قال الروائي الأميركي إيريك فان لاستبادر إن أعظم اللحظات في حياة أي روائي هي تلك اللحظات التي يعرف فيها أن كتابته، غيّرت حياة بعض الأشخاص، مشيراً إلى أن ذلك هو أحد أهم أسباب حبِّه للكتابة.
وقال مخترع شخصية «جيسون بورن» (Jason Bourne) التي اشتهرت عبر الفيلم الهوليوودي الذي يحمل الاسم نفسه ويقوم ببطولته مات دايمون، إن الفيلم القائم على كتابه لا يحمل شبَهاً على الإطلاق بما كتبه سوى في الخمس دقائق الأولى من الفيلم. جاء ذلك خلال ندوة استضافت الكاتب الأميركي الشهير، أقيمت تحت عنوان «تحويل الكتب إلى أفلام في هوليوود» وذلك على هامش فعاليات الدورة الـ 35 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب في الفترة ما بين 2 و 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2016).
ويعد لاستبادر، أحد أبرز مؤلفي الروايات في أميركا، وهو على قائمة الكتّاب الأكثر مبيعاً في العالم؛ إذ بيعت عشرات الملايين من النسخ من مؤلفاته حول العالم، كما ترجمت مؤلفاته إلى لغات عدة. ويشتهر لاستبادر بأنه مؤلف عدد من الروايات التي استندت عليها أفلام هوليوودية شهيرة، أهمها روايتا «النينجا» و «جيسون بورن».
جميعهم رفضوا «النينجا»
عن «النينجا» (The Ninja) التي حققت نجاحاً غير مسبوق وقت إطلاقها العام 1979، ونقلت لاستبادر إلى قائمة الكتَّاب الأكثر مبيعاً في العالم، قال: «كان أمر طباعة هذا الكتاب صعباً للغاية، عرضنا الرواية على ما يصل إلى 18 دار نشر. جميعها رفضت، لأنها وجدت موضوعها غريباً».
وواصل «أخيراً وصلنا إلى دار نشر صغيرة هي إم ايفانز أند كو (M Evans & Co)؛ حيث أحبوا الرواية، لكن وكيل أعمالي أخبرني بأنهم لم يطبعوا أي قصة خيالية من قبل، وبأن روايتي ستكون أول رواية خيالية يطبعونها. ترددت بداية لكن حين التقيتهم، أخبروني بأنهم سينظمون حملة إعلانية ضخمة للكتاب، فوافقت. نجحت الحملة الإعلانية وحقق الكتاب نجاحاً غير مسبوق، بل إن الناشر أعطاني مبلغ 200 ألف دولار وكان ذلك مبلغاً ضخماً في العام 1979 وهو رقم غير مسبوق».
وعن اختياره للنينجا كموضوع لكتابته، على رغم غرابته في ذلك الوقت، قال: «نشأت على قراءة كتب الخيال العلمي وقصص الجواسيس، ولذا كان أمر الكتابة في هذا المجال أسهل بالنسبة لي، أما اختياري للنينجا فجاء بعد زيارتي لأحد المعارض في اليابان، هناك سمعتهم يتحدثون عن فن النينجا، وحينها تعرفت على هذا الفن ووجدته فناً مذهلاً، فاشتغل خيالي مباشرة، وقفزت في ذهني فكرة مثيرة حول نقل النينجا إلى نيويورك ومانهاتن، وجعلها تحدث فوضى في الشوارع الأميركية».
قضى لاستبادر شهور الصيف منكبَّاً على تأليف كتاب «النينجا» ذاك، وبعد انتهاء الصيف سلَّم مسوَّدته لوكيل أعماله الذي لم يكن لديه أدنى فكرة عن ماهية الكتاب، فعاد ليحدّثه بعد أسبوع وليخبره أن كتابه ذاك سيحقق نجاحاً هائلاً. يقول لاستبادر: «طلبت أن أقوم بعمل بعض التغييرات على الكتاب لكن وكيل أعمالي رفض وقال كلا سيحقق الكتاب مبيعات عالية، وبالفعل صدر الكتاب وتربَّع على عرش قائمة الكتب الأكثر مبيعاً عدَّة مرات».
