ما الذي ينتظره المثقف هنا؟ ما الذي يريده؟ وما الذي يُراد منه؟ هل هو مستقلٌّ؟ هل يُراد له أن يكون مستقلِّاً؟ هل مشكلته تكمن في الرقابة. هل النص لديه مكتمل في بيئة يرى أنها تحاصره من الجهات الست؟ هل ما أصدره من نتاجات تمثِّله بشكل حقيقي؟ هل ثمة جدوى من الإصدارات أساساً وفي هذه المرحلة الرمادية التي لا يأبه فيها المرء لقراءة الحريق من حوله؟ ما الذي يُدخل المثقف في مراحل ارتداد ونكوص أمام قضايا ولحظات مفصلية؛ سواء ارتبطت بالمكان الذي ينتمي له، أو الأمكنة التي من المفترض أن يكون مشدوداً إليها بحكم كونه إنساناً؟ هل شعر بلاجدواه، وهامشيته في هذا الجزء من العالم؟
هل بات الالتزام في النص قضية يُمكن المناورة فيها أو اللعب بها؟ هل هو الالتزام في النصِّ فحسب، ولا ضيْر أن ينفلت ويفكَّ ارتباطه بالالتزام كقضية جوهرية في الحياة قبل أن تكون جوهرية في النص ومضامينه ومعانيه؟ وهل ثمة عالمان في الالتزام هنا؟
هل مهَّدت هذه المرحلة بكل رماديتها وسوداويتها وانفلاتها وفوضاها واصطفافاتها إلى أن يتخلَّى المثقف عن انحيازه إلى «المُواطنة» باعتبارها ميزان النظر والتعاطي والتعامل مع الإنسان، بسبب غيابها أو تغييبها، وغلبة الاصطفاف الطائفي والقبلي والمناطقي، ومزاجية القانون هنا وهناك وهنالك؟
هل وجد المثقف اليوم في طائفته... جماعته... قبيلته... أشباهه، البديل الضروري والحصانة التي تقيه مما يعتقد أنه استهداف له ولوجوده، بحكم الصيَغ المُتاحة في الفرز هنا وهناك؟
إلى أين يأخذ الكاتب... المثقف، القارئَ العربي اليوم؟ إلى مساحاته التي تمَّت أدلجتها، أم إلى كتابة لا تقود إلا إلى العدم والعبث والفوضى واللامعنى؟ وإذا ما خفَّت جرعة الأيديولوجيا فيما يصدر عنه، هل ثمة مؤدَّيات في نهاية المطاف، في الحالين معاً؟ وماذا عن الذين هم بُراء من كل ذك؟ هل يملكون القدرة على التغيير وسط كل تلك التحزُّبات والاصطفافات؟
هل استطاع الكاتب... المثقف عندنا أن يُحدث انقلاباً في الوعي السائد والمُكرَّس، ذلك الذي يراد له ألَّا يتجاوز «اللحظية» من الحياة، من دون أن يشكِّل المستقبل عبئاً وقلقاً على/ وفي وجوده، طالما أن الحاضر نفسه في الرديء مستوياته التي يكاد لا يدنو فيها من ماضٍ عليل ومُربِك ظل يمتهن استلاب أصحابه اليوم وغداً؟
هل يجد المثقف المؤسسات التي تقوم بالأدوار المُهجَّنة تهديداً لوجوده؟ ما هو البديل الذي يُمكن أن يقدِّمه؟ كيف سيصمد أمام إمكانات وخزائن مفتوحة لتلك المؤسسات فيما هو بالكاد يحاول التقاط أنفاسه كي يحيا، ولو على الهامش؟
ماذا عن قضايا مثل التغيير؟ هل هو مُلزَم بذلك الدور؟ وأي تغيير يمكن أن يُسهم فيه؛ وسط احتواءات ممنهجة، ورصْد يملك آلياته، وخطط بعيدة المدى لبرمجة الوعي، وفي كثير من الأحيان إرجاعه إلى مستوى الصفر أو ما دونه؟
تلك الأسئلة لا تتحرَّى إجابات بقدر تحرِّيها عمَّا يحاول المثقف نفسه الهروب منه في كثير من الأحيان؛ أو بمعنى آخر، يحاول ألَّا يكون في حال مواجهة معه. ذلك الهروب هو الذي يوجد ثقافة تمسُّ أطراف العلل والمشكلات، وحتى في متاخمة المثقف لتلك المشكلات، لا يملك هامشاً كي يشير بإبهام صريح إلى أكثر من خلل قائم ومُكرَّس، هو في نهاية المطاف يعمل على التواصل مع استلاب امتهنه الماضي، ولم يعد غائباً في اللحظة الراهنة التي ستحدِّد ما إذا كانت شعوب هذا الجزء من العالم مؤهلة أصلاً للاقتراب من أسوار المستقبل؛ عدا الحديث عن تحديد شكل وملامح ذلك المستقبل والإسهام فيه.
هي الأسئلة نفسها التي تعاني ندرة إطلاقها بصوت عالٍ، بدل امتهان الإجابات الجاهزة التي يرى فيها كثيرون خلاصاً، دون أن ندري خلاصاً مما.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 5187 - الجمعة 18 نوفمبر 2016م الموافق 18 صفر 1438هـ
مقال أكثر من رائع وأسئلة تحتاج لشفافية في الإجابة !
بعني ضميرك أملأ ركابك فضّة وذهبا..
الزمن هو زمن شراء ضمائر المثقفين فلم يعد الّا القلّة منهم من ثبت على مبادئه وهم محاصرون فلقد لعب المال لعبته في شراء الضمائر وتغيير الناس من اصحاب الضمائر الى اصحاب الحسابات والثروات .