العدد 5187 - الجمعة 18 نوفمبر 2016م الموافق 18 صفر 1438هـ

مكر الليالي

مهدي عبدالله - قاص ومترجم بحريني 

تحديث: 12 مايو 2017

في ليلة حالكة السواد، هادئة كمرج زهور، وبينما كان يغطُّ في سبات لذيذ ويغوص في عوالم مؤنسة ومدن خضراء تنسيه التعب الضاغط على جسده وعقله، تناهت إلى أذنيه هسهسة غريبة آتية من الأسفل بدت أشبه بحلم قطع عليه حبل سعادته. استفاق على أثرها وشرع يسترق السمع وقال لنفسه، إنها ربما تكون الريح التي تعصف بالأبواب والنوافذ وتجعلها تصفق وتصرصر. لكن الصوت أخذ يزداد ويغدو أكثر وضوحاً وتبين له أنه صوت آدمي فشك في وجود لص ونهض على الفور والتقط قضيباً معدنياً ادّخره لمثل هذه الحالات. وراح يمشي على أطراف أصابعه وهبط بحذر. أدرك أن الصوت قادم من الغرفة الخارجية التي تسكنها الخادمة فظن للوهلة الأولى إنها تستمع إلى تسجيل مرسل من أهلها فآمن قليلاً وتريّث، لكن الصوت ما لبث أن تحول إلى ضحكات وهمسات مريبة. طرق الباب فخمد الصوت وهجس حالة فزع. طرقه مرة أخرى ولما لم يستجب له أحد استشاط غضباً ورفسه بقوة فانفتح الباب ورأى أمامه رجلاً ضخماً يلملم ملابسه مسرعاً ويدفعه بعنف ويفرّ هارباً. جرى وراءه لكن اللص توارى في الظلام الدامس. أمسك الخادمة وأنهال عليها ضرباً وأيقظ زوجته واقتاداها إلى المخفر حيث تمّ التحقيق معها وأودعت سجن النساء لمدّة يومين ثم تمّ تسفيرها.

لعن اليوم الذي جلب فيه الخادمة وصمّم على عدم تكرار تلك التجربة لكنه أمام إلحاح زوجته وتذمرها المستمر من أعمال البيت المرهقة اضطر إلى استقدام خادمة جديدة. ومضت الأيام وسارت الأمور سيراً حسناً وفي إحدى الليالي المتلألئة بالنجوم كان الزوج في رحلة مع الأصدقاء في بر الصخير، وكان الجو بديعاً والفضاء رحباً فسهروا واستمتعوا بشيّ اللحوم على النار وتبادل الأحاديث والفكاهات. كانوا قد عقدوا العزم على المبيت حتى اليوم التالي لكنهم مع مرور الساعات أخذوا ينسحبون واحداً تلو الآخر لأعذار مختلفة. فلم يتبق سوى هو وصديقه فتمنى أن يواصل صاحبه السهرة التي قلما تتكرر وراحا يتجاذبان أطراف الكلام عن هموم الحياة وذكريات الدراسة ومشاكل العمل. بيد أن صاحبه خذله بعد نصف ساعة وقال إنه يود أيضاً أن يذهب إلى البيت فقد اشتاق لزوجته. استسلم للأمر الواقع وقال لنفسه: وأنا كذلك سأتوكل على الله وأعود إلى البيت.

كانت الساعة تقترب من الثالثة صباحاً عندما دخل منزله. ولج غرفة النوم فلم يجد زوجته فأعتقد إنها ربما كانت في غرفة الأطفال فتوجه إلى هناك فوجدهم مستغرقين في النوم لوحدهم. بحث عنها في باقي الغرف وفي الحمام وفي المطبخ لكن دون أثر. ثارت الشكوك في نفسه وأخذت الهواجس تتنازعه: ترى أين زوجته الآن ؟ هل ذهبت إلى المستشفى أم أن عارضاً دفعها إلى الخروج في هذا الوقت المتأخر من الليل؟

سارع بالاتصال بهاتفها النقال لكن الهاتف كان مغلقاً. فكّر في الاتصال ببيت والدها لكنه استبعد الفكرة وخشي إزعاجهم دون مبرر.

اتجه إلى غرفة الخادمة وراح يصغي لكنه لم يسمع سوى الصمت المطبق.

ازدادت وساوسه وراح ينتظر على وجل وفي الساعة الخامسة تقريباً انتبه إلى صوت سيارة خارج المنزل فانطلق يركض لاهثاً إلى الفناء الخارجي. سمع ضحكة رجالية تداعب امرأة وهي منتشية إلى أبعد حد.

جرى بكل ما أوتي من قوة ليلحق بالسيارة لكنها لاذت بالفرار.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:11 ص

      المشكلة صار أي شخص يكتب اللي في خاطره
      ما تدري ان هالكلام الغامض بزرع هاجس الخيانة، فيوسوس الزوج بعد أن لا يشعر بوجود زوجته في البيت

      الله يهدينا ويهدي الجميع، كلما نحاول نعدل في هالمجتمع دينياً تجي واحد ويزرع هواجس في الناس واحنا مو ناقصين، الله يستر علينا

    • زائر 1 | 11:11 م

      و ما اقساة من مكر و ظلم
      سلم قلمك الرشيق

اقرأ ايضاً