شارف المنتدى النيابي الذي عقد في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2015 أن ينهي عامه الأول، والذي تمخض عن حزمة من التوصيات عددها نحو 10 توصيات، ومازالت غالبية هذه التوصيات تنتظر النور أو تخطو نحوه بخطوات بطيئة محدودة، أهمها مشروع بقانون بتعديل بعض أحكام قانون البلديات رقم (35) لسنة 2001.
المنتدى كان هو الأول من نوعه من حيث المضمون منذ العام 2002، ورغم مقاطعته من قبل بعض الأعضاء البلديين من مجلسي بلديّي الشمالية والجنوبية لأسباب ثانوية، إلا أنه قد شهد جلسة حوارية ونقاشات جماعية بين النواب والبلديين ممن حضروا، ومن ابرز التوصيات التي اقرها المشاركون التي تتمثل في تطوير التشريعات البلدية بما يعزّز صلاحيات المجالس البلدية ومجلس أمانة العاصمة، ويمكّنها من أداء الدور المناط بها في خدمة الوطن والمواطنين وفق القانون وبما يتوافق مع نص البند (أ) من المادة (50) من دستور مملكة البحرين، وضرورة الاستقلال المالي والإداري للمجالس البلدية ومجلس أمانة العاصمة.
كما أوصى المنتدى بإنشاء محكمة ونيابة بلدية مختصة لسرعة البتّ في القضايا البلدية، ودائرة مختصة في الأمور البيئية، أسوة بما هو معمول به في بعض الدول العربية، مع تفعيل مبادئ التعاون بين النائب وعضو المجلس البلدي وعضو مجلس أمانة العاصمة، والعمل على تكوين رؤية واضحة لعمل كلا المجلسين، ومدّ جسور التعاون والتنسيق في المجالات المشتركة مع جميع الجهات ذات العلاقة؛ من أجل تحقيق المصلحة العامة للمواطنين والوطن، وعقد لقاءات دورية بين أعضاء المجالس البلدية ومجلس أمانة العاصمة (كل مجلس على حدة) وأعضاء المجلس النيابي، بالإضافة إلى عقد اجتماعات تنسيقية مشتركة بين مجلس النواب، والمجالس البلدية ومجلس أمانة العاصمة لمناقشة المسائل المشتركة بينهم.
العسومي: كل المطالبات أدرجت في القانون الجديد
النائب عادل العسومي، الذي كان يترأس المنتدى ولجنة المرافق العامة والبيئة في مجلس النواب في الدور السابق، قال لـ «الوسط» إن «جميع التوصيات والرؤى التي طرحتها المجالس البلدي وأمانة العاصمة خلال المنتدى تم تضمينها في تعديلات قانون البلديات الجديد، فقد اجتمعنا بعد المنتدى ضمن فريق عمل بمعية المجالس البلدية وأمانة العاصمة، وكل ما تم طلبه واستعراضه أدرجت في تعديلات القانون».
وأضاف العسومي «لم نمتنع عن أي شيء من المقترحات التي تقدموا بها البلديون، وكلها تمت بتوافق بنسبة 100 في المئة»، مستدركاً «نحن كمجلس نيابي ولجنة في ذلك الوقت لم نعترض على أي من المطالبات باعتبارنا نساندها أصلاً، ويهمنا أن تمر التجربة البلدية في البحرين بنوع من المراجعة خلال هذه المرحلة بعد أن كانت تجربة جديدة قبل عقد من الزمن، وبات فيها الآن من الخبرة والتراكمات التي نجد من الطبيعي أن تخضع للمراجعة وعلى رأسها القانون المنظم لها، ولذلك حرصنا على زيادة صلاحيات المجالس البلدية بأن نكسبهم نوعا من التمييز؛ من أجل ألا يكونوا الحلقة الأضعف في هذا المشروع».
وبين النائب العسومي: «ركزنا على أن تكون لهم الشخصية الاعتبارية واليد والكلمة الطولى والأخيرة في مجال اختصاصاتهم وقراراتهم، وألا يكونوا مجرد وسطاء كما أبدوا خلال المنتدى».
المرباطي: عيوب قانونية حولت المجالس البلدية إلى وسيط
دعا رئيس اللجنة المالية والقانونية بمجلس المحرق البلدي غازي المرباطي كلاً من مجلس النواب ومجلس الشورى لاعتماد التعديلات التي أجريت على قانون البلديات والتي صدرت عن المنتدى النيابي البلدي الذي عقد في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2015؛ تعزيزاً لثقة الشارع بالمجالس البلدية ودعماً لمكانتها التاريخية والديمقراطية في المملكة.
