أصبحت السياحة مفهوماً عالمياً يتطلب الانفتاح والاتصال مع دول العالم من حيث الاستقبال والتسويق والاستهلاك، وقد تضاعف حجم الحركة السياحية الدولية من 25 مليون سائح العام 1950 إلى 1184 مليوناً العام 2015، وتضاعف الدخل السياحي من 2.5 مليار دولار العام 1950 وإلى 1500 مليار العام 2015، وبلغ نصيب الدول المتقدمة نحو 60 في المئة من الحركة السياحية العالمية العام 2015، في حين أن نصيب العالم العربي لا يتعدى سوى 3 في المئة. إن تزايد الحركة السياحية في العالم العربي يضعنا أمام مهمات جسيمة لمقابلة هذه الزيادة وتنظيمها بشكل يحقق المكاسب المادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
تناول هذا الاستعراض قطاع المرشدين السياحيين في البحرين، الذي يعتبر واحداً من الفعاليات السياحية المؤثرة في العملية السياحية. إن دور المرشد السياحي لا يقل أهمية عن دور الفندق أو شركات السياحة في ازدهار العملية السياحة. إن المرشد السياحي هو الشخص الذي يمارس مهنة الإرشاد السياحي من خلال مرافقة السياح منذ دخولهم البلاد وزيارتهم للمواقع السياحية المختلفة، بالإضافة إلى تزويد السياح بالمعلومات والإرشادات المطلوبة، لذا فإن دور المرشد يتضمن استقبال السياح ومرافقتهم في كل الزيارات الواردة في البرامج السياحية وتزويد السياح بالمعلومات المطلوبة، وعليه أن يتكلم لغة السائح بشكل سلس وواضح، وهو الأكثر ارتباطاً والأشد تأثيراً على رأي السائح وذوقه.
كان دور المرشد في الماضي يقتصر على إرشاد السياح إلى الطرق والأماكن المجهولة، وأصبح اليوم موسوعة متكاملة من حيث تزويد السياح بالمعلومات. وقد اختلف الباحثون في تحديد دور المرشد السياحي؛ فمنهم من وصفه بأنه مكتشف المناطق، واعتبروه وسيطاً ثقافياً، وآخرون يرون أن دور المرشد السياحي أشبه بالمعلم، ولكنه أيضاً يلقب بالسفير الذي ينقل حضارة بلده إلى شعوب العالم.
إن الشروط الأساسية الواجب توافرها في المرشد السياحي كثيرة وغير محددة، ومن أهمها أن يكون المرشد ذي أخلاق ثقافية واجتماعية عالية، وأن يتميز بحسن الأداء وأن تتوافر لديه القدرة على التفاعل والتنظيم، وأن يكون حاذقاً لمهارات الاتصال السياحي. إن ما يقوله المرشد يؤمن به السائح بشدة، لدرجة أن تأثير المرشد على إقناع السياح وتغيير بعض المفاهيم المغلوطة هي من أبرز إنجازات المرشد، ولذلك فعليه أن يتحلى بمهارات وأساليب مهنية حديثة كي يكون أكثر إقناعاً.
وفي دراسة ميدانية قمت بها العام 1998 لمعرفة الشروط الواجب توافرها في المرشد السياحي الأردني من خلال عينه دراسية على 1221 سائحاً، فقد أشارت الدراسة إلى أن متوسط الرضا العام عن المرشدين بلغ نحو 86.4 في المئة، وهذا يعتبر مؤشراً منطقياً وإيجابياً عن مستوى المرشد السياحي الأردني. وقد تبين من الدراسة أيضاً أن هناك شروطاً يجب أن تتوافر في المرشد السياحي، من مثل توافر المعلومات التاريخية والحضارية والجغرافية، ومهارات اللغة قراءة وكتابة ومحادثة، مع ضرورة أن يتمتع بشخصية قيادية وقادر على حل المشكلات الطارئة، وأن يتمتع بخصائص سلوكية عالية مثل الأمانة والصدق والثقة بالنفس والقدرة على تفهم أمزجة السياح المختلفة.
إن قانون الإرشاد السياحي في البحرين قد صدر منذ العام 2005، ولكنه لم يفعل إلا العام 2015، حينما تم تخريج مجموعة من المرشدين الممارسين للمهنة وغير المرخصين، كما أن البحرين هي واحدة من الدول المشاركة في اتحاد المرشدين السياحيين العرب.
إن من الأولويات الواجب تداركها في تنمية وتطوير السياحة في البحرين، هو التركيز على مهنة الإرشاد وتفعيلها، وخلق كوادر وطنية، وتأهيلهم بشكل لائق، وتوفير مستوى معيشي طيب للمرشدين، لأنه بحسب قانون الإرشاد البحريني، تشترط المادة (2)، أن يكون المرشد السياحي بحريني الجنسية، في حين مازال المرشدون الأجانب يشكلون نسبة عالية.
لقد سبق لجامعة البحرين أن نظمت دورة تدريبية للمرشدين السياحيين العام 2002، وذلك بالتعاون مع إدارة السياحة ووزارة العمل، وقد كان مدة البرنامج أربعة أشهر، ولكن معظم الخريجين لم يعملوا في هذا المجال، لأن قانون الإرشاد لم يكن صادراً بعد.
إن المسئولية الملقاة على كاهل هيئة السياحة والمعارض كبيرة، فليس من المعقول أن يتم تعليم وتدريب المرشد السياحي في بضعة أسابيع ومن قبل جهة غير مخولة في تعليم وتدريب المرشد السياحي، إن من حق السياحة أن تكون طرفاً إشرافياً على الدورات وكفاءة المرشدين حين انتهاء الدورة التدريبية. إن من يقوم بعملية التعليم والتدريب في دول الخليج العربي هي مؤسسات ومراكز علمية وجامعات مرموقة.
إن مهنة الإرشاد السياحي باعتقادي هي أعلى مهنة ثقافية وعلمية من بين كل مهن السياحة والفندقة.
إن مهنة الإرشاد السياحي في البحرين تواجه العديد من التحديات، ومن أهمها:
- العمل على تحسين صورة المرشد السياحي في المجتمع وفي القطاع السياحي.
- أن يجتاز المرشد مراحل تعليمية وتدريبية مختلفة لا تقل عن بكالوريوس وتدريب شامل، ولاسيما أن جامعة البحرين لديها تخصص الإرشاد السياحي. ويجب انتقاء المرشدين الجدد بكل عناية ودقة، أما المرشدون السياحيون الحاصلون على رخص مهن الإرشاد فيجب إخضاعهم إلى دورات إنعاشية مستمرة كي يكون المرشد في تواصل مستمر مع ما يستجد من معلومات.
- التركيز على مهارات اللغة سواء كانت كتابة وقراءة ومحادثة، هناك العديد من المرشدين تعلموا اللغات الأجنبية سماعياً من خلال تعاملهم المباشر بالسياح، وهناك من تعلم اللغة الأجنبية من خلال أحد المعاهد الأجنبية، إلا أن ذلك وحده لا يكفي، لهذا يجب تشجيع المرشدين بالسفر والإقامة في الدول التي يتعاملون مع سياحتها كي يكتسبوا ثقافة البلد.
- ضرورة معرفة المرشدين السياحيين بمهارات الكمبيوتر والإنترنت، إن السياحة القادمة سيكون منظمها الأساسي هو الإنترنت، أن أكثر من 70 في المئة من السياح في المجتمعات المتقدمة يحجزون رحلاتهم وخدماتهم السياحية عبر الإنترنت، وبالتالي على كل مرشد سياحي أن يكون لديه موقع سياحي عبر الإنترنت.
- ضرورة مواكبة المرشدين السياحيين بالأحداث والمستجدات في المواقع السياحية وفي العالم، وبالتالي عليه أن يكون حسن الاطلاع وملماً بكل المستجدات، ولاسيما أن بعض الحفريات الأثرية التي تحدث في أحد المواسم تأتي بمعلومات جديدة تختلف عن السابق.
- ضرورة توحيد معلومات المرشد السياحي، وذلك من خلال توفير المعلومات من مصادرها الصحيحة، وعقد ورش عمل ودورات قصيرة لتطوير الأداء وتبادل الآراء وتحديث معلومات المرشد، وهنا أقترح تأليف كتاب توضع به معظم المعلومات التي يحتاجها المرشد.
- تحسين المستوى المعيشي والمهني للمرشدين في البحرين، من خلال استدامة أعمالهم طوال العام.
- الاعتماد على المرشد البحريني، فحسب قانون الإرشاد البحريني، يجب أن يكون المرشد السياحي بحريني الجنسية، وبالتالي أرى من المناسب التركيز على المرشد البحريني.
- تعميم فكرة الإرشاد السياحي بحيث لا تقتصر فقط على سياح البواخر السياحية فحسب، وإنما على جميع السياح، ولا بأس من وضع المرشدين في المواقع السياحية، حين يتم الحاجة لهم.
إقرأ أيضا لـ "حابس السماوي"العدد 5187 - الجمعة 18 نوفمبر 2016م الموافق 18 صفر 1438هـ
يعطيك العافية دكتور عالمجهود الطيب أن شاء الله الإرشاد السياحي يرتفع صيته و السياحة بشكل عام