يقطع الطريق السريع مهرولاً، كأنه يقفز من ضفة وادٍ إلى أخرى، وعيناه السوداوان وضعتا على ركن يلعب فيه ولده الصغير على رصيف المتحف، تدور يده إلى أقصى كتفه يرتب خماراً أبيضَ مزركشاً علق بشعره الأشعث كأن القماش علق بغصن شجر توت بري. كان يريد أن يصنع عمامة ترفع عنه لبس الغربة في المجتمع يصيح صوت بداخله كأنه يقول: أنا منكم لست غريبا أبداً أكرموني !
يجري الرجل الأعرج الأسمر شمالا بين رصيف المتحف تارة، وبين مدخل بنك تارة أخرى، جرياً بين تاريخ وبعض القطع المعدنية يملأ بها جيبه المتسخ يميل فيتأرجح فراغ في بنطاله البني. اعوجاج الحركة يرسم طيفه المائل تحت أسهم الأشعة الصيفية كلما تحول ضوء الإشارة إلى الأحمر فالفرصة مواتية. ثوان جديدة لالتقاط ما جادت به الأيادي البيضاء عبر نوافذ السيارات، فالكرم هنا يقاس بجهاز اسمه الضوء الأحمر ... عمد أحد الأصدقاء "منكتا" أن يقول لي ذات يوم إن مدرباً للسياقة سأل أحد المتربصين حول عدد الأضواء على لوحة الإشارات، فقال المترشح: أربع.
أردف، مدرب السياقة في أي بلد في العالم يوجد ذلك، ثلاثة نعرفهم والرابع، قال الرابع هو الضوء الأسود، صداكة أي صدقة بلهجة الماليين، ما إن أكمل طرافته حتى أحسسنا بالذنب، لأنني كنت أسرد معاناة شعب فر من عنف حرب قومية شرسة بمالي ...ولأن الحكاية تراجيدية هذه المرة بطلها رجل أعرج، قاطعته قائلاً إني أعرفه، وان ابنه يقيل تحت لافتة شارع السمارة صيفاً ويتسلى باللعب بين عجلات السيارات حافياً، الصحن البلاستيكي الأحمر لا يفارقه إنه مقود سيارته العجيبة التي تحصد بعض الدنانير وإتاوات المارة بإحكام.
-الخطر يملأ المكان، الأفارقة المطرودون لا يبالون بذلك كل نقاط الدوران محجوزة قطعة الرغيف تواكب دوران محركات البنزين والمازوت. الأيادي البيضاء تكرم في قلق، طفولة مشردة على الهواء، مصير أسود، الحظ التعس يلاحق هؤلاء الأبرياء.
بلتوفيق
ما شاء الله استاذ كريم نتمنى ان تحظى كتاباتك باعمال تمثيلية اذاعية او حتى تلفزيونية
قصة اكثر من جميلة بالتوفيق ان شاء الله
أشكركم على كل التعليقات
اسلوب راقي اخي كريم شكرا بالتوفيق
سرد جميل و اسلوب راقي جدا بالتوفيق ان شاء الله.
رائع وصفك
ما أجمل الأيدي البيضاء
الأيدي المزكية في عجلة من أمرها
رسالة و قصة جميلة
قصة جميلة و رائعة ماشاء الله اسلوب جيد بارك الله فيك مؤترة و تحرك المشاعر وفقك الله
وصف حقيقي بأحاسيس اكثر من رائعة لواقع اناس ظلمتهم قساوة الحياه .بالتوفيق ان شاء الله
For true feelings . Thanks
جميلة القصة و معبرة ، ربي يشافيه سعيدو ، و يرجعهم الى وطنهم امنين كل الاجانب اللذين يحتضنهم وطننا الغالي
قصة رائعة وسرد جيد لواقع الأفارقة موفق إن شاؤ الله
شكرا مشكورة على الاهتمام