العدد 24 - الأحد 29 سبتمبر 2002م الموافق 22 رجب 1423هـ

شابات وشباب يقعون في حب الشيشة!

أصبحت الآن المغناطيس الجاذب لكل عاطل وكل مالك لوقت فراغ كبير لا يعرف فيم يقضيه، وغدت عند البعض الآخر شكلا من أشكال التحضر الذي يسعى للبسه وأكله ولربما حتى الاقتران به!

إنها الشيشة... التي غدت ظاهرة تنتشر في مجتمعنا كالخلايا السرطانية، في غير استجابة لدواء أو مصل، وما عاد هناك من حل سوى الاستئصال. بعدما كانت المقاهي مكانا لتجمع المثقفين وانطلاقة لثورات عديدة واتجاهات فكرية متميزة، أصبحت في وقتنا الحالي مكانا يضم أشكالا مختلفة من البشر وتتبنى أشكالا مختلفة من الثقافات والاتجاهات التي هي في غالبيتها أمور غريبة على المجتمع، تترجمها على أرض الواقع شريحة متفقة في العمر والأفكار والاتجاه تمتد لتضم الشباب والمراهقين ممن تتراوح أعمارهم بين 15و30 عاما، يشكلون في الواقع غالبية مرتادي المقاهي بمختلف مستوياتها شعبية كانت أم خمس نجوم!

تنتشر المقاهي في كل مدينة وقرية في البلاد، وتشكل قطبا يجتمع فيه عدد كبير من الشباب، وعن أسباب ذلك الاستقطاب قال (م.ع.ح/ 23سنة): «بصراحة شديدة لا نجد مكانا آخر نذهب إليه يمكن أن يوفر لنا ترفيها وفرصة لقضاء الوقت بشكل أكثر مرحا، فليس هناك من ملاهٍ حقيقية ولا نوادٍ على مستوى راق ومساير لمتطلبات العصر، إذ أن ميول الشباب تغيرت وما عادت كالسابق، وللأسف فإن الجهات المعنية بذلك لا تجاري هذه المتطلبات ولذلك نلجأ إلى المقاهي التي تؤمن لنا المتعة والترفيه» وأضاف قائلا: «والشيشة بالنسبة إلى الكثيرين متنفس عن روتين قاتل، وسبب للتجمع وتناول مختلف الأمور بالنقاش والطرح، وغالبا ما يصاحب الشيشة لعب 'الكيرم' و 'الورق'، مما يجعلنا نصاب بالدهشة حالما ننظر في ساعاتنا لنكتشف أننا قضينا وقتا أكثر بكثير من توقعاتنا». وعقّب صاحبه (ف.خ.ل/20 سنة) بقوله: «نلاحظ أن غالبية المرتادين من الشباب العزاب أو العاطلين عن العمل، فالمتزوجون أو أصحاب الأعمال والالتزامات لا يجلسون في المقهى لأكثر من ساعة أو ساعتين، أما الفئة الأخرى العاطلة أو 'الفاضية' فيمتد بها الجلوس لساعات وساعات حتى أنني أسأل بعضها: أليس لكم بيوت تأويكم؟ لدرجة أن هناك وجوها تراها باستمرار سواء جئت صباحا أو مساء في كل وقت وكل حين».

البداية ... «جرّب»

تبدأ الحكاية بكلمة «جرّب»، وتستمر إلى أن تصل إلى حال من التعلق والإدمان، كمن يجرب عمق مستنقع ويكتشف أنه بات يغوص فيه رغما عنه، وهذا ما أكده (خ.ع.س) بقوله: «غالبية الحالات إن لم تكن كلها بدأت بالتجريب الذي يحرض عليه الأقران والأصحاب، وأنا بدأت الشيشة بتجريبها مع صديقي المقرب، الذي زيّن لي الشيشة وشرحها وفسرها، الأمر الذي شجعني على رغم معارضتي لها ضمنيا، والمشكلة أنني لا أستطيع التخلص منها أو تركها لأنني وببساطة أجد فيها متنفسا لي ووقتا أستقطعه من روتيني الممل».

وأيد (ط.م .ف/19سنة) كلامه بأن الشيشة بدأت من خلال أخيه الأكبر الذي كان يأتي إلى البيت دائما ورائحة الشيشة تفوح من ملابسه: «كنت أجد تلك الرائحة مميزة وأفضل بكثير من رائحة السجائر، وقررت أن أذهب معه إلى المقهى وكان عمري وقتذاك 17عاما، وجربت الشيشة مع أخي الذي كان يضحك عليّ ويجدني كما الفرخ الصغير الذي يريد أن يطير من دون أجنحة، لكنني الآن أصبحت أرتاد المقاهي مع أصحابي وأحيانا كثيرة لأدخن الشيشة. وأشعر أنني مستقل عن أخي الذي كان هو وسيط معرفتي بالشيشة».

