العدد 5181 - السبت 12 نوفمبر 2016م الموافق 12 صفر 1438هـ

أمين عام هيئة المحاسبة والمراجعة: معيار عالمي جديد يحل إحجام البنوك الإسلامية عن الذهب

إنجاز 96 معياراً للعمل المالي الإسلامي منذ انطلاق الهيئة في المنامة

أمين عام  هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية حامد ميرة في لقاء مع «الوسط»  - تصوير : عقيل الفردان
أمين عام هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية حامد ميرة في لقاء مع «الوسط» - تصوير : عقيل الفردان

ضاحية السيف - علي الفردان 

12 نوفمبر 2016

قال أمين عام هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي)، ومقرها المنامة، حامد ميرة، إن الهيئة بصدد إصدار أول معيار عالمي ينظم التعاملات بالذهب، بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، في مشروع كبير سيشكل نقلة نوعية في العمل المصرفي الإسلامي.

وقال ميرة في لقاء مع «الوسط»، إن المعيار الجديد والذي جرى مناقشة مسودته في عدد من العواصم الإسلامية، سيعالج إحجام البنوك والمؤسسات المالية في التعاملات في الذهب، إذ سيزيل المعيار اللبس والغموض الذي يكتنف تعاملات الذهب، لكي يتسنى من خلال تطبيق هذا المعايير التأكد من أن المعاملات في الذهب هي شرعية. وتنظم المعايير التي يصدرها «الأيوفي»، الذي بدأ أعماله من المنامة بعضوية بنوك مركزية ومؤسسات ومصارف من 45 دولة، بحيث يعتبر هذه المعايير بمثابة آلية تفصيلية تضمن إذا ما طبقت أن تكون المعاملات التي تقوم بها المؤسسات المالية هي معاملات «إسلامية» أو تكتسب صفة «الحلال». وقال ميرة إن الهيئة تعمل الآن بشكل متزامن على إصدار 20 معيارا جديدا في العمل المصرفي والمالي الإسلامي، منها معايير تتعلق بهيئات الرقابة الشرعية المركزية.

وفيما يلي نص اللقاء:

في البداية، هل لك أن تحدثنا عن الدواعي التي قادت إلى نشوء هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية «أيوفي» في المنامة؟

- الأيوفي أول منظمة دولية مهنية غير ربحية متخصصة في الصناعة المالية الإسلامية بما فيها البنوك ومؤسسات التمويل بمختلف أنواعها سواء الصغيرة أو المتناهية الصغر، والاستثمار إلى جانب شركات التأمين والتكافل، إلى جانب قضايا ذات العلاقة مثل الوقف.

تأسست «الأيوفي» العام 1991 في البحرين بمبادرة من الأطراف الفاعلة في الصناعة المالية الإسلامية من حول العالم، الأيوفي يدعمها حاليا ما يقارب 200 مؤسسة بين بنوك مركزية وهيئات إشرافية ورقابية، إلى جانب المؤسسات المالية الإسلامية من بنوك وشركات استثمار وشركات استثمار.

أعضاء الأيوفي حاليا 45 دولة حول العالم، الأيوفي أسست بهدف إصدار معايير التي تتعلق بالعمل المالي الإسلامي.

ما هي المعايير التي تصدرها «الأيوفي» وكم بلغ عددها؟

- حالياً الأيوفي تصدر المعايير في 5 مجالات، منها معايير المحاسبة ومعايير المراجعة ومعايير الحوكمة ومعايير أخلاقيات العمل.

«الأيوفي» أصدرت حتى الآن 95 معيارا، والآن نعمل على إنجاز مالا يقل عن 20 معيارا ولله الحمد.

نتحدث عن 25 سنة من عمل الأيوفي في إصدار المعايير، وبالعدد الذي ذكرته، هذا يظهر أن إصدار المعايير ربما يستغرق وقتا، هل لك أن تشرح لنا كيف تصدر هذه المعايير؟

- كل معيار يصدر يحتاج إلى 10 إلى 15 مرحلة مهنية دقيقة واحترافية، تبدأ من الدراسة المفصلة إلى اللجان التابعة ومجموعات العمل انطلاقا إلى المجالس الفنية التي فيها نخبة النخبة من الخبراء والعملاء حول العالم من مختلف التخصصات.

