف "اليونيدو" سيكون أمرا محوريا في الفترة المقبلة من مسيرة العمل الوطني، وذلك من أجل العمل بشكل مشترك لتحقيق مستقبل أفضل للجميع.