العدد 5188 - السبت 19 نوفمبر 2016م الموافق 19 صفر 1438هـ

قرأ نص «مرح النجوم» ونصوصاً أخرى... وثلاث قراءات في تجربته

الجامعة الأهلية تحتفي بـ «قاسم حدّاد صانع المعنى»...

قاسم حداد
قاسم حداد

ميَّزت الجامعة الأهلية في موسمها الثقافي الثاني، الذي تنظِّمه كلية الآداب، نشاطها وفاعليتها باستضافة الشاعر والأديب البحريني قاسم حدَّاد، وذلك يوم الاثنين (14 نوفمبر/تشرين الثاني 2016)، بعد عودته من الولايات المتحدة، التي قضى فيها أسابيع أستاذاً زائراً في جامعة جورج تاون.

الاستضافة التي توسَّطت الوقت عند الثانية عشرة صباحاً، افتتحها الرئيس المؤسس للجامعة، ورئيس مجلس الأمناء البروفيسور عبدالله الحواج بتأكيد أن استضافة العلماء والمفكِّرين والمبدعين والشعراء، هي إحدى الوسائل المهمة للجامعة الأهلية، بوصفها جامعة لصيقة بالمجتمع، وتهدف في المقام الأول إلى الارتقاء به حضارياً، وأن تشارك بفاعلية في نموه وازدهاره.

وأثنى الحواج على الدور الذي يضطلع به حدَّاد في إبراز اسم البحرين عالياً في المحافل الإقليمية والعالمية بوصفه أديباً وشاعراً استطاع أن يقيم مدرسته الخاصة والمتميزة في الشعر.

من جانبه، ونوَّه حدَّاد خلال الفعالية إلى أن استضافته حين تكون في جامعة ما فإنها تشعره بمسئولية مضاعفة لأنه يقرأ شعره أمام المستقبل.

وقال، إن استضافات من هذا النوع مهمة جداً للجامعات لأنها الطريق الأنسب لاحتضان الأجيال المقبلة للمبدعين والمتميزين والتعرف على تجاربهم وخبراتهم والاستفادة منها.

وأشار إلى أن التحدِّي الحقيقي هو في أن نتحول من المعلومات إلى المعرفة، لأن مسئولية الجامعات أن تنقل المعرفة إلى المجتمع وأن تساعد المبدعين على نقل المعرفة.

قرأ بعدها حدَّاد 6 نصوص: «مرح النجوم»، «القرويات»، «الوقت»، «خطَّاطون»، «اضحك قليلاً»، و «القلعة».

الفعالية ضمَّت ثلاث قراءات هي أقرب إلى الشهادات حول تجربة الشاعر والأديب حدَّاد، قدَّمها كل من: البروفيسور إسماعيل الربيعي، وحملت عنوان «الشاعر ورؤية العالم»، فيما قدَّم البروفيسور كاظم مؤنس دراسة في شعر قاسم حداد، تناول فيها ملامح من «الصور المركَّبة ذات البعد الجدلي، والمستوحاة من درامية طاغية»، وجاءت الورقة/الشهادة الثالثة بعنوان «أدبية الخفاء والتّجلّي في (قبر قاسم)»، لعضو هيئة التدريس في الجامعة علي فرحان.

«الشاعر ورؤية العالم»...

صانع المعنى

بدأ الربيعي شهادته بالقول، إن حدَّاد، «كينونة إبداعية تتألق في وسيطها، وتستلهم التفاصيل الروحية دون منّة أو تعال أو خيلاء. إنه المبدع، المنتج، المثقف العضوي الملتزم، الواقعي، الحالم، صانع المعنى». مشيراً إلى أن الإبداع لدى حدَّاد غاية وهدف واستراتيجيا، وليس وسيلة أو تدبر أحوال؟! كما أن الثقافة لديه رسالة وتعبير عن هموم الجماعة، حتى وإن استغرق الصوت الإبداعي بالذاتي، بل إن الذاتي يندغم بالموضوعي، ليكون تعبيراً صميماً عن الصوت الداخلي الذي يعتلج في صدر الجماعة. إنه التشرب بالقيم والإفصاح عنها من خلال النص، المتوقد والملتهب. على رغم الإيقاع الهادئ والعميق الذي تتمظهر به النصوص.

ينطلق الربيعي من توصيف لوسيان غولدمان، في تناوله لـ «الثنائية القائمة»، بين العلاقات التي تسود الجماعة ودور الفاعل الاجتماعي فيها، في متاخمة المسافة بين موضوع الفعل (الشعر) والذات الفاعلة «حيث (الشاعر)، يكون المرتكز التحليلي وقد توقف ملياً عند العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع الإنساني». وبالضرورة بين مبدع النص وطبيعة الإنتاج للنص الثقافي، حيث الإشارة الصريحة والشديدة المباشرة، تلك التي تقوم على أن أصل الإبداع هنا يقوم على الجماعة وليس الفرد.

متناولاً قيمة الفرد المبدع وقيمته وحضوره «المكين والأكيد في التعبير والإفصاح، لكن هذا كله يبقى منوطاً بالجماعة وما تتركه البيئة من أثر لا يمكن التغافل عنه في إيقاد جمرة إبداع الفرد. وإذا كانت القراءات والمراجعات النقدية قد توقفت طويلا عند دراسة محتوى الإنتاج والوعي، فإن الرؤية الجديدة المستلهمة من فرضيات غولدمان، إنما تقوم على أن المنتج إنما يعبِّر عن البنية الذهنية للجماعة. بمعنى أن الخيال الإبداعي يوازي البنية الذهنية الجماعية. هذا بحساب ما تبثه الجماعة من أفكار ورؤى وتحديات وإرادات وتقمُّصات في صلب الوعي الفردي».

ينطلق الربيعي من تطبيقات منهجية البنائية التوليدية، في قراءة نص حدّاد من خلال، ذلك أنها كما يرى - «تفسح لنا الوقوف على مسار العلاقة القائمة بين الإبداع والواقع الاجتماعي، وما يمكن أن يلتمسه الوعي والبنية الذهنية المعبرة عن الذات الجماعية وليس الفردية، سعياً نحو خلق صنعة إبداعية تعبر وبعمق عن رؤى وتصورات الجماعة. وهي بمثابة المعبِّر عن تشكيل الدلالة التي يتوافر عليها الوعي الجمعي من خلال النتاج الإبداعي. باعتبار أن الإبداع تفاعل لا إرادي، لا يمكن الولوج إلى عوالمه إلا من خلال فعالية الفهم؛ حيث المسعى نحو البحث العميق في دراسة العلاقات والعناصر التي تشكِّل بنية النص. وفعالية الشرح المتطلِّعة نحو ترصُّد أحوال العلاقة ما بين النص الإبداعي والحقائق التي يزخر بها الواقع من خلال القدرة المتميزة على تلمس الوعي الجمعي».

الورقة خلت من نماذج تكون على مطابقة مع مجموعة الرؤى التي طرحها الربيعي؛ ما جعلها تذهب في حدود كلِّية للتجربة، ومتاخمتها كمجموع من الفعل الإبداعي الذي راكمه حدَّاد لأكثر من 40 عاماً؛ على رغم القفزات والتحولات التي عرفتها تلك التجربة، بالوقوف على

تجاوز الأطر الشكلية الجامدة

البروفيسور كاظم مؤنس، الذي اكتفى بعنوان مفتوح لورقته «دراسة في شعر قاسم حدَّاد»، أتاح له انتقالات إلى أكثر من نموذج وتجربة، دون أن يحدِّد ورقته في مفهوم نقدي محدَّد، انطلاقاً من «قصيدة النثر»، والتي شكَّلت الفضاء العام للنماذج التي تم استحضارها.

ويرى مؤنس، أنه في قصائد الشاعر قاسم حداد من «المستبعد أن تحمل قصيدة النثر خصائص بعينها، فهي تصر على عدم النمذجة والدخول في قوالب، أو السكون إلى أطر شكلية جامدة. غير أن ذلك لم يمنع من احتمال ورودها ضمن ما تدعو إليه من التمايز والمغايرة والاختلاف في أفق من التنوع الجمالي الخلَّاب، وهي تعد بصور من الغرابة والدهشة، وبلغة حادة التوتر والكثافة. وهذا يستدعي نظاما مغايراً من التلقي».

النظام المغاير من التلقي الذي قصده مؤنس هنا، في تحقيق النص قدرته على التقاط المُهمل - ربما - وشعرنته، بلغة أبعد ما تكون عن الانغلاق، بفتحها خيارات للتأويل، وأحياناً لا تنشغل بالتأويل بقدر انشغالها بجماليات لا حصر لها.

قدرة حدَّاد على التحكُّم بما يبدو نفوراً، أو تداخل المؤتلف مع المختلف، تصنع جانباً من عبقريته... عبقرية نصه، والسحر الذي يسم تجربته؛ إذ «يطالعنا نفور متواصل من الأطرِ والقوالبِ وتجلٍ مستمرٍ، ومتوهّجٍ، يستعين في أقصى تدفقاته بالانكشاف والتحوُّل نحو التجدد».

ويوضح مؤنس في ورقته بأنه على رغم الصور الحسية والجزئية التي وسمت كثيراً من تجربته الثرية فان أغلب الظن أن الصور المركَّبة ذات البعد الجدلي والمستوحاة من درامية طاغية قد خلعت على أغلب قصائده بعداً عميقاً وصياغة أنيقة وتمثلت بناءً تصويرياً أساسه التشكيل الرمزي، وقوامه اللغة الطافحة بالإيحاء والرمزية النصية.

مُشيراً إلى أن حدَّاد «عُرف بأسلوبيته المتفردة المميزة ذات الصلة بما يتولاه الشكل والنص الشعري من وظائف أدائية يراد بها أساساً تلك الإشكالية الواقعة بين قصيدة النثر والقارئ العريض. ولعلها ترجع إلى طاقةِ التكثيفِ اللفظي الذهني والحسي التي تميز الشاعر حداد كقامة عملاقة إلى جانب أدونيس والماغوط وآخرين».

عن بنية الصورة في شعر حداد

ويرى البروفيسور مؤنس أن الصورة لدى حدَّاد تكشف في الغالب «عن علائق جديدة تتخطَّى العلائق الشكلية بعمقها وبعدها؛ ما يمنحها مستوى حسياً يسحب وراءه نهراً من الرؤى والخواطر والمواقف. فالشعر في مفهومهِ رؤيا، والرؤيا بطبيعتِها تقبعُ خارجَ السائدِ والمتفقِ عليه والمتصالحِ الثابتِ الساكنِ لذلك يأخذ حداد نصه الشعري في سفر دائم للبحث عن طريقة لبناء عالمٍ تكون الكتابةُ فيه تذكرة سفرٍ فوقَ الغامض. ومن هنا فإن المفهوم الرؤيوي للشعر يرتكز على التجديدِ والتحويل والتغييرِ المستمر وعلى قدرةٍ لطاقة تحويلية كامنة في الذات والتخيل، وهو أمر يجعل من الشعر مالا يـُحد ومالا ينتهي، تتجاوز الكلمةُ فيه حالتَها الأداتية ،كما تتخطى حالتها الاستيهامية شعرياً، فيصبح الشعر إضاءة ويقظة تُسمي الأشياءَ تسمية أخرى بلغة أخرى، وهو ما يفعله حداد؛ إذ يقدم صورةً مغايرةً للعالمِ بلغةِ فاتنةِ غامضةِ رشيقةِ عذبةِ الأجراسِ باطنيةِ الإيقاعِ تعلو بالنصِ على الاشتراطاتِ التقليديةِ، فتنسج نصاً قابلاً للتفسير والتأويل المستمرين عبر قراءاتٍ لا متناهية.

ويُبرز مؤنس جانباً من أبرز سمات شعره في قصيدة «القلعة»: «أبني القلعة من حولي/ أشيدها حجراً حجراً/ وأستنفر الجيوش لتبدأ الهجوم/ وحدي»، مروراً إلى «ليس لدي جنودٌ ولا سُعاة وحدي/ كلما ارتدت هجمة أسعفت الجرحى/ وبعثت بالأسرى مدججين بالهدايا/ أرمم أسوار القلعة/ أدهنُها، وأزينُها بالقناديل/ كي ترشدَ الهجومَ التالي

فربما يحلو لهم أن يبغتُوا في الليل/ فها أنا وحدي والقلعة صامدة».

مشيراً إلى أن القصيدة لدى حداد ليست كلاماً منثوراً بل هو صنعٌ سيميائي ومناورة ذهنية بإقامة علاقات بين الكلمات والأشياء تتمثل بالإشارة إلى الأشياء دون تحديدها، فحداد شاعر لا يحاكي وإنما يخلق تناغماً بين الذات وما حوله وهو ما يُسميه تودوروف في كتابه الشعرية «بالتناغم المحاكي» بعبارة أخرى تجريد الأشياء بفصلها عن عالمها وإعادة خلقها مما يكسبها الدهشةَ والمباغتةَ، لذا فالقصيدة لديه احتضار تنصهر فيه الذات في الفيض الوجداني.

وللكتابة والاستعراض صلة


نص - قاسم حدَّاد

مرحُ النجوم

للنجوم طريقةٌ في النوم/ دونَ إساءةٍ لليل

تسهر نجمةٌ وتنامُ أخرى/ كي يظلَّ الضوءُ في ميزانه

تجري الملائكةُ الصغارُ وتفتح الآفاقَ/ ثمةَ سهرةٌ تضفي على نوم النجوم

تناوبَ الجرحى على موتٍ وشيكٍ/ نجمة أخرى تضلل صائدي الأحلام

تباً للسماء/ ستكشف الأسرى لمحترفي الظلام

وينتهي سهمٌ إلى كبد الملاك/ نوم النجوم وظيفة الأسرى

لكي تفضي إلى ليلٍ بديلٍ/ ينقذ القتلى من الخذلان

مرحى للنجوم/ تعيد تنظيم المجرَّة مرة أخرى.

القرويات

القروياتُ تراكضنَ هروباً من خيول الليل

كانَ الغيمُ يهبطُ عند تاج الزَرع/ جيشٌ أبيضُ الرايات

في هيئةِ عطرٍ رائقٍ يخترقُ الأكباد/ فزَّت نسوةُ الريف من النوم

كأنَّ الموتَ يسري في الهواء/ كيف،

من أينَ أتى هذا الرثاء/ قروياتٌ بكتْ أحلامُهَنَّ

الدربَ نحو الحقل/ هذا الليلُ أقسى من جيوش الثلج

هذي الريحُ تسري في جرادٍ/ نحو حقل القمح

مَنْ يحمي فرارَ القروياتِ مِنَ الغيم/ ويستدرك أطفالاً من التَرك

نساءٌ مستحماتٍ بماء الفقد/ أخطأنَ الطريق

نحو بيتِ العُرس/ زهراتٍ وحيداتٍ

يطاردهنَّ غيمٌ أبيضٌ/ يتفارَرْنَ جنوناً في ظلام الغاب

من أينَ أتى هذا الضباب/ قروياتٍ تسرولنَ بخيطِ الزعفران

وعَقَدْنَ النَذرَ/ يَقْصدنَ مكاناً آمناً للحب

يَخلقنَ الطريق/ ويؤاخينَ الطريق

ويغيّرنَ الطريق/ ويقاومنَ الطريق

قلنَ .. من يحمي نساءً/ سوف يثكلن من الأطفال ما يكفي لجيش الشمس

ويفقدن الطريق/ قروياتٌ/ تَوارَينَ وراء الموت كي تأتي/ نهاياتُ الطريق.

القلعة

أبني القلعةَ من حَولي

أشيّدُها حَجَراً حجراً

و أستنفرُ الجيوشَ لتبدأَ الهجومْ

وحدي،

أستعدي شهيةَ القتالِ في شَجاعةِ الأعداء

أهيئُ لهمْ كي يبدأوا شَحْذَ الأسلحة

ويُحْسِنُوا التَصْويبْ

أبعَثُ بكُتُبِ التحدياتِ وأنتَظِرُ في القلعة

وحدي.

كلُّ موجةٍ من الهُجُومِ أسمِّيها تفاحَةَ الغِواية

أمْقُتُ الأسلحة لا أُحْسِنُ الحربَ،

وليسَ لديّ جنودٌ ولا سُـعاة

وحدي

كلما ارتدّتْ هَجْمَةٌ أسعَفْتُ الجَرحى

وبَعَثْتُ بالأسرى مُدِجَجِينَ بالهدايا

أرمِّمُ أسوارَ القلعةِ

أدْهَنُها، وأزيَّنُها بالقناديل

كي تُرشِدَ الهجومَ التالي،

فربما يَحْلُو لهم أن يَبْغتُوا في الليل

فها أنا وحدي

والقلعةُ صامدةٌ.

البروفيسور كاظم مؤنس-البروفيسور عبدالله الحواج-البروفيسور إسماعيل الربيعي
البروفيسور كاظم مؤنس-البروفيسور عبدالله الحواج-البروفيسور إسماعيل الربيعي




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً