خلصت ندوة نقاشية ضمن علماء وأساتذة وخبراء في مجال الصحافة والإعلام إلى ضرورة انتهاج الدول العربية والصحف المطبوعة لمجموعة من الخطوات العاجلة للمحافظة على استمرار الصحافة الورقية وفاعليتها، وللحفاظ على المكتسبات التي حققتها هذه الصحافة طوال العقود الماضية.
ودعا المشاركون في ندوة "الصحافة الورقية.. الواقع والتحديات" والتي قدمها الأستاذ حمزة عليان سكرتير تحرير صحيفة القبس الكويتية ومدير مركز المعلومات والدراسات بالصحيفة بالقاعة الرئيسية في الجامعة الأهلية صباح أمس الإثنين الموافق 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، دعوا المسئولين في السلطات التشريعية والتنفيذية في الوطن العربي إلى سن تشريعات للصحافة تواكب المستجدات المعاصرة والمنافسة الشرسة للإعلام الجديد، بما يوفر للصحف الورقية الحرية المسؤولة والبيئة المناسبة للابداع والمنافسة، وكذلك دعوا الصحف المطبوعة إلى ابتكار وسائل التفاعلية مع الجمهور بما يشعرهم أن الصحافة المطبوعة تعبر فعلا عن قضاياهم وتبرز صوتهم وتعطيه قيمة في المجتمع، من خلال إعطائهم مساحة من التأثير على سياسات الصحيفة واهتمامتها واتجاهاتها.
وقد رحبت عميدة كلية الآداب والعلوم والتربية البروفيسورة همت السقا بالكاتب الصحفي حمزة عليان، مشيدة بالإضافة الكبيرة التي حققتها إصداراته ومنشوراته التأريخية والإعلامية للمكتبة العربية، ومنوهة بما يمتلكه من خبرة واسعة في مجالات الصحافة والإعلام والعلاقات العامة.
وبدأ الكاتب حمزة عليان الندوة بتشخيص الظاهرة، موضحا بأن الصحافة المطبوعة عبارة عن مشروعات تجارية تدخل فيها الصناعة والتسويق كعنصرين أساسيين ومهمين أي ان هناك تكلفة مالية تترتب على هذا المنتج ويتطلب أن يتم تسويقه بفاعلية حتى لا يقع تحت بند الخسائر ويؤدي بها الى الإغلاق.
وأضاف عليان: نتحدث اليوم عن صحافة تحتاج الى تمويل لسد احتياجاتها ولم تعد قائمة فقط على التنوير وخدمة رسالتها الإعلامية، والتمويل غالبا يأتي من الإعلان كمورد أساسي أو من جهات أخرى.
ولفت الكاتب إلى أن قسما كبيرا من أهل الصحافة المكتوبة هجروها قبل ان يهجرها الآخرون، وأن دراسة للجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات في الكويت انتهت للقول إن 2 في المئة من الكويتيين يستخدمون الاعلام الجديد للحصول على المعلومة مقابل 92 في المئة يبحثون عن الخبر من خلالها. وضرب مثلا بالمملكة العربية السعودية موضحا بأن 16 مليون مستخدم شهرياً لبرنامج اليوتيوب، و13 مليون مستخدم شهرياً لبرنامج الفيسبوك، و11 مليون مستخدم شهرياً لتويتر.
ونوه عليان إلى إن الصحافة الورقية فشلت في امتحان الرئاسة الأميركية فقد كانت هي والنخبة التي تمثلها في واد، ومواقع التواصل الاجتماعي في واد آخر، وقد فشلت الصحافة المطبوعة في نقل نبض الشارع بالفاعلية اللازمة، فيما كانت صفحة ترامب عبر " الفيسبوك" تضم حوالي 12 مليون متابع، ضمن استراتيجية اكتساحه لمواقع التواصل الإجتماعي والتي بدورها إنتصرت له.
وأضاف: لم يعد يجادل أحد بوجود الاعلام الجديد أو الرقمي، انما السؤال عن قوة هذا الاعلام ومدى قدرته على ان يكون بديلا بالمعنى المباشر للكلمة، أي ليحل محل الاعلام المطبوع؟
وقال العليان إن الإعلام الجديد يضم إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي، الصحافة الالكترونية، على إن المنافسة موجودة أيضا بين وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة الالكترونية من جهة أخرى، فواقع الأمر إن سرعة وسائل التواصل الاجتماعي، وميزة التفاعلية لديها جعلت الصحافة الالكترونية هي الاخرى في حالة إستنفار وتجديد للمحتوى الذي تعرضه على الجمهور، وهذا الاعلام الجديد صار يستحوذ على نسبة تصل الى الثلث من الاعلان و الجمهور الذي يزداد يوما بعد يوم.
