المجتمعات المغلقة تماما كما هو الحال مع غرفة مغلقة ومظلمة أوصدت ابوابها ونوافذها لتمنع النور من الدخول اليها. واذا كان صاحب الغرفة المظلمة يعتبر غلق الابواب هدفا ساميا فإن اي محاولة لادخال الضرر في الغرفة يعتبر امرا غير مقبول وتلزم مقاومته. المجتمعات المغلقة هي ايضا اعدت برامجها على عدم وجود نور مسلط عليها، وأي نور يسلط على زاوية من زواياها يعتبره البعض «تعديا».
الصحافة لها دور اساسي لا غنى عنه، وهو تسليط الاضواء على قضايا الشأن العام وهذا يعني انها تسأل وتحقق وتبحث وتنشر ما توصلت اليه بقناعة موضوعية هادئة لخدمة الصالح العام. ولا يوجد في عالم اليوم مجتمع متطور الا اذا كانت هناك ايضا صحافة حرة غير خائفة.
والصحافة الحرة لا تعني نشر اي شيء من دون ضوابط، فهذا غير موجود في اي مكان. ولكنها تعني قدرة الصحافي على تغطية اي حدث يؤثر على مصالح الناس، وقدرة الصحافي تتطلب التزامه بقانون عادل وتتطلب وجود نقابة حرة تدافع عنه.
اما بالنسبة إلى قانون الصحافة، فإن مملكة البحرين بانتظار تفعيل مسودة القانون التي صدرت عن لجنة تفعيل الميثاق، على أمل ألا يتم تشويه تلك المسودة عبر اضافات او استنقاص بعض المواد. والصحافيون ايضا بانتظار نقابتهم التي تدافع عنهم، لكي يشعر كل صحافي بانه يمسك بقلم له سلطة معنوية، ولا يخاف من التهديد ولا ينحرف امام الترغيب.
فالصحافي معرّض ليس فقط للضغط وانما ايضا لكثير من اساليب الترغيب لحثه على تغطية حدث معين وغضّ الطرف عن حدث آخر. ولذلك فإن الصحافة المحترمة هي التي تطلب من صحافييها رفض اي هدية او عرض خاص من شأنه ان يؤثر على أقلامهم ولو بكلمة واحدة. فالصحافة مهنة متاعب، وهي ايضا امانة وشرف، والاخلال بالأمانة قد يوفر مصلحة خاصة للصحافي ولكنه يساهم في اضرار المجتمع.
الصحافة تستهدف استيضاح الامور، وبالتالي فان طبيعة الصحافي هي التشكيك وطرح الاسئلة. والتشكيك ليس معناه ايضا ان الصحافي لا ينظر إلا للجوانب السلبية، وانما يعني انه يغطي حدثا ما لانه يشك او يعتقد ان شيئا ما ليس على ما يرام، اما المدح والثناء فتوكله الصحافة المحترمة للدعاية المدفوعة الثمن. وبين الدعاية المدفوعة الثمن والمقالات التحقيقية هناك المقالات الايجابية التي تتحدث عن انجازات فعلية نتجت عن ابداعات وطنية أو جهود فردية نوعية.
اما مناسبة الحديث عن الموضوع فهي طبيعة ردود الفعل من بعض المسئولين في الحكومة والجمعيات الأهلية على ما تنشره «الوسط». والأغرب من ذلك ان احد مسئولي الامن عن جامعة البحرين طلب لقاء احد محرري «الوسط» الذين مازالوا يكملون دراستهم في الجامعة شريطة «ألا يخبر أحدا باللقاء». وبما اننا في صحيفة «الوسط» اسرة واحدة تتقاسم الخبر والتحليل وتتعاون في كل شيء، فقد نقل المحرر هذا الطلب الى هيئة التحرير. ورأي هيئة التحرير هو رفض مثل هذه الطلبات وخصوصا ان التحدث مع المحرر تم بصورة مبطنة تحمل كلاما غير مفهوم في جانب معين منه. فلربما اعتقد مسئول الامن في الجامعة أن المحرر الذي اتصل به هو الذي يغطي كل شيء عن جامعة البحرين. والحقيقة هي انه يغطي اقل من ربع ما يُكتب عن الجامعة ثم ان اي طلب للقاء يجب ان يكون شفافا.
الجميع يجب ن يستشعر مسئوليته تجاه «السفينة» البحرينية التي نعيش فيها جميعنا، فجميعنا مسئولون عن سلامتها خصوصا وان ربان هذه السفينة (بوسلمان) أعلن على الملأ أنه يريد بحرينا يفتخر بها كل بحريني. و ما حصلت عليه البحرين خلال فترة وجيزة من حركة الاصلاح السياسي من سمعة لم تأتِ من دون شهادات واضحة بأن البحرين اليوم هي بحرين الشفافية وحرية التعبير الملتزم بالقانون، ورسالة «الوسط» هي دعم هذه «الشفافية» ورفع سمعة البحرين عاليا في الآفاق بإذن الله
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 23 - السبت 28 سبتمبر 2002م الموافق 21 رجب 1423هـ