من حق كل مواطن بحريني المشاركة في وضع خطط التنمية، فهي من الحقوق المدنية الأساسية. الديمقراطيات العريقة درجت على حمل شعار: لا تنمية من دون مشاركة شعبية ولا ديمقراطية من دون تنمية. المشاركة الشعبية تأتي عن طريق إشراك المؤسسات الديمقراطية الممثلة للشعب، سواء التشريعية منها أو مؤسسات المجتمع المدني. ولا شك في أن التنمية الشاملة أو المستدامة هي السبيل الوحيد لتحسين دخل المواطن ورفع مستوى معيشته، وهذا يتطلب حمايته من البطالة وضمان حصوله على عمل منتج لاستمرارية العملية التنموية. وعليه لا يمكن استنزاف موارد البلد من أجل تحقيق مصالح شخصية لوجود آلية للمراقبة والمحاسبة. المشاركة الشعبية في وضع خطط التنمية أساس لمنع الاستفراد بقرارات تنفذ بموجبها مشاريع تنموية قد تكون فاشلة، ولها أثر سلبي تنتج من جرائها كوارث وخسائر مادية لا يمكن تعويضها، مثال على ذلك: الخسارة الفادحة التي تكبدها مجلس التنمية الاقتصادية إذ بلغت خسائره 4 ملايين دينار بسبب سوء التخطيط وعدم الكفاءة.
والأمر ينطبق على مؤسسة البحرين للترويج والتسويق السابقة التي فشلت في سعيها لترويج البحرين اقتصاديا لأسباب منها: الاستعانة بأجانب واحد تلو الآخر، فاسدين إداريا، وليس لهم صلة بالتسويق والترويج، افتقاد العاملين إلى الخبرة والمؤهل، وعدم قدرتهم على التحدث باللغات الدولية الحية، الاعتماد على وكلاء أجانب لا يملكون من خبرة غير إدارة شركات استيراد وتصدير وليس لهم علاقة بالترويج الاقتصادي والصناعي.
بطبيعة الحال، البلدان الفقيرة من البلدان النامية تعاني من مشكلة سوء التخطيط التنموي بسبب غياب المشاركة الشعبية في صنع القرار التنموي. والمظاهرات الصاخبة والمتزايدة ضد ظلم العولمة للفقراء، التي خرجت في دافوس وسياتل وباريس والبرازيل والدوحة وغوهانسبرج، هدفها الأساسي تحقيق أكبر قدر ممكن من الديمقراطية والعدالة في التنمية المستدامة لكل شعوب العالم من دون تمييز، وهذا الأمر يجب أن ينطبق على الأنظمة المركزية.
المشاركة الشعبية في صنع القرار ووضع الخطط التنموية، دعا إليها دستور البحرين في المادة 10، التي تؤكد أن الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية، وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه التنمية الاقتصادية وفقا لخطة مرسومة، ويحقق الرخاء للمواطنين، وذلك كله في حدود القانون. كذلك حال ميثاق البحرين للعمل الوطني الذي نص في الفصل الثالث الخاص بالأسس الاقتصادية للمجتمع، في الجزء الأول المتعلق بمبدأ الحرية الاقتصادية على أن يقوم النظام الاقتصادي في مملكة البحرين على المبادرة الفردية، وحرية رأس المال في الاستثمار والتنقل، مع دعم وتأكيد دور القطاع الخاص في تنمية الموارد، وتنشيط الحركة الاقتصادية.
وقد وفر هذا النظام في الحقب الماضية نشاطا اقتصاديا واستثماريا ملموسا، وأنتج تدفقا مشهودا لرؤوس الأموال للاستثمار في البلاد. كما يجب أن يصاحب الانفتاح الاقتصادي تغيير في تفكير الإدارة العامة لتبسيط الإجراءات والشفافية والقضاء على التداخل في المسئوليات وتحسين مستوى الخدمات، وتحديث التشريعات الاقتصادية، وأن تحكم كل ذلك معايير النزاهة وتكافؤ الفرص. ومن أجل تفعيل أدوات المراقبة المالية والإدارية، وزيادة شفافية العمل في إدارات الدولة، يصبح من اللازم إنشاء ديوان للرقابة المالية وآخر للرقابة الإدارية.