وأكد الكاتب أن المعادلة الجديدة هي تراجع الاعلان وبشكل واضح في الصحف المطبوعة وتصاعده لدى غريمه الجديد، مما يفرض على الصحف المطبوعة أن الفضاء الالكتروني والمفتوح أضحى شريك في العمل الاعلامي، لا يمكن تجاهله أو تجاوزه، بل الحاجة ملحة إلى التعاون معه والاستفادة منه وان كان له جمهور وسياسة تحريرية مختلفة عن الصحافة التقليدية.
ولفت العليان إلى إن معظم الصحف العربية لم تستطع ان تخلق نموذج تحريري كامل لصحيفة الكترونية مختلفة تماما عن الصحيفة الورقية بل هناك عمليات تجميل واضافات للطبعة الورقية التي تنقل بصيغة PDF أو بنقلها بصيغة الـ "WORD"، منوها إلى إن هذا " النموذج الهجين" والمختلط لم يحسن الفصل ولا تسويق نفسه بالاستحواذ على الحصة المناسبة من الاعلانات، وبات أسير "المشهدين" الورقي والالكتروني، وان كانت هناك محاولات لا بأس بها وتستحق التقدير من بعض الصحف الخليجية والعربية بخلق صحيفتين الكترونية وورقية يسيران بخطين متوازيين لكنهما يختلفان بالأدوات والجمهور وبالمحتوى الذي يقدمانه.
وأشاد رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة الدكتور زهير ضيف بالرؤية التي قدمها الأستاذ حمزة عليان، من وحي تجربته التي تمتد إلى 5 عقود لدى صاحبة الجلالة، مؤكدا على إن الصحافة المطبوعة اليوم تواجه تحديا كبيرا في ظل التطور التكنولوجي الهائل، مما يتطلب منها الارتقاء بالمحتوى الذي تقدمه للجمهور.
وأضاف: إحدى دراساتي على المجتمع البحريني كشفت لي عن أن لدى الشباب من فئة 15 إلى 25 عاما عزوفا عن قراءة الصحف المطبوعة، ووجدت أن المشكلة ليست لدى هذه الفئة العمرية بقدر ما هي في المضامين التي تقدمها الصحف وعدم اشباعها لحاجاتهم وإثارتها لدوافعهم الذاتية.
كما ودعا ضيف إلى أن تتحرر الصحف المطبوعة من الأأطر والقوالب الرسمية والأيدلوجية التي حبست نفسها فيها، وأن ينفتحوا على المجتمع بمختلف طبقاته وشرائح، ويصنعوا علاقات وثيقة به من خلال تبني همومه وقضاياه لا في السياسة فقط، وإنما في مختلف المجالات الصحيفة والاجتماعية والتعليمية والثقافية.
أما أستاذ الصحافة والإعلام الدكتور حسام إلهامي، فإنه قد تطرق لمجموعة من الحلول التحريرية التي من شأنها أن تساعد الصحف المطبوعة على حجز جمهورها الخاص، وخصوصا من فئة النخبة، التي تبحث عن ما هو أبعد من الخبر، فاقترح زيادة التقارير التحليلية وتوظيف قالب الرواية بدلا من الالتزام بقالب الهرم المقلوب ورتابته، والتوسع في الصحافة الاستقصائية، وأنسنة الكتاب من خلال تناول الصحافة للحياة اليومية للناس البسطاء والمغمورين، واستعراض مختلف التجارب الإنسانية، مع إضفاء الطابع الدرامي على المواد الصحفية قدر الإمكان، والتحول إلى أسلوب السارد الأحادي في الموضوعات الملائمة، والتحول من أولوية إعداد المهنيين إلى إعدادا المبدعين في مجال الكتابة، وأخيرا التفكير في خيارات توزيع الصحف المطبوعة بالمجان، والاكتفاء بالاعتماد على الإعلانات.
واستعرض أستاذ الإعلام والعلاقات العامة الدكتور عبدالصادق حسن تجربة خاضها شخصيا في جامعة القاهرة قبل 30 عاما بمناقشة التحديات التي كانت مستجدة أمام الإذاعة مع انتشار التفلزيون واقتحامه لبيوت المصريين، وتخوف مختصين من انفضاض الناس عن الإذاعة وانتاء زمنها، لافتا إلى إن الاذاعة استمرت وتطورت واستطاعت أن تقدم نفسها بأنومذج جديد يحافظ على بقائها إلى يومنا هذا، وكذلك يمكن للصحافة المطبوعة الاستمرار إذا ما أخذت التحدي على محمل الجد، واستكتشفت البدائل المناسبة للاحتفاظ بجمهورها.