هناك 3 مجالس فنية، ومنها المجلس الشرعي المعني بإصدار المعايير الشرعية تضم 20 عالما من قرابة 14 دولة حول العالم، وهم ليس فقط من دول الخليج أو الدول العربية أو الدول الإسلامية، ولكن من جميع أنحاء العالم. فلدينا علماء يمثلون الأقليات من دول العالم مثل كندا وغيرها، وهم يمثلون جميع المذاهب المعتبرة في العالم الإسلامي.

هذا المجلس لديه 7 لجان تابعة في كوالالبمور في عمان والأردن وجدة ودبي والكويت وكراتشي، وهذه اللجان التابعة تعمل تحت المجلس الشرعي، إضافة إلى مجموعات العمل.

وعند إصدار مسودة المعيار يتم عقد جلسات اجتماع في أماكن مختلفة من العالم، ليحضرها الفقهاء والمصرفيون والقانونيون.

المجلس الثاني، هو المجلس المحاسبي، يضم 15 خبيرا محاسبيا معتمدا (تشارترد) من خلفيات مختلفة، من ضمنهم خبراء من الجهات الرقابية والإشرافية في المصارف المركزية وخبراء ومدراء ماليون من المؤسسات المالية الإسلامية، وخبراء من الهيئات المالية لإصدار المعايير المحاسبية من دول مختلفة، وخبراء يمثلون شركات المراجعة والتدقيق.

المجلس الثالث، هو مجلس الحوكمة والأخلاقيات، وهو معني بإصدار المعايير المتعلقة بالحوكمة والأخلاقيات تضم 15 خبيرا من حول العالم.

وهذا يتعلق بالجهد الفني للأيوفي، لكن هناك لدينا شهادتان فنيتان أو زمالتان مهنيتان، وهي شهادة المحاسب والمدقق الشرعي، وشهادة المحاسبة الإسلامية المعتمدة.

أعود بك للنقطة الأخيرة، بشأن الشهادات الاحترافية أو المهنية، بالتأكيد سمعت عن توجه مصرف البحرين المركزي لفرض تعيين مدققين خارجيين على تطبيق البنوك للمعايير الشرعية، وهناك مطالبات بأن يكون من يقوم بعمل التدقيق الخارجي مؤهل شرعياً، ما هي نظرتك في ذلك؟

- أعتقد أن سؤالك هو في غاية الدقة، هذه خطوة مهمة جداً وأخذت بها بعض البنوك المركزية في أماكن متعددة من العالم، على تأسيس أو الإلزام بالتدقيق الشرعي الخارجي، وأعتقد أن قضية الحوكمة مهم جداً، وأعتقد أنها ستؤدي دوراً إيجابياً مهماً في تعزيز حوكمة وجودة الصناعة المالية حول العالم. وبالمناسبة الأيوفي حالياً هي بصدد إصدار معيار حوكمة يتعلق بالتدقيق الشرعي الخارجي، وهذا ينسجم مع المبادرة التي أخذتها البحرين. حالياً، لدينا مسودة المعيار المتعلق بهذا الموضوع، تضم آلية التطبيق ومن يقوم بالتطبيق والأطراف ذات العلاقة وجميع ما يخص هذا الموضوع، وهو محل دراسة ونحن بصدد طرح هذا المعيار.

وعودة إلى الشهادة، من القضايا التي هي محل إشكال، من يقوم بأعمال التدقيق الخارجي، هل هم شركات التدقيق والتي قد تخفى عليها بعض القضايا الشرعية، قد لا يلزم أن يكونوا فقهاء أو مفتين، ولكن أعتقد أنهم يحتاجون إلى حد أدنى من المعرفة في القضايا الشرعية في المالية الإسلامية، وافتقادهم هذه المعرفة لن يساعدهم على أداء مهماتهم في التدقيق الشرعي الخارجي.

كان من أهم الحلول تعزيز شهادة المدقق الشرعي، لتأهيل متخصصين أو خبراء في التدقيق، ولهم الخلفية الشرعية أو أشخاص لهم خلفية شرعية جيدة، ويتم إعطاؤهم مهارات وآليات التدقيق سواء كان تدقيقا داخلياً أو خارجياً.

أعتقد أن هذه الشهادة ستعزز ما بدأته بعض البنوك المركزية في إلزام المصارف الإسلامية بالتدقيق الشرعي الخارجي، وهذا ما نرى أن دولا تتوجه إليه من بينها سلطنة عمان وباكستان والآن في البحرين.