وشدد المرباطي على ضرورة «إخراج التعديلات إلى النور والتي جاءت نتيجة مراجعة ايجابية وشاملة لقانون البلديات نحو مزيد من الصلاحيات المعززة لدور المؤسسات المنتخبة لتكون فاعلة وقادرة على تلبية تطلعات وطموحات الناخبين، وذلك بإصلاحات تشريعية يتبناها المجلسان».
واعتبر المرباطي أن الانتقادات للتجربة البلدية يتعين أن تصب في البحث عن الحلول لمعضلاتها، وقال: «نجزم بأن المجالس البلدية لا تتحمل وحدها المسئولية عن مشاكلها وقصور أدائها وإنما تتحملها الجهات التنفيذية التي أوصلت البلديات إلى ما هي عليه من عدم التوازن في أدائها، حيث تسببت الجهات التنفيذية في تحويل المجالس البلدية من جهة منتخبة إلى وسيط بين المواطن ووزارات الشئون البلدية والجهات الرسمية الأخرى، الأمر الذي أفقدها روح المبادرة وأضعف صفتها التمثيلية».
ورأى رئيس اللجنة المالية والقانونية أن البلدية ينبغي أن تتحمل مسئوليات أساسية في مجالات المنفعة العامة التي تعزز دورها التنموي، مفيداً «لتحقيق ذلك، يقتضي توافر اللامركزية الإدارية، وبالمقابل فإن الانتخابات الديمقراطية البلدية تبرر للمواطن أن يكون رقيبا مؤهلا على عمل المجالس البلدية؛ لأن طبيعة العلاقة بين المواطنين وهذه المجالس قد تكون الضمانة لعمل بلدي سليم يمكن أن يرقى لمستوى الحكم المحلي إذا توافرت الإرادة والقناعة بأن تطوير العمل البلدي سيخفف الأعباء عن الدولة المركزية، وحين تكون التجربة البلدية في البحرين قدوة يحتذى بها في بدايات القرن العشرين، يفترض أن تكون بدرجة أرقى مع مطلع القرن الحادي والعشرين».
وتمسكاً بموقفه السابق والمتكرر، أكد المرباطي أن «الغالبية لا تدرك الدور المناط بعمل المجالس البلدية وتنحصر معرفتهم في أن العضو البلدي وسيط لنقل بعض الشكاوى الخدمية المحدودة، وهذا مرده للصورة التي عكستها الجهات التنفيذية بالإضافة إلى المرسوم بقانون رقم (35) لسنة 2001 بشأن إصدار قانون البلديات الذي حصر في نطاقه صورة المجلس البلدي، وهي مع الأسف الحقيقة التي تشكلت من خلالها قناعات الناس بأن المجالس البلدية هي أجهزة بروتوكولية مجردة من الصلاحيات، ولعل ذلك سبب لهذه السلبية التي تقتضي البحث عن أسبابها وحلولها وفي جميع الأحوال علينا البحث عن الإجابة لهذا السؤال الهام».
وفي هذا الصدد، أوضح رئيس اللجنة المالية والقانونية أن «المرسوم بقانون رقم (35) 2001 بإصدار قانون البلديات تعتريه عيوب ساهمت في تحويل المجالس البلدية إلى وسيط خدمي للمشهد البلدي الذي أنهى عقده الأول».
وطرح المرباطي عدة تساؤلات بشأن الاعتبار التي وضعتها الحكومة في اعتبارها عند تقييم التجربة البلدية، أو المجالس البلدية عموماً، وذكر أنه من منطلق الحقوق الدستورية نتساءل عن عدم تبنيه قضايا التعدي على أملاك الدولة في وقت يفترض أن يكون له رأي وموقف حاسم تجاه هذه القضايا، وعدم توسيع صلاحيات المجالس البلدية باتجاه اللامركزية، وعدم تحويلها لسلطات محلية، بالإضافة إلى التداخل بين مهام وصلاحيات المجلس البلدي مع أداء الأجهزة التنفيذية والحكومية وخاصة وزارة البلديات، وعدم تشييد مرافق الخدمة البلدية التي تستجيب لاحتياجات السكان، وعجز المجالس البلدية في تحقيق أولوياتها في القضاء على الرشوة والفساد الإداري وتنظيم المخطط الهيكلي، ولم تؤسس لتقاليد بلدية تقوم على الاستبيان لآراء ومواقف الناخبين التي من خلالها تتم معرفة موقف الشارع من أداء المجلس البلدي والعضو البلدي، فضلاً عن عدم إمكانية المجالس البلدية في إقناع الحكومة والنيابي بتعديل أحكام المرسومين بقانون رقم (35) بشأن البلديات الصادر في 13 ديسمبر 2001، والمرسوم بقانون رقم (3) لسنة 2002 الصادر في 13 فبراير 2002 بشأن نظام انتخاب المجالس البلدية، والتعديلات التي أجريت عليهما، وما صدر بشأنهما من قرارات تنفيذية، وذلك على نحو يجعل من المجالس البلدية سلطة فعلية تتمتع باستقلال إداري ومالي فعلي (...).
وعلى سبيل المثال، استعرض رئيس اللجنة المالية والقانونية المادة (19) من قانون البلديات، وقال إنها: «تخالف أحكام الدستور في اختصاصات المجالس البلدية المنصوص عليها كحق دستوري أصيل للمجالس البلدية في إدارة المرافق العامة وفي الرقابة عليها، وبدلا من ذلك نص -قانون البلديات- في البند (ش) من المادة (19) على حق المجالس البلدية فقط في إبداء الرأي دون أن يكون لهذه المجالس اختصاص الإدارة والرقابة على هذه المرافق في مخالفة دستورية واضحة (...)».
كما تحدث المرباطي عما أسماه معضلة تبعية الجهاز التنفيذي، وعلق «لم يجد لها حلاً منذ عام 2003، حين وجه سؤالا لوزير شئون البلديات والزراعة السابق محمد علي الستري من قبل أحد النواب حول تبعية الجهاز التنفيذي، وقد أجاب الوزير على سؤال النائب بأن الجهاز التنفيذي يتبع وزارة البلديات، وقد رد النائب على الوزير في ذات الجلسة أن مسئولية حسن سير وانتظام إدارة المرافق العامة ذات الطابع المحلي حسب المادة 3 من اللائحة التنفيذية لقانون البلديات قد أنيطت بالمجلس البلدي وليس بالوزير. وأضاف أن المادة 48/أ من الدستور تنص على أن: يتولى كل وزير الإشراف على شئون وزارته ويقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها، كما يرسم اتجاهات الوزارة، ويشرف على تنفيذها. لذا، فإنه ليس للوزير الحق في التدخل في شئون البلديات؛ لأنها لا تدخل أصلا في اختصاصه التي أناط له الدستور القيام بها».
وأشار المرباطي إلى أن «رقابة السلطة التنفيذية على العمل البلدي إطار المركزية يعد نوعا من التدخل والهيمنة على الأداء البلدي، يتطلب ضرورة فك هذا التداخل المجالس البلدية وبين الأجهزة الحكومية وخاصة وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني. كما تجيز المادة 18 من قانون البلديات للسلطة التنفيذية حل المجلس البلدي بمرسوم قبل انتهاء مدة ولايته إذا ارتكب مخالفات جسيمة، ويعين هذا المرسوم لجنة تتولى اختصاصات المجلس حتى يتم انتخاب المجلس البلدي الجديد خلال أربعة اشهر من تاريخ صدور المرسوم، وبموجب هذا النص فإن الجهة التي تملك حق التعيين هي التي تملك حق الإقالة، وإن حق التعيين والإقالة وحق حل المجالس البلدية التي يقررها القانون للسلطة التنفيذية هي من أخطر ما نص عليه المرسوم بقانون البلديات على عمل وأداء المجالس البلدية، ذلك أن المجلس البلدي لم يعين من قبل هذه السلطة، بل تم انتخابه مما يتعارض مع الخيار الديمقراطي».
وختم رئيس اللجنة المالية والقانونية متطرقاً إلى أهم ما ينتقده الأعضاء البلديون فيما يتعلق بصلاحياتهم، وقال: «إن المجلس البلدي سواء قرر أو اقترح أو أوصى، تكون قراراته هذه غير نافدة إلا إذا صارت نهائية بحسب نص الفقرة (2) من المادة (3) من اللائحة الداخلية، وإذا وافق عليها وزير شئون البلديات والتخطيط العمراني، وذلك بحسب نص المادة 20 التي تلزم المجلس بأن يرفع قراراته وتوصياته إلى وزير شئون البلديات للموافقة عليها، فإذا وجدها الوزير تخرج عن اختصاص المجلس البلدي، رفضها».
العدد 5181 - السبت 12 نوفمبر 2016م الموافق 12 صفر 1438هـ