الشيشة وأشياء أخرى

ليست الشيشة هي الآفة الوحيدة التي تغزو المقاهي، بل أصبحت القنوات الفضائية «الكيبل» تشكل ظاهرة غريبة أيضا، بعرضها لمشاهد تخدش الحياء العام في مكان يعج بالشباب من مختلف الفئات العمرية وقال: (ع.ب0ي 25 سنة) «الكثير من المقاهي تعرض قنوات فضائية متنوعة وكثيرة البرامج سواء الأفلام أو الرياضة أو الأخبار أو الأغاني، ولكن المؤسف أن في بعضها إباحية وخدشا للحياء العام، بعرضها لمشاهد ولقطات خارجة عن الذوق العام، والمصيبة أن من يشاهدها ويحرص عليها أولئك الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و21 عاما. تراهم يجلسون وعيونهم معلقة بالجهاز وما يعرضه الجهاز. وأمر آخر لا يمكن السكوت عنه وهو عدم مراعاة أوقات الصلاة والأذان، وفي ذلك تشجيع على الفساد وقلة احترام للشعائر الدينية».

صاحب المقهى هو الفيصل

لأصحاب المقاهي نظرة خاصة في الموضوع، عبّر عنها محمد حسن إبراهيم رجب وهو صاحب مقهى شعبي بقوله: «ترتاد المقهى فئتان من الشباب أولها العاطلون عن العمل الذين يجدون وقت فراغ كبيرا نسبيا ولا يعرفون فيم يقضونه، والثانية أولئك المتزوجون الذين يلجأون إلى المقهى هربا من مشكلاتهم الزوجية ومسئولياتهم التي تثقل كواهلهم. ولو لم تكن المقاهي موجودة لتستقطب هؤلاء لاتجهوا إلى أمور أخطر بكثير من الشيشة».

لقد سنّت وزارة الداخلية قوانين خاصة بالمقاهي تنص على ألا يسمح بلعب القمار فيها ولا شرب المسكرات، ولا يدخل المقهى من هم أقل من 15 عاما من دون ولي أمره، ولا يسمح لمن هم أقل من 18 عاما بتدخين الشيشة، وعن تطبيق هذه القوانين قال رجب: «صحيح أن الجهات المعنية قامت بسن قوانين تنظم العملية، إلا أن المشكلة لا تكمن في القانون نفسه، بل في أولئك الذين يطبقون هذه القوانين. الأمر بيد صاحب المقهى، فالبحرينيون يحسون بالغيرة على بلادهم ويحرصون على مصلحة إخوانهم وأبنائهم، لذلك يطبقون القوانين وإن كانوا يواجهون بعض الصعوبة، في حين يمثل الربح همّ الأجنبي الأول من دون اكتراث للأمور الأخرى، وهذا بسبب قصور متابعة تطبيق هذه القوانين من قبل الجهات المعنية بالأمر، فلو أنها تابعت سير العملية وتأكدت من تطبيق النظام بالشكل الصحيح لاختفت هذه الظاهرة وظواهر أخرى كثيرة مرتبطة بالمقاهي. وأصدقكم القول إن الشباب أيضا لا يتعاونون معنا من أجل تطبيق القانون، فمثلا لا يستجيبون لمطالبي بأن أطلع على البطاقة السكانية لأتأكد من سنهم الحقيقية، بل وأحيانا يتلفظون علي بألفاظ غريبة وبذيئة دون احترام لسني ومكانتي. وهكذا يصبح الضمير أو الوازع الذاتي هو المتحكم في العملية والرقيب الأول والأخير.

وللنساء نصيب

لا يمكن لأي مقهى أن يسمح بدخول المرأة إليه إلا بعد الحصول على الترخيص اللازم لذلك، ولكن هذا القانون أيضا لا يتم تطبيقه في مقاهٍ كثيرة، بل وهناك مقاهٍ تحاول اجتذاب الفتيات بعروض ترويجية منها تخصيص يوم للفتيات تقدم فيه الشيشة لهن مجانا!

وعن تجربة التدخين قالت(ح.ج.أ/19 سنة): «أنا أدخن الشيشة منذ أكثر من عام من دون علم أحد من أهلي أو أقاربي، ما عدا صديقاتي المقربات جدا واللاتي يدخنّ أيضا، وأجد في الشيشة شكلا حضاريا جديدا يجب أن نتبعه ونسايره لأنه أصبح ضرورة لدى البعض لا يستطيع الآخرون إنكارها، ولكنني لا أستطيع أن أواجه أهلي بحقيقة تدخيني للشيشة لأنهم يعارضون الموضوع بشدة».

وأكدت (خ.هـ.م/20سنة) موضوع التدخين بالسر وعللت ذلك بقولها: «لا يتقبل المجتمع شكل الفتاة أو المرأة التي تدخن الشيشة، بل ينبذها ويعتبرها تمارس أمرا منكرا وعيبا بل وذنبا لا يغتفر، لذلك نمارس حرياتنا الشخصية من دون أن نتعدى على حريات الآخرين».