أنا... لودلم... وأفلام «بورن»
في الوقت الذي حقَّق فيه لاستبادر نجاحه المذهل ذاك، كان هناك كاتب آخر ينافسه في تصدُّر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً. كان ذلك روبرت لودلم مؤلف كتاب «The Bourne Identity» . كان وكيل أعمال الاثنين (لاستبادر ولودلم) واحداً، جمعهما في حفلة ما في منزله العام 1980 وحدث لقاء تطوَّر إلى صداقة امتدت حتى آخر عمر لودلم الذي فارق الحياة العام 2002.
ويتذكَّر لاستبادر «أخبرني وكيل أعمالي أن لودلم يود لقائي، فاستغربت إذ لم يكن لودلم من النوع الذي يحب التعرف على الناس والاختلاط بهم؛ وخصوصاً إذا كانوا كتّاباً يحققون مبيعات كما يحقق هو. في ذلك اليوم وجدته جالساً لوحده، تعرَّفنا وتحدَّثنا طويلاً عن أمور كثيرة وعن تشابه شخصيات كتبنا. اكتشفنا حينها أننا نتشارك النظرة ذاتها، ونؤمن بنظرية المؤامرة، ونؤمن بأن الحكومات تتآمر كثيراً، واتضح بأننا محقان بهذا الشأن». وأضاف: «منذ ذلك اللقاء أصبحنا صديقين. لم تكن صداقتنا عادية ولم نلتقِ مرة أخرى أبداً، تحدَّثنا على الهاتف مرات قليلة؛ ولكنا كنا دائماً قريبين لبعض. حين توفي العام 2002 اتصل بي الوصي على أعماله وطلب منى مواصلة ما كتبه لودلم في سلسلة «بورن»، وتقديم جزء جديد من السلسلة».
وواصل «كان الوصي على أعمال لودلم واثق من أنني قادر على فعل ذلك باعتبار وجود أشياء مشتركة كثيرة بيننا. في البداية لم أكن متأكداً أنني سأوافق، ولكن بعد تفكير وجدت الفكرة التي يمكن أن أبدأ منها، بالطبع لم يكن لودلم مقرراً أن يكتب جزءاً ثانياً لـ «ورن آيدنتيني»؛ ولكن بعد النجاح الكبير الذي حقَّقه الكتاب، كتب «بورن سبرميسي» (The (Bourne Supremacy ثم جاء بعده (The Bourne Ultimatum)
لكنني حين أردت كتابة جزء جديد من الفيلم وجدت أنني يجب أن أتخلص من بعض شخصيات لودلم، مثل زوجة جيسون بورن وأطفاله، حتى أستطيع مواصلة العمل على الشخصية».
هوليوود أفسدت رواياتي
الجزء الجديد من السلسلة الذي كتبه لاستبادر، كان تحت عنوان «Jason Bourne»، وعن درجة اختلاف الفيلم عما جاء في الرواية، قال: «الدقائق الخمس الأولى فقط في أفلام بورن تشبه ما جاء في الكتب، أما الباقي فلا علاقة له بها. جزء من السبب يعود إلى أن الكتب تم شراؤها في الثمانينيات، وكان الوضع السياسي مختلفاً حينها، ولكن هناك سبباً يعود إلى أن كتّاب السيناريو في هوليوود لا يحبون أن يعيدوا كتابة عمل شخص آخر، وإذا فعلوا ذلك فإنهم يفسدون العمل».
ويضيف «الأمر الغريب بأنه لا يوجد شخص واحد أعرفه اشتكى من هذا الأمر، اشتكى البعض من أن الفيلم الأحدث لا علاقة له بكتابي، وأنهم منزعجون من الأمر لأنهم يعتقدون أن كتابي أفضل من الفيلم؛ لكن الحقيقة هي أن الفيلم لا يشبه كتابي بل إنهم لم يقوموا حتى بالاقتباس من كتابي». عن شخصيات رواياته، قال: «شخصيات رواياتي تفعل كل ما لم أكن قادراً على فعله في حياتي، وتمنحني شعوراً أفضل مع نفسي».
لا صيغة للرواية
أما عن الأعمدة الرئيسية للكتابة والصيغة الأفضل لكتابة رواية إثارة وتشويق، فقال: «أكره كلمة صيغة لأنها تجعل العملية تبدو ميكانيكية وهي ليست كذلك. الكثير من الناس يشعرون بالضياع عند بداية الكتابة ولا يعرفون كيف يبدؤون، وينطبق هذا الأمر على أي رواية من أي نوع وليست روايات التشويق والإثارة فقط. لكن الأمر الذي أود التأكيد عليه هو أن الشخصية الرئيسية في أي رواية أو عمل يجب ألَّا تكون كاملة منذ البداية. يجب أن يكون هناك جزء مهم مفقود من الشخصية، وأن يعتبر الكاتب كتابه بمثابة رحلة تقوم بها الشخصية وتنقلها من حالة عدم الاكتمال لأن تكون مكتملة لدى القارئ، وتجعله يشعر بالامتلاء وبأنه عرف شيئاً جديداً».
وضرب على ذلك مثالاً من كتابه «Black Heart» الذي صدر في العام 1983؛ إذ قال: «الشخصية في هذا الكتاب هي شخصية لاجئ كمبودي، والقصة تتحدَّث عن غزو أميركا غير القانوني لكمبوديا. بعد ستة أشهر من تداول الكتاب، تلقيت رسائل كثيرة من القراء، بعضها ممن قاتلوا في فيتنام ولم يعرفوا لماذا كانوا هناك؛ ولكن بعد قراءة كتابي فهموا كل شيء. كانت تلك أعظم اللحظات في حياتي، وحلماً لأي روائي أن يعرف أنه غيَّر حياة بعض الأشخاص، وذلك أيضاً أحد أسباب حبي للكتابة».
جون لينين تنبأ بمقتله
وعرج لاستبادر على علاقته بمغني البيتلز الشهير جون لينون، وتذكَّر حادثة جمعته بلينون وصديقه إلتون جون، وكان ذلك في ربيع العام 1974؛ حيث التقى الثلاثة في قلعة جون في فرنسا. في تلك الجلسة أبدى إلتون إعجابه بأغنية جديدة للينون وأخبره أنها ستحقق نجاحاً كبيراً وستصل إلى المركز الأول. لم يصدق لينون، فتراهن معه إلتون على أن يغنيها في حفلته التي سيقيمها في نوفمبر من ذلك العام في سكواير غاردن، إن صدق حدسه وصعدت إلى المركز الأول.
كسب إلتون الرهان، وحضرت معهما الحفلة التي سيغني فيها لينون، وبعد أن انتهى إلتون من فقرته، وفي فترة الاستراحة التي يفترض أن يغني بعدها لينون، ذهبت إلى الحمَّام، وهناك سمعت شخصاً مريضاً جدا في أحد الحمَّامات، وقلقت على الشخص بالداخل، وكنت أريد أن أعرف من هو، فانتظرت إلى حين خروجه من الحمَّام لأجد انه لينون نفسه وحين سألته عن شحوب لونه قال لي إنه خائف من الصعود على المسرح لأنه لم يفعل ذلك منذ مدة، طمأنته وارتقى المسرح وقدَّم أداء مذهلاً.
حال خروجنا من المسرح، وصعودنا السيارة من باب خلفي، تجمَّع حول سيارتنا مجموعة من الفتية وبدؤوا يتسلَّقون السيارة التي كانت تسير ببطء ويضربون الزجاج بأيديهم وكانت السيارة تهتز بسبب ذلك. كان الأمر مرعباً، وكان جون مرعوباً للغاية، وجدت بعدها أن جون كان يحمل خوفاً دائماً من أنه سيقتل؛ وكان هذا أحد الأسباب التي جعلته يتوقَّف عن تقديم العروض؛ إذ كان يخشى أن يطلق عليه أحد النار وهو على المسرح أو يطعنه. كان الأمر بالنسبة لي مزعجاً، أعرف أن هناك أشخاصاً كثيرين لديهم موهبة موسيقية؛ إلا أن شخصياتهم لا تطاق؛ لكن أن يحدث هذا مع جون لينون فهذا أمر صعب بالنسبة لي لأن جون هو المغني الأسطوري بالنسبة لي.