ونحن نقترب من موعد الانتخابات النيابية في 24 اكتوبر/ تشرين الأول تزداد الحملات الانتخابية في عدد من مناطق البحرين. وتتميز السياسة البحرينية بسلميتها واعتمادها الحوار اسلوبا للاعتراض أو الموافقة على مجريات الأمور. وحتى عندما كانت الظروف تشتد في السنوات الماضية، كانت المعارضة من أكثر الحركات السياسية في العالم العربي ضبطا للنفس. ولا شك في أن انتقال الحركة السياسية من المواجهة في التسعينات إلى الحوار المباشر وغير المباشر مع القيادة السياسية يعتبر من أهم انجازات مرحلتنا الحاضرة.
وعلى رغم تصاعد وتيرة الحوار في الأشهر الماضية حول المشاركة أو المقاطعة بالنسبة إلى الانتخابات النيابية، فإن جميع الجمعيات السياسية والرموز الشعبية والدينية أكدت مرارا وتكرارا أن البحرين انتقلت إلى مرحلة جديدة لا تحتاج فيها إلى أساليب الماضي التي اضطرت إليها المعارضة بسبب القمع. فالكتابة على الجدران كانت وسيلة من لا يستطيع التعبير عن نفسه، أما اليوم فالمعارض والمؤيد يستطيعان أن يكتبا في الصحافة وأن يعقدا ندوات وأن يتحدثا لوسائل الاعلام العالمية من دون خوف أو وجل. وهكذا الحال بالنسبة إلى الأساليب الأخرى التي تزيد عن ذلك.
غير أنه ومع كل التأكيدات والتصريحات لرؤساء الجمعيات السياسية وعلماء الدين الذين طلبوا بشكل واضح من جميع مناصريهم عدم الكتابة على الجدران وعدم اللجوء إلى أساليب الحقبة الماضية، إلا أن هناك من يصر على عدم الاستماع لمنهج التعقل في الأمور. ولهذا يلاحظ المرء انتشار كتابات جدارية وعبارات يستطيع المرء كتابتها في الصحف والنطق بها في الندوات من دون الحاجة إلى استخدام جدران المنازل لذلك. وأصحاب المنازل الذين قد يتعاطفون ويسمحون بالكتابات الجدارية على منازلهم في سنوات الانتفاضة الشعبية ليسوا هم كذلك الآن.
اضافة إلى ذلك، فقد اشتكى بعض من رشح نفسه للانتخابات النيابية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من كتابات واهانات توجه إليهم، الامر الذي حدا بهم للتشكيك في صدقية التصريحات التي تحدث بها عدد من الرموز الدينية والسياسية. ولا شك في أن هذه الرموز والقيادات صادقة ومخلصة في كل كلمة صرحت بها، ولكن المشكلة أن هناك اقلية ضمن تيار المعارضة لا تحب الاستماع لكلام الرموز والقيادات. والمشكلة أن عدم الاستماع للرموز الدينية والسياسية يضر الرموز والجمعيات الداعية للأساليب السلمية أكثر مما يضر المرشحين الذي اشتكوا من بعض الأساليب الموجهة ضدهم.
اننا جميعا مطالبون بممارسة الديمقراطية قبل أن نطالب غيرنا الالتزام بها، وإحدى اهم صفات العمل الديمقراطي هي القبول بالرأي الآخر. والرأي المعارض طرح ما يريد بحرية من دون خوف أو اهانة من الدولة أو المجتمع، ويلزم الرد على هذا التعامل السلمي بطريقة مماثلة. فمن يريد أن يقاطع فله الحق في ذلك، ومن أراد أن يشارك يلزم ايضا أن يكون له الحق في ذلك، تماما كما صرحت بذلك الجمعيات السياسية المعارضة وعلماء الدين الذين يمتلكون رصيدا اجتماعيا واسعا.
يلزم أن يأمن الانسان عندما يعبّر عن رأيه أو يمارس نشاطاته، وهذا الأمان لا تهدده أجهزة الدولة فقط بل إن فئات المجتمع المختلفة بامكانها ايضا أن تهدد ذلك. والمناطق التي تسيطر عليها جمعيات المعارضة هي أكثر المناطق التي عانت من انعدام الأمن والسلم بسبب التعبير عن الرأي، والضحية يلزم ألا يمارس الأساليب التي كان يعاني منها.
نقول ذلك ونحن على يقين بأن الأكثرية والجماهير المؤيدة للرأي المعارض هي من أكثر الناس حرصا على العمل السلمي وحرية التعبير عن الرأي والممارسة الديمقراطية. ونعتقد أيضا أن الذي يرفض الالتزام برأي الجمعيات السياسية وبرأي الرموز فانه يمارس نشاطا يضر بالهدف الذي يحاول تحقيقه. فالناس أحرار في ترشيح أنفسهم أو عدم ترشيحها، والمواطنون احرار في الادلاء بأصواتهم أو عدم الادلاء بها.
اننا عندما نعزز هذا المبدأ فإنما نخدم أنفسنا ونساعد على تحقيق اهدافنا، وعندما نبتعد عن أي اسلوب غير سلمي فاننا نضفي مزيدا من الصدقية على كل ما ناضلنا من أجله جميعا وهو حق الاختلاف والعمل لتحقيق الاهداف بصورة علانية وسلمية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 24 - الأحد 29 سبتمبر 2002م الموافق 22 رجب 1423هـ