العدد 5187 - الجمعة 18 نوفمبر 2016م الموافق 18 صفر 1438هـ

القطان: علاج ظاهرة الغلو والتشدد وشرح وسطية الإسلام واجب مشترك على الجميع

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

أكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن علاج ظاهرة الغلو والتنطع والتشدد والتطرف في الدين، واجب مشترك على الجميع، ينبغي أن تسهم فيه الأسرة المسلمة، وعلماء الأمة، ومؤسسات التعليم، ووسائل الإعلام والثقافة، ويكون ذلك أولاً بعلاج مشكلة الجهل، وتربية الناشئة على محاربة الأهواء، والاستماع إلى العلماء الثقات».

وذكر القطان، في خطبته يوم أمس الجمعة (22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، أنه «ينبغي على الجهات المسئولة عن تربية الناشئة وتوجيهها، أن تجتهد في شرح وسطية الإسلام، وبيان ذلك للأبناء منذ مراحل التعليم الأولى مع إفهامهم بما يتنافى معها من فكر أو ثقافة أو سلوك أو عمل، فالإسلام دين الوسطية والاعتدال في الأمور كلها، والوسطية هي الاعتدال بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والتقصير، وينبغي تعريف الأجيال بأن الغلو هو مجاوزة الحد في القول والعمل والاعتقاد، وتجاوز لأحكام الدين يؤدي إلى الضلال».

وتحدث القطان عن العسر والتشدد، مبيناً أن «العسر والتشدد والغلو والتنطع، كثيراً ما يدعو إليه قلة الفقه في الدين، والجهل بمقاصد الشرع، وأصول الملة وضعف العلم، وقد يدعو إليه دوافع من هوى النفوس».

ورأى أن «من أسباب الغلو والتشدد والتنطع، الابتعاد عن العلماء الثقات وجفوتهم، وترك التلقي عنهم والاقتداء بهم، والتلقي عن دعاة السوء والفتنة، والالتفاف حولهم، ومن الأسباب التعالم والغرور، والتعالي على العلماء وعلى الناس، واحتقار الآخرين وآرائهم، ومنها حداثة السن وقلة التجارب، والغيرة غير المتزنة؛ (عواطف بلا علم ولا حكمة)».

وأوضح أن من أسبابه أيضاً «شيوع المنكرات والفساد والظلم في المجتمعات، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، أو التقصير فيها، كما هو الحال في كثير من البلاد الإسلامية، ومنها النقمة على الواقع وأهله، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية والفقر والبطالة في كثير من بلاد المسلمين، ومنها قلة الصبر وضعف الحكمة في الدعوة لدى كثير من الغيورين ولا سيما الشباب المتدين».

ولفت إلى أنه «إذا توافرت هذه الأسباب ونحوها أو أكثرها، مهَّد هذا لظهور الغلو والتشدد والتنطع والتطرف في أي زمان وأي مكان وأي مجتمع، وبخاصة إذا أضيف إلى هذه الأسباب تقصير الولاة، وغفلة العلماء وطلاب العلم والدعاة والمربيين والآباء، والمتصدِّرين عن معالجة هذه السمات وأسبابها في وقت مبكر».

ونوّه إلى أنه «لا ينبغي أن يفهم من القول بالتيسير والتحذير من التشديد والتنطع، الدعوة إلى التساهل في أمور الدين، عقيدةً وأحكاماً وأخلاقاً، أو التنصل من أحكام الإسلام، أو الضعف في نصرة الدين والحق. وليس من التيسير الإهمال في تربية البنين والبنات، وتركهم نهباً لزيغ العقائد وضلال الأفكار، ودعاة العنف والإرهاب والتطرف».

وأضاف «ليس من التيسير الإهمال في تربية الأبناء والبعد بهم عن الالتزام بأحكام الإسلام وتعاليمه، بحجة التحضر والبعد عن التعقيد وتغير الزمان، وليس من التيسير ما يسلكه بعض من ينتمون إلى الثقافة حين يدَّعون سماحة الدين أمام أعداء الإسلام، ويتنصلون من أحكام الدين وتعاليمه، ثم هم من أشد الناس على الصلحاء والأخيار، بل قد يوظفون دعوى التيسير أداةً لقمع الدعوة إلى الإسلام، وكبت الحق وتكبيله، بحجة متابَعَة ومسايَرَة ومجاراة العصر ومتغيرات الزمن».

وفي سياق خطبته، تحدث عن اليسر والوسطية في الإسلام، مشيراً إلى أن «أصول الدين وعقائده، جاءت ميسرةً في مطلوباتها، واضحةً في أدلتها؛ من الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وكماله، والإيمان بالملائكة، والكتب، والنبيين، والإيمان باليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره. والدلائل على ذلك ظاهرة من النظر في السماوات وفي الأرض وسائر المخلوقات، والسير في الأرض والاعتبار بآثار الأمم، ويأتي ذلك مسلك أصحاب رسول الله (ص)، ومن بعدهم من السلف التابعين لهم، لم يكونوا أهل تكلف ولا كثرة سؤال أو اختلاف».

وأفاد بأن «أحكام الشرع راعت أحوال المكلفين وظروفهم؛ من الصحة والمرض، والحضر والسفر، وأحوال الاضطرار، فأعظم العبادات وأجلها بعد توحيد الله هذه الصلاة المفروضة، فقد ربطت أوقاتها بطلوع الفجر وزوال الشمس وظلها وغروبها، وإذا شق استعمال الماء انتقل إلى التيمم، ويصلي المسلم قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه، ويجمع المسلم بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء عند الحاجة، والمسافر يقصر الرباعية إلى ركعتين».

وأضاف أن «المرأة لها أحكام تناسبها وتراعي أحوالها، والقلم مرفوع عن المجنون والصبي والنائم، ورفع عن الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. والأصل في الأشياء الحل والطهارة، والمشقة تجلب التيسير، والسيئة بمثلها أو يغفرها الله، والحسنة بعشر أمثالها ويضاعفها الله»، مبيناً أن «المقصود من العبادات والطاعات استقامة النفس، والمحافظة عليها من الانحراف والاعوجاج، وليس المقصود الاستقصاء ولا الإحصاء».

وذكر أن «الاستقامة تحصل بمقدار سهل ينبه النفس فتتلذذ بالعبادة، وإذا دخل العبد في المشقة والملل فقد لذة العبادة، وابتعد عن بواعث الخشوع، بل لقد شرع لنا ديننا من الطاعات ما تقبل عليه النفوس بطبعها، بل مما تنشرح به صدورها وتتباهى به، من العيدين والجمعة وأخذ الزينة والتجمل باللباس والطيب في النفوس والمساجد، والاغتسال، والتغني بالقرآن، وحسن الصوت بالأذان».

وأكد أن «حقاً على أهل الإسلام أن يسلكوا مسالك الرفق واللين والتيسير في الأمر كله، بلا مداهنة ولا مجاملة ولا مجافاةٍ للحق والطريق المستقيم. عليكم بالتيسير في التربية والتعليم والدعوة إلى الله والرفق بالطلاب والمدعوين».

وأردف قائلاً «من رقى المنابر، وتبوأ صدور المجالس للدروس والمواعظ، فحسنٌ منه أن يقول برفق، ويعظ بلين، وأن يعين الموعوظين على حسن الظن بربهم، فخير دينكم أيسره».

وشدد على أن «شريعة الله كلها يسر وسماحة، وميادين اليسر لا تقع تحت حصر، والتيسير في باب المعاملات والتعاملات من أوسع الأبواب وأهم المطلوبات، فيسروا -رحمكم الله- في الحقوق المالية؛ من المهر، والنفقة، والمطالبة بالدين، والحقوق، ولا تشددوا على المعسر».

ودعا إلى التيسير على العمال والأجراء والموظفين والخدم، فلا تكلفوهم ما لا يطيقون، وإذا كلفتموهم فأعينوهم، وعلى الولاة والأمراء والآباء والأمهات والأزواج وكل ذي مسئولية أن يرفق بمن تحت يده، ولا يأخذ إلا بحق، وليعف وليصفح، ادفعوا بالحسنى، وإذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع، ولا تنفر ولا تشدد ولا تتنطع».

وقال إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي: «إن شريعة الإسلام خاتمة الشرائع، أنزلها الله للناس كافة في مشارق أرض الله ومغاربها، للذكر والأنثى، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والعالم والجاهل، والصحيح والمريض، ومن أجل هذا جاءت بفضل الله ولطفه وحكمته، ميسوراً فهمها، سهلاً العمل بها، تسع الناس أجمعين، ويطيقها كل المكلفين... دين الإسلام رخصة بعد عزيمة، ولين من غير شدة، ويسرٌ من غير عسر، ورفعٌ للحرج عن الأمة... والتيسير مقصد من مقاصد هذا الدين، وصفة عامة للشريعة في أحكامها وعقائدها، وأخلاقها ومعاملاتها، وأصولها وفروعها؛ فربنا بمنه وكرمه لم يكلفنا بالمشاق، ولم يشدد علينا كما شدد على غيرنا من الأمم، بل أنزل دينه على قصد الرفق والتيسير».

العدد 5187 - الجمعة 18 نوفمبر 2016م الموافق 18 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً