قال الأكاديمي والناشط الحقوقي الكويتي غانم النجار: إن «على الدول الا تستخدم وتتبنى ورقة الطائفية كورقة لتحقيق مكاسب مرحلية او سياسية لها، مؤكدا أن تحقيق العدالة يقضي بشكل مباشر على الحالة الطائفية متى ما مورست على الجميع دون استثناء».
واعتبر النجار في مقابلة مع «الوسط» أن «التراجعات الحاصلة في ملف حقوق الانسان حالة كونية، وليست خاصة بدولة دون أخرى أو بدولنا العربية فقط».
ودعا للفصل بين تحقيق الامن وبين استغلاله للانتقاص من حقوق الانسان والحريات العامة، مشيرا الى أن التراجعات التي تحدث في الدول التي تعتبر متقدمة في مجال حقوق الإنسان تحت غطاء مكافحة الإرهاب، تساعد الدول العربية على المضي في مزيد من التراجعات في الوضع الحقوقي.
وفيما يلي نص الحوار معه:
كيف تنظر إلى الوضع الحقوقي في الدول العربية عامة ودول مجلس التعاون خاصة؟
- أنا أنطلق من فكرة أن هناك أزمة حقوقية على المستوى العالمي، ما يحدث عندنا من تراجع هو جزء بالأساس مما يجري في العالم، إن شئت تتحدث عن المنطقة العربية أو المنطقة الإفريقية أو آسيا أو عندنا في المنظومة الخليجية، أوضاع حقوق الإنسان ليست بالمستوى المأمول، والطموح الذي نريده.
هناك بعض الأمور الشكلية التي تطفو على السطح، ولكن هناك دائما إشكالية في التعامل مع الوضع الحقوقي، كيف تتعامل مع هذا الملف، من تقدم أولا، الامن او احترام حقوق الانسان، هذا السؤال غير صحيح لأنه لا علاقة بين الاثنين، لأن حريات الناس وحقوقهم ولا تدخل في مقارنة مع الامن، ولكن عندما تخلطهم مع بعضهم بعضا تحدث المشكلة، وربما هذه المشكلة اصبحت اكثر ووضحا عندما دخل مفهوم مكافحة الارهاب من تقريبا 11 سبتمبر/ أيلول 2001، هناك حاليا 86 دولة اصدرت تشريعات استثنائية بحجة او تحت عنوان مكافحة الارهاب، وفي كل هذه التشريعات هناك انتقاص الى الحريات الاساسية وحقوق الانسان.
دولنا اساسا ليست مكتملة وليست مستعدة للتعاطي مع مفاهيم حقوق الانسان، بالتالي عندما يحدث تراجع في دول يفترض انها متقدمة، فعلى سبيل المثال الولايات المتحدة التي صدر فيها قانون باتريوت، الذي ما كان ليصدر هناك لولا موضوع مكافحة الارهاب، وبالتالي فإنه على المستوى الفعلي لم تتقدم اوضاع حقوق الانسان، بل اصبحت لديك تشريعات اضافية، لدرجة انه اصبح عندك موضوع الجنسية وسحبها والحرمان منها حتى في الديمقراطيات المتقدمة، والحق في التفتيش وإلقاء القبض، وحتى العمليات التي يتحدثون عنها كممارسة الاغراق في التعذيب، واعتبروها ادوات داعمة للتحقيق.
هذه الامور تحدث في تلك البلدان، وبالنسبة الى منطقتنا، فهذه التراجعات تساعدها على المضي في مزيد من التراجعات، ويتم اعطاؤك مبررات لهذه الممارسات، ويقال لنا انظروا ماذا يحدث في الغرب.
هذا الامر يؤدي الى اشكالية أكبر ان تراجع حقوق الانسان مستمر، على الرغم من وجود منظومة حقوقية دولية، ومؤسسات وطنية في العديد من البلدان في العالم.
لنتوقف عند هذه النقطة، هل تعتقد أن وجود منظمة حقوقية دولية متقدمة، بالإضافة الى وجود مراجعة دورية شاملة لملفات الدول في مجال حقوق الانسان، لم يحسن وضع حقوق الانسان في العالم واوطاننا العربية؟
- المشكلة ليست في وجود مؤسسات ومنظمة حقوقية دولية، او حتى مراجعة دورية لملف حقوق الانسان، بل في مدى التزام الدول بصيانة حقوق الانسان، ولكن مما شك فيه فإن المراجعة الدورية لملفات حقوق الانسان ساعدت الدول على استكمال بناء مؤسسات حقوقية فيها، ولكن العبرة تبقى في الممارسات التي تتم على الارض، وليس في استكمال هذا الجانب فقط.
إذا، لنعد مرة اخرى الى حديثك عن علاقة ملف حقوق الانسان بغيره من القضايا، اذا كنت لا ترى انه يجب ربط هذا الملف بالأمن، ولكن من المؤكد أن علاقته بالديمقراطية علاقة لا يمكن فصلها. هل توافق على ذلك؟
- مما لاشك فيه، أن الديمقراطية ممارسة أحد اوجهها صيانة حقوق الانسان، وليس مجرد انتخابات تجري في هذا البلد او ذاك، نحن لا يمكن ان نتحدث عن وجود ديمقراطية في اي بلد، اذا لم يكن هناك صيانة للحريات والحقوق العامة للبلدان، لذلك قلت انه ليس صوابا ربط الحريات العامة وحقوق الانسان بملف الامن، نعم، الامن هو احدى حاجات الانسان الضرورية التي لا يمكن ان نستغني عليها، ولكن ذلك لا يعني ان يتم التضييق على الحريات العامة بفلسفة حماية الناس من الارهاب، من المهم ان تتعامل مع الانسان كإنسان بغض النظر عن بقية الامور الاخرى.
دوليا حدثت انفراجة في ملف حقوق الانسان منذ العام 1993، حيث انعقد اول مؤتمر دولي لحقوق الانسان في العاصمة النمسوية فينا، ونحن لم نكن ندري الى اين سيمضي هذا الملف وقتها، وحدث نقاش عميق حول دور المفوضية السامية لحقوق الانسان، بعض الدول ارادت ان يكون المكتب تابعا للأمين العام للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية كانت تدفع بأن يكون تابعا للجمعية العمومية، وفي النهاية تفوقت الدول الكبرى في تحويل تبعيته للأمين العام، وكنا نظن بعد ذلك ان ملف حقوق الانسان انتهى، ولكن يبدو أن الشخصيات التي وضعت اعطت الموضوع دفعة كبيرة، الآن نتكلم عن مؤسسة كبيرة موجودة في الامم المتحدة، واصبحنا نتحدث عن مجلس خاص لحقوق الانسان، اصبح اليوم هذا المجلس الذي تأسس العام 2006 تابعا للجمعية العمومية، واصبح مجلس حقوق الانسان يحوي آليات مهمة للمساءلة في هذا الملف، وباتت كل دولة من الواجب عليها أن تقوم بالمراجعة الشاملة لحقوق الإنسان وتساءل وتقدم لها التوصيات، فتقبل او ترفض، هذه الآليات التي اصبحت تمارس في مجلس حقوق الانسان، وتقدم توصياتها، وتقول الدول انها قد تقبل 10 او 50 في المئة منها، ثم تتم متابعتها على هذا الاساس، ومن ثم ظهرت المحكمة الجنائية التي تقوم بمحاسبة جرائم التعذيب وانتهاكات حقوق الانسان.
على الرغم من كل ذلك، فالأمور تتراجع ولا تتقدم، على المستوى الانساني العالم يعيش حالة غير مسبوقة من التراجعات.
طيب، هل تعتقد أن حالة الاغراق في الطائفية التي تعيشها المنطقة العربية، وما ادت اليه من تراجع واضح في ملف حقوق الانسان على كافة الاصعدة، يمكن ان تجد انفراجة ومخرجا لها؟
- دعني اتحدث معك بلغة الارقام اولا، اليوم هناك 65 مليون لاجئ في العالم، اي ان العدد اكثر من العدد الذي سببته الحرب العالمية الثانية، وجزء كبير منهم في عالمنا العربي، ودخلت قضية الارهاب، وعندما يتم ذكر هذا المصطلح فإنه مباشرة يقابله انتهاكات لحقوق الانسان.
لدينا 13.4 مليون طفل خارج المدارس في دولنا العربية، فكيف يمكن ان ينتهي الارهاب في ظل هذا الوضع، انا اعتقد ان ازمة حقوق الانسان هي ازمة كونية، وليست ازمة بحرينية او كويتية، وبالتالي تحتاج دوما للاهتمام بها.
اما موضوع الطائفية، فالحل لها هو تحقيق العدالة على الجميع، وهذا الامر يمكن تحقيقه اذا لم تصل الامور الى ان تتبنى الدول موضوع الطائفية، كورقة للعب بها، وتحقيق مكاسب سياسية او مرحلية هنا او هناك، لأنه متى ما استخدمت ورقة الطائفية كورقة تحقيق مكاسب للحكومات، فإن من الصعب تحقيق العدالة، التي متى ما مورست على الجميع، فإن الطائفية ستنتهي مع الوقت، ولكن هنا تكمن المشكلة، ومن هنا يجب النظر لها وعلاجها، لأنه ليس على الحكومات ان تستخدم الطائفية ورقة لخنق الحريات والتضييق على حقوق الانسان، بل يجب دائما النظر الى الناس بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والطائفية والفكرية.
العدد 5181 - السبت 12 نوفمبر 2016م الموافق 12 صفر 1438هـ