تماما كما فعل ميثاق 99 العالمي، الذي اعتمدته تحالفات المنظمات غير الحكومية في العالم، وأيدته معظم البلدان الديمقراطية في العالم، وكان من أهم أهدافه: ربط الديمقراطية بالتنمية لتطبيق المساواة والعدالة بين شعوب العالم، وللوصول إلى مستويات عالية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
هذه المبادئ نادى بها أيضا ميثاق الأمم المتحدة في الفصل التاسع المتعلق بالتعاون الاقتصادي والاجتماعي الدولي المادة 55 في الفقرة (أ) التي تطالب بتحقيق مستوى أعلى للمعيشة لتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد، والنهوض بعوامل التطور الاقتصادي والتقدم الاجتماعي. أما الفقرة (ج) فإنها تطالب بأن يشيع في العالم احترام لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، أو تفريق بين الرجال والنساء، مع مراعاة تامة لتلك الحقوق والحريات.
المؤسسات التنموية الدولية، كصندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية، نادي باريس، وحتى منتدى دافوس، ربطت الديمقراطية بالتنمية ووضعت معايير ثابتة كمرجعية لتقديم المساعدات التنموية للدول الملتزمة بتلك المعايير. لا شك في أن ثلاثة أرباع سكان الأرض فقراء يعانون من المرض والمديونية. إلا أن المنظمات المتعددة الأطراف لن تستجيب لاحتياجات الدول ما لم تطبق معاييرها الديمقراطية، وبمجرد الاستجابة ستسرع في وضع خطة عمل للتنمية المستدامة، وإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية، والاعتراف بالتنوع الثقافي بين البشر، واعتماد الحوار والتسامح بين الحضارات. والأمر نفسه ينطبق على الدول الغربية التي تطبق المعايير الديمقراطية لأغراض التنمية، وتطالب البلدان النامية بتوسيع المشاركة الشعبية وتطوير المؤسسات البرلمانية، والتعامل بشفافية مع القضايا التنموية الملحة، وتطبيق المساواة والعدل ومكافحة الفساد، بالإضافة إلى الاستثمار في التعليم والأبحاث والتدريب لتمكين القطاع الخاص من المنافسة في الأسواق العالمية.
البحرين بعد تطبيقها للمعايير التنموية الشاملة ستكون مؤهلة لدخول عصر العولمة بأقل الخسائر، وأن العولمة ستمنح البحرين أفضل الفرص للارتقاء باقتصادياتها، بعد أن تتحرر السوق من مشكلات البطالة، والإنتاجية، ووقف استيراد العمالة المنفلتة أو ما يعرف بظاهرة الـ «فري فيزا» غير المصنفة اقتصاديا، وبذلك ستستطيع البحرين توفير مناخ الاندماج في الأسواق العالمية للاقتصاد البحريني بعد كسب ثقة المستثمرين في العالم، والاستفادة من الحوافز العالمية المتاحة التي ستوفر فرص عمل لمساحة كبيرة من الشباب المتخرج حديثا.
اقتصاد البحرين بشهادة الجميع من أكثر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط استيعابا للتقنية المتقدمة. والدليل على ذلك أنها بعد أن كانت مركز إشعاع حضاري في الماضي أصبحت الآن المركز المالي الأول في المنطقة، ومركزا دوليا للمعارض والتحكيم التجاري الدولي وللمؤتمرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والفنية والعلمية والطبية والسياحية، ومركز جذب سياحي مفضل إقليميا ودوليا، بالإضافة إلى كونها محطة مهمة للاتصالات الدولية، إلا أنها دخلت في منافسة في المنطقة وخسرت هذا الامتياز، وبعد أن كانت مصدرة للكوادر المؤهلة والمدربة لدول الخليج وخصوصا في قطاع التعليم، نلاحظ أنها تستورد الآن أعدادا كبيرة من المدرسين الوافدين غير المتخصصين وغير المؤهلين طبعا لتخلف بلد المصدر في العملية التنموية من دون أي اعتبار لمشكلات البطالة في قطاع التعليم التي يعاني منها البحرينيون المؤهلون، كذلك الحال في مجال المال والنقد، والتجارة والصناعة، والزراعة، والمحاماة وقطاعات أخرى مثل: التأمين والسياحة.
مؤتمر كوبنهاغن لرؤساء الدول والحكومات للتنمية الاجتماعية للعام 1995 (كوبنهاغن) وضع برنامج التعديل الهيكلي للتنمية الاجتماعية. البرنامج طرح قضايا تنموية جديدة وفاعلة لتنفيذ التعهدات العشرة التي تشمل النقاط الآتية: خلق بيئة ثقافية وقانونية واجتماعية وسياسية واقتصادية، لتمكين الناس من تحقيق تنمية اجتماعية ملحوظة، القضاء على الفقر في العالم، الارتقاء بالعمل والعمال واعتباره من الأولويات الاقتصادية الأساسية لسياسات التنمية الاجتماعية، الارتقاء بالتكامل الاجتماعي بحماية كل الحقوق الأساسية للناس، والقضاء على الممارسات غير الإنسانية كالتمييز، وهذا يتطلب احترام التنويع والمساواة في الفرص، والتضامن، وضمان مشاركة كل الناس، الارتقاء بالاحترام التام للكرامة الإنسانية، بما في ذلك تحقيق المساواة والإنصاف بين النساء والرجال، وإدماج المرأة في التنمية، وتمكينها من تولي المراكز القيادية، تنفيذ الهدف العالمي للوصول إلى المستوى العالمي العالي للتربية النوعية، وتحقيق مستوى عالٍ من الصحة الجسمانية والعقلية، والعناية بالصحة الابتدائية، وتصحيح التفاوت في الشروط الاجتماعية، والتعجيل بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتنمية الموارد البشرية لإفريقيا والبلدان الأقل نموا، وضمان تنفيذ برامج التعديل الهيكلي ليتوافق مع أهداف التنمية الاجتماعية، خصوصا ما يتعلق بالقضاء على الفقر، والارتقاء بالعمل بشكل متكامل ومنتج لتحسين أوضاع التكامل الاجتماعي، وأهمية زيادة استعمال المصادر المخصصة للتنمية الاجتماعية بكفاءة، وتحسين وتقوية التعاون الإقليمي في مجال التنمية الاجتماعية، بخلق روح المشاركة الجماعية في إطار الأمم المتحدة والمؤسسات المتعددة الأطراف الأخرى.
أما منظمة التجارة العالمية فقد وضعت شروطا لانضمام الدول إلى المنظمة، تشمل الآتي: احترام حقوق الإنسان وإطلاق الحريات الأساسية للإنسان، وتطور وتقنين القوانين التجارية المحلية بما يتماشى مع القوانين التجارية للدول الأعضاء، وتوقيع اتفاق التبادل التجاري، وفتح الأسواق لمنتجات الدول الأعضاء في المنظمة من غير قيد أو شرط، من حيث تأسيس الشركات ومن حيث الحماية الجمركية للمنشأ وتسعير البضائع.
إذا، اتخاذ قرارات منفردة وبشكل اعتباطي، سينتج عنه المزيد من الخسائر للاقتصاد البحريني الذي يعاني من الركود، بسبب سلبية عمل المؤسسات التجارية والصناعية كغرفة تجارة وصناعة البحرين. من جهة أخرى، يجب أن يتعامل مع القضايا التنموية الملحة، بمزيد من الشفافية، أي بتقليل تدخل الدولة في القضايا الاقتصادية والتنموية الشاملة، لذلك يجب نشر كشف عن الخسائر والأرباح لكل مشروع تنموي حيوي، مثال على ذلك: نحن نسمع عن الخسائر الفادحة لمشروع «كلسنة الألمنيوم»، لكننا في الوقت نفسه لم نطلع على كشف بالخسائر التي لم يتم إعلانها. إذا غياب الشفافية في وضع الخطط التنموية، لا يخدم التنمية في شيء، ويجب معالجة الموضوع بأسلوب برغماتي يتطابق مع منظور عظمة الملك الواقعي للمستقبل التنموي والديمقراطي المتقدم.
إذا، المناقشة الواقعية تتطلب تحديد أولويات المسار التنموي، باتخاذ إجراءات فورية للإصلاح الإداري، والقضاء على الفساد، وحل مشكلة البطالة، وتطبيق أساليب المحاسبة والمكاشفة، لماذا؟ لأن البحرين دولة نامية محدودة الموارد، تسعى لتنمية قطاعاتها الاقتصادية والاجتماعية والمنافسة في الأسواق العالمية، وتشغيل الأعداد الهائلة من الشباب والخريجين بجلب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية، وإلا فلن تستفيد البحرين بتفوقها في مجال التنمية البشرية كما قرأنا في التقارير التنموية الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة في البحرين، مادام أبناء البحرين لا يحصلون على عمل.
من هنا فإن الاستثمارات لن تأتي من دون إحساس أصحاب رؤوس الأموال بالاستقرار السياسي، والمشاركة الشعبية في عملية التنمية لضمان نجاحها
العدد 23 - السبت 28 سبتمبر 2002م الموافق 21 رجب 1423هـ