يجري النقاش حالياً عن كيفية إنجاز البنوك لمعاملات إسلامية في الذهب مع وجود أحكام خاصة بالمعدن الأصفر، أنتم حالياً تعدون لورقة للتعامل مع هذا الموضوع، كيف سيعالج المعيار الجديد هذه المشكلة؟

- حقيقة معيار الذهب سيكون أول معيار عالمي في هذا المجال، وسيكون هذا المعيار في غاية الأهمية، الذهب يعتبر أحد أهم السلع الدولية، وقد كان الذهب مستودعا للثروة، كما يعد قناة استثمار مهمة، وحتى على المستوى الشخصي هناك الكثير من الأمور التي تتعلق بتعاملات الذهب كأداة استثمار.

الذهب أحد الأصول التي يمكن للمصارف الاستثمارية الاستثمار فيها، إلى جانب أن البنوك المركزية تتعامل مع الذهب كأحد موجوداتها، والذهب في نهاية المطاف يعتبر صناعة وسوقا متكاملة.

وجدنا أنه من الأهمية أن يكون للمالية الإسلامية صوت في مجال الذهب، ولذلك يلحظ أن هناك إحجاما أو ضعفا في الإقبال على الذهب من قبل المصارف الإسلامية والمستثمرين الذين يبحثون عن معاملات إسلامية؛ وسبب ذلك عدم وجود وضوح للآليات أو المنتجات التي هي قابلة للتطبيق شرعاً، وما هو الممنوع وما هو المحظور، وكيف يمكن أن نترجم القواعد الفقهية الموجودة في الفقه «التراثية» وتطبيقها على أرض الواقع، هناك مصطلحات شرعية مثل القبض والحيازة، وكيف يمكن أن نطبق هذه القواعد في واقع أسواق اليوم وآليات التخزين والتبادل والتداول.

أعتقد أن تطبيق هذا المعيار له دور مهم جداً، وأتوقع أن يكون له تأثير بالغ جداً على الصناعة المالية الإسلامية، مع توضيح الكثير من الجوانب التي كانت محل لبس فيما تتعلق بالذهب.

الأمر الإيجابي الثاني، أن هذا المعيار تم إعداده من خلال خبرة فقهية وخبرة فنية في المجال من خلال مجلس الذهب العالمي، شريكنا في إعداد هذا المعيار، وبناء على ذلك سيكون المعيار الشرعي مبنيا على التصور الواقعي والفني والحقيقي من أبرز جهة موجودة في الواقع العملي في هذا المجال.

متى تتوقعون أن يصدر معيار الذهب؟

- المعيار بدأ إعداده من نحو سنة، وهو مشروع ضخم جداً وسيشكل نقلة كبيرة، صرف فيه ما لا يقل عن 100 ساعة عمل من جلسات واجتماعات اللجان، والمجلس الشرعي أنفق 5 أيام عمل في عدة اجتماعات، عقدت له 3 جلسات استماع إحداها في عمان مع معهد الدراسات المصرفية التابعة للمصرف المركزي، وفي مصرف السودان المركزي، وجلسة عقدت قبل أيام في ماليزيا. فعندما نصدر معيارا نراعي مختلف دول العالم لكي يناسب المعيار مختلف الدول.

اللجنة الفرعية ستدرس الملاحظات والمقترحات، وقمنا بنشرنا مسودة المعيار على الموقع، واستلمنا مجموعة من الآراء والمقترحات حول العالم، إذ ستكون اللجنة المختصة بدراسة الموضوع قبل رفعه للمجلس الفني في الفترة من 17 إلى 20 نوفمبر/ تشرين الأول 2016، وبعد ذلك يتم إصدار المعيار قبل نهاية العام الجاري.

برأيك، ما هي أبرز التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية؟

- هناك عدة تحديات من أهمها إدارة السيولة، وتوفير البيئة التشريعية والقانونية الموائمة، وهذا ما نرى أن مملكة البحرين اتخذت فيه خطوات كبيرة، إلى جانب وجود تجانس في الصناعة، وذلك يأتي عبر المعايير والتي نعمل عليها في الأيوفي.

من التوصيات التي نراها، أن تعتمد الدول معايير الأيوفي وتطبق بشكل إلزامي على البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، وهذا سيخلق مستوى أفضل من المالية الإسلامية، وتكون هذه الصناعة أكثر احترافية، وتكون بشكل مؤسسي أكثر داخل هذه الدول، فمع اعتماد هذه المعايير يمكن للمستثمر البحريني مثلا شراء ورقة مالية من ماليزيا ويتداولها في الولايات المتحدة أو أوروبا، فاعتماد هذه المعايير على مستوى دولي سيعزز من قدرة واحترافية هذه الصناعة.

إذا تحدثنا على المستوى الدولي، هل معايير «الأيوفي» للصناعة المصرفية الإسلامية مطبقة؟

- الحمد لله، «الأيوفي» محل قبول عالمي وليس فقط على مستوى دول العالم الإسلامي، فأحد المؤشرات أن أعضاء الأيوفي موجودين في 45 دولة، وهي ليست دولا إسلامية فقط، لكن النقلة الإيجابية القادمة التي نحتاج إليها هي إلزامية التطبيق، فهناك بعض الدول تطلب تطبيق معايير الأيوفي إلزاميا، كما توجد منظمات مالية كبرى تطلب ذلك مثل البنك الإسلامي للتنمية الذي لديه أنشطة في مختلف أنحاء العالم، إذ يلزم البنك نفسه بتطبيق هذه المعايير.

وهدفنا تعزيز الدول التي تلزم بتطبيق معايير الأيوفي على المؤسسات المالية التي تعمل لديها، وهذا سيعزز من العمل المصرفي الإسلامي.

حديثك يقودنا إلى نقطة قد تكون محل جدل، وهي ما مدى تطبيق معايير الأيوفي على أرض الواقع؟ فهناك حديث أن كثيرا من المنتجات التي تسوق على أنها منتجات مالية إسلامية هي ليست كذلك بواقع الحال؟

- حقيقة، لكي تصل إلى المستوى الأمثل والذي يعزز حماية العملاء وحفظ حقوقهم، هو تطبيق معايير الأيوفي بشكل إلزامي، صحيح أن البنوك تقوم بتطبيق هذه المعايير، وهذا يؤدي دوراً جيداً، ولكن ليس بقدر ما إذا كان هناك إلزام من قبل الجهات الرقابية والتشريعية الحكومية، والذي يحقق ثقة أكبر للعملاء ومصداقية وحفظ حقوقهم. إذا كان البنك ملزما بتطبيق معيار دولي واضح وشفاف ومهني سيكون هذا أقوى لقبول العميل وكسب ثقته.

ولكن إذا كان هناك إلزامية فهذا يتطلب رقابة رسمية؟

- نعم، إذ أصبح التطبيق إلزامياً، فهذا سيكون جزءا من الدور الرقابي والإشرافي للبنوك المركزية، والتأكد منه، وهذا ما تقوم به البحرين وعدد من الدول التي تلزم البنوك بمعايير الأيوفي، ولذلك يعتبر الالتزام بالمعايير جزءا من دورها الرقابي.

هناك تجربة حالياً في المغرب بوجود مجلس شريعة إسلامية موحد لجميع البنوك، هل ترون أن ذلك ممكن تطبيقه؟

- هذا سؤال مهم، ولكن أجيب عن ذلك بشقين، الأول يتعلق بالتجربة المغربية... وأعتقد أنها تجربة ثرية ومهمة، والمغرب من آخر الدول التي انضمت إلى ركب الصناعة المالية الإسلامية، لكن في الحقيقة أعتقد أنهم درسوا بشكل مفصل مختلف التجارب في هذا المجال، وحاولوا البدء من حيث ما انتهى الآخرون. وكما أشرت، من التجليات، تأسيس لجنة تابعة للمجلس العلمي الأعلى لتكون أشبه بهيئة شرعية مركزية.

أنا أحيي هذا التجربة وأرجو لها التوفيق والنجاح، والأيوفي كانت سباقة إلى دعم هذه التجربة والشراكة معها، فالبنك المركزي المغربي هو عضو في أيوفي الآن بصفة رسمية، وكذلك العلاقة مع الجهات البحثية والمهنية والفنية معززة وعلى مستوى رفيع.

فيما يتعلق بهل ترى أيوفي أهمية بما يسمى بالهيئات الشرعية المركزية... فنحن نرى أنه إيجابي، وبادرنا من خلال مجلس الحوكمة والأخلاقيات بإعداد مسودة معيار بالهيئات الشرعية المركزية تبحث عن جميع الأسئلة.

والرأي الأولي هو أن هذا الهيئات لا ينبغي لها أن تلغي الهيئات الداخلية في البنوك، هذا المعيار سيساهم في تطوير هذا المفهوم الذي ينقل الصناعة بشكل أفضل.

العدد 5181 - السبت 12 نوفمبر 2016م الموافق 12 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً