شغلت الصحف الاسرائيلية، مسألة العلاقات الاميركية الاسرائيلية، ففي وقت تواصلت فيه الضغوط الدولية على اسرائيل لتنفيذ قرار مجلس الامن الدولي رقم 1435 الذي يطالب اسرائيل برفع الحصار عن مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات المدمر في رام الله والانسحاب من المدن الفلسطينية تمهيدا للعودة إلى مواقع ما قبل انتفاضة الاقصى التي دخلت عامها الثالث. جاهرت حكومة آرييل شارون مجددا بتحديها لإرادة المجتمع العالمي واعلنت رفضها الامتثال للقرار الدولي، واعتبر وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز ان اسرائيل «غير قادرة» على تطبيق القرار 1435 بسبب ما اسماه «بالوضع الامني ومخاطر حصول عمليات» وعدم تحرك السلطة الفلسطينية لمنع الهجمات ضد الاسرائيليين. وهو ما أكده شارون - ولو مواربة - في حديث إلى «جيروز اليم بوست»، اذ رد على سؤال عن الانتقادات التي وجهها الرئيس الاميركي حديثا حيال السياسة الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين، بالقول «انه على رغم الاحترام الكبير الذي يكنه للرئيس الاميركي فإنه من واجب الحكومة الاسرائيلية الدفاع عن مواطنيها» وقللت اسرائيل الرسمية، حتى من شأن انتقادات الرئيس بوش واعتبرتها مجرد دعاية اعلامية هدفها ارضاء العرب في اطار الجهود للحصول على التأييد الدولي لضرب العراق. وقال مصدر كبير في مكتب شارون - بحسب معلومات «يديعوت احرونوت» - «اننا نتفهم ان مصالح الولايات المتحدة تقتضي ذلك. وطالما ان هذا الموقف لا ينطوي على ضغوط فلا داعي للقلق».
ومع شبه اجماع بين مختلف التيارات الاسرائيلية على اعتبار العمليات في «المقاطعة» احيت مكانة الرئيس الفلسطيني وبرز نزاع حول نجاح عملية حصار عرفات وسجل البعض لشارون انه انقذ عرفات و «وانها مجرد مسألة وقت، -- يقول يوئيل ماركوس - قبل ان ندفع ثمن رفض الالتزام بقرار مجلس الامن الذي يدعو إلى رفع الحصار عن عرفات وسحب قواتنا من المقاطعة وغزة» حسبما بدا ماركوس في «هآرتس»، متيقنا من مستقبل الايام المقبلة. بينما طلب محللون اسرائيليون آخرون، المزيد من سفك الدماء الفلسطينية، فحكومة شارون ليست مستعدة لأن تجلس مكتوفة اليدين بسبب الحرب الاميركية على صدام حسين شريك ياسر عرفات. من ناحيته عكيفا ألدار في «هآرتس»، الذي كشف ان مساعدة وزير الخارجية الاميركي وليم بيريز، ابلغ الرباعية في نيويورك، ان الرئيس بوش، منع اي نقاش مع إسرائيل، لا يتعلق بوقف الحصار عن عرفات. لافتا إلى ان وزراء خارجية العالم يتساءلون ما اذا كان منطقيا ألا يدرك شارون ان الحصار العسكري لعرفات، يحرره من الحصار السياسي الذي كان محكما حوله؟ وهل يمكن ان تكون هذه محاولة من شارون، لمنع قيام حكومة فلسطينية جديدة؟ وهل كان شارون يخشى، من ان تعيين أبو مازن، رئيسا للحكومة، قد يؤدي إلى ازالة آخر عقبة في طريق قيام الدولة الفلسطينية المؤقتة التي تحدث عنها بوش في خطابه؟ ولفت ألدار إلى ان النقاشات الداخلية التي سبقت اجتماع اللجنة المركزية لحركة «فتح» اتخذت قرارا بأنها لن تتمكن من السيطرة على الوضع، إلا اذا ازاحت عرفات جانبا. واضاف ألدار، ان المجتمعين اتفقوا على اعطاء عرفات خيار تسمية ابو مازن رئيسا للحكومة، وإلا سيعلن قادة «فتح»، حدوث شرخ في العلاقات بينهم وبين عرفات. ورأى ألدار اخيرا، انها كانت خطوة عصيان مسلح خجولة، ولكنها احبطت مع مجيء البلدوزارات. ورأى زئيف شيف في «هآرتس»، ان تعليقات بوش وموقف الولايات المتحدة في مجلس الامن هي اشارة من واشنطن إلى شارون تفيد بأن الصواب وحده لا يكفي وعليه ان يأخذ في الحسبان عامل الذكاء. ولفت إلى ان حركة «حماس» والمنظمات الاخرى ستعمل على ارتكاب المزيد من العنف قد يحمل اسرائيل على «مؤازرتهم» في كبح الهجوم الاميركي (على العراق). واعتبر ان عملية خان يونس (محاولة اغتيال القائد العسكري في حماس محمد ضيف) كانت كافية لمعرفة نتائج حدوث هجوم واسع النطاق على قطاع غزة وإن كللت العملية بنجاح عسكري فإن ذلك سيضع اسرائيل في مواجهة مع واشنطن. وانتقد داني روبنشتاين في «هآرتس» ايضا العملية الاخيرة في غزة، معتبرا ان الاستراتيجية التي تعتمدها اسرائيل في قتل المطلوبين ممن اسمتهم «الارهابيين» نجحت في السابق، ولكنها اصبحت اليوم قديمة الطراز، وخصوصا ان عدد المؤيدين لحركة حماس بات كبيرا جدا. لافتا إلى ان الانتفاضة اثبتت ان سياسة الاغتيالات لا توقف الارهاب، وانما تعززه. اذ انه مع كل اغتيال تنفذه اسرائيل بحق احد ممن وصفهم بـ «الارهابيين» ينبت المئات لاحتلال مكانه. وكان روبنشتاين، اخطأ في تقدير الموقف اذ اعرب في مقال سابق عن اعتقاده (قبل عملية غزة) ان القرار الذي اتخذ في مجلس الامن، قد يضمن عدم قيام اسرائيل بتوسيع حملتها العسكرية الى قطاع غزة. فإلى جانب الظروف السياسية (الحرب على العراق) التي تعيق اي عملية اسرائيلية في غزة، فإن هناك ايضا صعوبات ميدانية كبيرة ستواجه اسرائيل، بسبب الكثافة السكانية الموجودة في غزة، والانتشار الكبير للمجموعة الاسلامية. ورأى روبنشتاين، ان توسيع رقعة السيطرة الاسرائيلية في غزة، ستكون اصعب بكثير مما جرى في الضفة الغربية. من جهة اخرى سأل جدعون سامت في «هآرتس» ماذا سيفعل شارون اذا خرج عرفات الى الشارع ووراءه عشرات الآلاف من الفلسطينيين؟ لافتا إلى ان هذا الامر حدث في السابق في الجزائر، وتمكن حينها الجزائريون من الانتصار على فرنسا، في الوقت الذي كان يظن فيه الجنرالات ان استئصال الارهاب كان وشيكا. لكن الابرز، هي سلسلة التحذيرات التي اطلقها ماركوس في «هآرتس» حين رأى انه اذا ما نظرنا إلى الوضع الراهن وحللناه بتروٍّ يتبين لنا ان هناك سبع مسائل ستتحقق في غضون وقت قصير وهي:
1- انها المرة الاولى منذ الاحتلال التي ينتهك فيها الفلسطينيون حظر التجول، ولم تحرك قوات الدفاع الاسرائيلية ساكنا. «ولكن سرعان ما سيتدفق مئات بل وآلاف الفلسطينيين الى الشوارع اذ ان الشعب الفلسطيني لم يعد يقوى على تحمل الضغط الذي يتعرض له».
2- انها مجرد مسألة وقت، يقول ماركوس، «قبل ان ندفع ثمن رفض الالتزام بقرار مجلس الامن الذي يدعو إلى رفع الحصار عن عرفات وسحب قواتنا من المقاطعة وغزة».
3- انها مجرد مسألة وقت قبل ان ينتقد الرئيس الاميركي، ما يحصل في المقاطعة. وقد حذر كولن باول، شارون، بأن من الاجدر له ان يحترم قرار الامم المتحدة.
4- انها مجرد مسألة وقت ايضا، قبل ان تندلع «ازمة حكومية سياسية في اسرائيل».
5- انها مجرد مسألة وقت قبل ان تجد اسرائيل نفسها تواجه إحدى اسوأ الازمات الاجتماعية الاقتصادية: «انخفاض 15 في المئة من الصادرات الصناعية، نمو ضعيف، هبوط في تصنيف الاعتمادات، وتكاليف دفاعية باهظة» بالإضافة الى نفقات حماية المستوطنين، وانعدام التقدم في ايجاد حل سياسي. ويتحدث المدير العام لوزارة المالية عن موازنة منهكة. فالمسألة مسألة وقت قبل ان تعجز اسرائيل عن تغطية تكاليفها الدفاعية».
6- اذا لم نتوصل الى حل للمشكلات الفلسطينية، فإنها مجرد مسألة وقت «قبل ان نجد انفسنا نواجه انتفاضة في بيوتنا».
7- يعتبر شارون الآن حامي شارون وحارسه. ومن هنا اطلق ماركوس، تحذيراته الاخيرة، من ان اسرائيل تتجه نحو ازمة دفاعية خطيرة في حال عدم بروز اية مبادرة سياسية ليس في الداخل فحسب بل على حدودها ايضا. من ناحيتها «جيروزاليم بوست» التي شغلت افتتاحيتها بتحية «اصدقائنا المسيحيين» الذين شاركوا في العرض العسكري الذي اقيم في القدس، ففي الوقت الذي كان فيه مجلس الامن منشغلا بإدانة اسرائيل، بحسب تعبير الصحيفة الاسرائيلية، بسبب دفاعها عن نفسها في وجه ارهاب عرفات، فإن مشاركة المسيحيين في هذه الاحتفالات ساعدت في حجب الاصوات التي وصفتها بالنشاز الآتية من نيويورك. واذ رأى غابرييل دانزيك (استاذ في العلوم السياسية في جامعة بار ايلان) في «جيروزاليم بوست»، ان الرئيس بوش شجاع ومنطقي في الشأن العراقي، اعتبر انه ارتكب خطأ فادحا اذ يعتقد ان السلطة الفلسطينية مختلفة عن السلطة العراقية! وانتقد دانزيك ايضا سعي بوش، إلى اقامة دولة فلسطينية ضمن الحدود الحالية لاسرائيل. لافتا إلى ان من اسماهم الفلسطينيين المتطرفين سيسعدهم هذا الامر، اذ انه سيمكّنهم من القيام بمزيد من الاعمال العدائية ضد الشعب اليهودي في «اسرائيل». وختم بالقول: «جربنا طريق التنازلات الاسرائيلية لكن من دون جدوى، من هنا فقد حان الوقت لتجربة شيء آخر وفي اتجاه آخر». اما يوري دان فأكد في «جيروزاليم بوست» ان حكومة شارون ليست مستعدة لأن تجلس مكتوفة تشهد على قتل اليهود، بسبب الحرب الاميركية على صدام حسين الذي وصفه بأنه شريك عرفات. واذ انتقد التقارير الصحافية التي تدعي ان شارون انقذ موقع عرفات، وقال «ان شارون البلدوزر بحزمه وقدرته على تولي الامور هو اقوى بكثير من البلدوزر التي ارسلها لتدمير المقاطعة». وتابع «ان البلدوزارات لم تبدأ بتدمير مقر عرفات إلا عندما اقتنعت تماما باقتراح شارون حتى ان وزير الخارجية شمعون بيريز ايد هذا الامر».
غضب بوش لن يوقف شارون
من ناحيتها واكبت الصحافة الاميركية، موقف ادارتها استنادا الى اعلان الرئيس بوش ان حصار المقر العام لرئيس السلطة الفلسطينية في رام الله لا يساعد في عملية البحث عن السلام في الشرق الاوسط. واذ تساءل السفير الاميركي في اسرائيل دان كيرتسر، بحسب «يديعوت احرونوت»«ما هي خطط اسرائيل بالنسبة إلى رام الله، وكيف يساهم هذا في جهود لجنة الوساطة الرباعية لتنفيذ الاصلاحات في السلطة الفلسطينية؟» ومن هنا لفتت «واشنطن بوست»، إلى ان شارون، الذي يدعي وقوفه الى جانب حليفه الرئيس الاميركي في الحرب الاميركية على العراق، حجب اهتمام مجلس الامن عن مسألة العراق، الذي كان بوش يسعى إلى الحصول على دعمه لاستصدار قرار بشأن ازاحة صدام حسين. كما رأت الصحيفة الاميركية، ان رفض اسرائيل الاستجابة الى القرار الصادر عن مجلس الامن، سيعرقل الجهود الاميركية لكسب الدعم العربي والاوروبي لهذا القرار. وخلصت «واشنطن بوست» الى انه يبدو ان اثارة غضب الرئيس بوش لن يوقف شارون عن مشروعه. اذ ان التجارب علمت شارون، ان هذا الرئيس (بوش) يمكن العبث معه بسهولة. واذا لاحظت مجلة «نيوزويك» (الاميركية) ان صبر الادارة بدأ ينفد مع رئيس الوزراء الاسرائيلي، وكتب توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» ان سياسة شارون تبدو وكأنها لا تميز بين حماس وعرفات ولا بين حماس والعلمانيين الفلسطينيين الذين يرغبون في التغيير، اذ انه من الواضح تماما ان شارون لا يريد ان يرى سلطة فلسطينية مسئولة يمكن ان يتنازل لها عن الارض. واذ لفت هنري سيغمان في «انترناشيونال هيرالد تربيون» إلى ان غرض شارون الحقيقي يكمن في تحويل الفلسطينيين الى غرباء في ارضهم، نشرت «ميدل ايست رياليتيز» من على موقعها على الانترنت، نداء عاجلا، وجهه عدد من الاكاديميين والمثقفين الاسرائيليين إلى المجتمع الدولي، للالتفات الى ما يحدث داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة. ويحذرون من وقوع امور خطيرة مثل التطهير العراقي والابعاد او الترانسفير كحل لما يسمونه المشكلة الديمغرافية وخصوصا ان مسألة الابعاد او الترانسفير اثيرت حديثا وعلى لسان اكثر من مسئول اسرائيلي. ولاحظ باتريك سيل في مقال نشرته «الحياة» ان التنظيمات الفلسطينية توصلت إلى اقتناع بأن عليها ان تغير استراتيجيتها، وإلا استمر شارون، في عمليات القمع الوحشية ضد المدنيين في الاراضي المحتلة. إلا ان سيل اعرب عن اعتقاده ان احداث هذا التغيير في الاستراتيجية الفلسطينيية ليس سهلا، اذ مازال شارون مستمرا في عدم تمكين الفلسطينيين من وقف التصعيد ووضع حد للعنف. فهو لا يريد ان يفاوض ، وهو يرفض ان يقدم اي تنازلات للفلسطينيين، ولو اوقفوا عملياتهم الاستشهادية
العدد 24 - الأحد 29 سبتمبر 2002م الموافق 22 رجب 1423هـ