لغة الحوار هي الحل

وعن أسباب لجوء الشباب إلى الشيشة قال أستاذ مساعد الإرشاد والتوجيه للأفراد ذوي التخلف العقلي بجامعة الخليج العربي خالد العلوي: «تعتبر فئة المراهقين أكثر الفئات تأثرا بالصرعات الجديدة ولديها قابلية كبيرة للتأثر واعتناق أفكار واتجاهات جديدة. وطبيعة المراهق انه يبحث دائما عن الممنوع ويحاول كسر القواعد العامة إثباتا لذاته وتأكيدا لشخصيته. ويعيش المراهق عادة حال من الصراع الداخلي خصوصا عندما يرى الكبار يمارسون ما هو ممنوع عنه، وينطلق لممارسته أو اختراق الممنوع من باب التجريب والتقليد وحب المغامرة. ويجد المراهق في ممارسة الممنوع إحساسا بالاستقلالية عن سلطة الأسرة، كما أن بعض المراهقين يجد في تدخين السجائر أو الشيشة اكتمال الرجولة، من دون إدراك لأبعاد الموضوع الأخرى، لا يعيها ولا يفهمها إلا بعد وصوله إلى مرحلة من النضج تمنحه نظرة أعمق وصدقية مع النفس». وأرجع العلوي أسباب انتشار الظاهرة بين الفتيات إلى الفكر الاجتماعي الموجود، والذي يتسبب في ممارسة بعض العادات في الخفاء، تجنبا لنظرات الناس وكلامهم. وعلى رغم أن الشباب يمارسون العادة نفسها فإنهم لا يعانون من المشكلات نفسها التي قد تواجه الفتيات. وأضاف أن لتقليد القدوة التي يضعها الشاب لنفسه سواء كانت فنانين أو شخصيات كبيرة وبارزة في مجالات مختلفة دورا كبيرا في ممارسة بعض العادات. ويؤكد العلوي أن لغة الحوار بين الأهل وأبنائهم هي طريق التخلص من عادات كهذه، فعندما يجد الشاب مجالا مفتوحا من التحاور والتفاهم ويشب على أسس دينية وقيم اجتماعية سليمة وثابتة، عندها يمكن للأهل أن يثقوا بأبنائهم ويتركوهم لمواجهة الحياة من دون مخاوف.

باطل باتفاق

وعن رأي الشرع في مسألة الشيشة قال ناجي العربي من قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة البحرين: «لشدة ورع واهتمام الناس بمعرفة أمور دينهم اختلف العلماء على الشاي والقهوة في بداية دخولهما إلى المجتمع المسلم من باب تحديد كونهما من الطيبات أو الخبائث، باعتبارهما مادتين منبهتين أو مخدرتين ومفترتين. وإذا اختلف الناس على التدخين فيجب ألا يختلفوا على الشيشة لأنها باتفاق ليست من الطيبات، ومخالفة ذلك تأتي مكابرة من الشخص نفسه».

وقال الرسول «ص»: «لا ضرر ولا ضرار». ولا نقول إن المنع أتى من الأطباء بقدر ما جاء من العقلاء. ومجالس الشيشة مجالس للفساد تجر الناشئة الى هذا الأمر، ولهذا تجرأت الفتيات على ممارسة هذه العادة غير الحضارية، في أماكن مختلطة هي في الأصل محرمة عليهن. كما أن السهر مع الشيشة وتفويت صلاة الفجر أمر لا يمكن السكوت عنه، فالذي يسهر في طلب العلم وينام عن صلاة الفجر أصبح طلبه للعلم باطلا ولا يؤجر عليه، فما بالكم إذا كان السهر في الخبائث كالشيشة؟ والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: هل يجوز الاتجار في الشيشة؟ وهل المال الذي يكسبه التاجر مال حلال طيب أو مال خبيث وأكل لمال الناس بالحرام؟. ويرى العربي أن بيع ما ليس به نفع غير جائز شرعا لأن من شروط البيع الصحيح أن يكون فيما ينتفع به، ولا ينطبق هذا الشرط على الشيشة لما ثبت من أضرارها علميا على المدخن ومن حوله أيضا.

موت بطيء

للشيشة أضرار صحية كبيرة وجسيمة تماثل بل وتتجاوز أضرار التدخين، قال عنها طارق عبدالغفار من كلية الطب بجامعة الخليج العربي: «تحتوي الشيشة على مادة النيكوتين التي تترسب في الجسم والنواقل العصبية وتتسبب في بطء نقل الرسائل العصبية كما تترسب في جدران الأوعية الدموية، بالإضافة إلى مادة أول أكسيد الكربون التي تحل محل الأكسجين في هيموجلوبين الدم الأمر الذي يؤدي إلى نقص في إمداد أعضاء الجسم بالأكسجين وبالتالي يحس المدخن بالخدر في الأطراف والعقل بسبب نقص الأكسجين اللازم لإتمام العمليات الحيوية واستمرارها بالشكل السليم».

دعوة مفتوحة

إليكم شبابنا، اختاروا أمورا أفضل تقضون فيها أوقاتكم من دون أن تجنوا على صحتكم وتدمروا شبابكم بأيديكم، وإليكم انتم أيها الآباء والأمهات، اجعلوا بينكم وبين أبنائكم صداقة منزوعة الخوف، لعلّ شبابنا يجد حبا آخر أكثر فائدة من حب الشيشة القاتل

العدد 24 - الأحد 29 سبتمبر 2002م الموافق 22 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً