إن فكرة أن تكون مملكة البحرين دائرة انتخابية واحدة ليست من بنات أفكاري وإنما اقترحها النائب الكويتي مسلم البراك، ولأني وجدت فيها مميزات كثيرة وددت أن أطرحها على بساط البحث والعمل على مدى إمكان العمل بها إن عاجلا أو آجلا. وأرى أنه مازال هناك متسع من الوقت لكي تُناقش هذه الفكرة.
في تاريخ 21أغسطس/آب 2002 صدر عن عظمة الملك مرسوم بشأن تحديد الدوائر الانتخابية وتم بموجبه تحديد الدوائر الانتخابية بأربعين دائرة موزعة على المحافظات الخمس. ونالت المحافظة الوسطى والمحافظة الشمالية تسع دوائر انتخابية لكل واحدة منهما، أما محافظة المحرق ومحافظة العاصمة فقد نالت كل منهما ثماني دوائر، وانفردت المحافظة الجنوبية بست دوائر. وجاء هذا التوزيع بناء على اعتبارات أخذت في الحسبان الكثافة السكانية والثقل الاقتصادي وغيرهما من الأسباب، ونال هذا التقسيم بعض الرضا.
وقبل أن يصدر مرسوم تحديد الدوائر الانتخابية كثُر اللغط وكثرت الانتقادات عن الكيفية التي ستتوزع على أساسها الدوائر الانتخابية بناء على ما حدث في توزيع دوائر المجالس البلدية، إذ لم تأخذ في الحسبان ـ حينذاك ـ الكثافة السكانية والتوزيع الجغرافي. ولكن وبعدما صدر المرسوم المتعلق بتحديد الدوائر الانتخابية للمجلس النيابي آخذا في الاعتبار ـ إلى حد ما ـ النمو الديمغرافي والتوزيع السكاني والمساحة الجغرافية، رضا البعض عن هذا التوزيع، ولم يرَ البعض الآخر في التوزيع إنصافا يُذكر، لأن بعض الدوائر الانتخابية توجد فيها كثافة سكانية أكبر من غيرها بحيث إن بعض النواب يمثلون ما مجموعه الضعف، في حين أن بعض الدوائر الانتخابية يمثل النائب فيها ما مجموعه النصف. وهذا لا يستقيم والتوزيع الديمغرافي المنطقي.
وبما أن مملكة البحرين مملكة صغيرة جغرافيا وديمغرافيا فمن الممكن جدا أن تكون كلها دائرة انتخابية واحدة، ولا يمنع ذلك صدور قانون مباشرة الحقوق السياسية، فهذا القانون يمكن تعديله وتطويعه لكي ينسجم وفكرة الدائرة الواحدة.
إن الأخذ بفكرة الدائرة الانتخابية الواحدة سيعمل على تذويب الطائفية والقبلية وسيلغي الفوارق والمحسوبية والرشاوى وشراء الأصوات، ولن يستطيع أحد بعد ذلك أن يلعب على الطائفية أو القبلية أو يدق إسفينا بشأنها. ثم لا يستطيع أحد أن يشتري الأصوات، لأنه لا يمكن له أن يفعل ذلك على مستوى المملكة. وستقضي هذه الفكرة من جهة ثانية على اللغط الدائر الآن حول توزيع الدوائر الانتخابية، إذ أن بعضها أكثر كثافة من غيرها وهذا يشير إلى عدم عدالة في توزيع الناخبين المسجلين في مختلف الدوائر، وهذا يؤدي وبكل سهولة إلى التأثير على الناخبين بأساليب عديدة نتيجة لانحصارهم في دوائرهم، وبالتالي يتقيد اختيارهم بالمترشحين الذين رشحوا أنفسهم في هذه الدائرة. وقد يكون المرشح في هذه الدائرة غير كفوء وغير جدير بتمثيل الشعب، في حين أنه قد يكون هناك مترشح آخر صالح في دائرة أخرى لا يستطيع الناخبون التصويت له. فالدائرة الانتخابية الواحدة ستقضي على حصر الاختيار وتجعله مُشاعا بين الناخبين، ومن سيطفو إلى السطح هو المرشح الأصلح والأقوى، ويصبح أعضاء المجلس على قدر كبير من الكفاءة والمعرفة.
وهذا الاقتراح يجد سنده في الفقرة (أ) من المادة (89) من دستور 2002 إذ نصّت على أن (عضو كل من مجلس الشورى ومجلس النواب يمثل الشعب بأسره)، فهذه المادة تلغي حواجز الدوائر وتعطي الحق للناخب في أن يختار أصلح المترشحين وفي أية محافظة كانت وبما يراه هو شخصيا وبما يعتقد أنه جدير بثقته. ومن ناحية أخرى فهذه المادة تعني وبكل وضوح أن النائب يمثّل الشعب بأسره، أي جميعه، وهو المسئول والأمين على رعاية المصالح العامة للمملكة كلها وليس في حدود ونطاق دائرته الانتخابية كما يتخيل البعض. وحتى الآن في ظل توزيع الدوائر الانتخابية وتعددها فإنه عندما يتقلد المترشح صفة نائب فإنه في هذه الحال لا يمثل دائرته الانتخابية وحدها وإنما يمثل الشعب بأسره ويعمل على رفعة وسمعة الوطن ويدافع عن مقدراته.
وعلى هذا وفي حال تطبيق مثل هذا القانون يمنح الناخب متسعا من الاختيار في إعطاء صوته بحيث يصوّت لأربعة مترشحين، أي ما نسبته 10 في المئة من مجموع أعضاء المجلس النيابي، ولا يجوز له أن يختار أكثر من أربعة، وفي حال إعطاء صوته لأكثر من أربعة مترشحين تعتبر الأصوات ـ في هذه الحال ـ كلها باطلة وتُلغى ورقته.
وحتى يستقيم نظام الدائرة الواحدة ويتم تنسيق أوضاعه وترتيباته في يسر وسهولة، من دون تعقيد أو إطالة في العملية الانتخابية فلابد أن يكون انتخاب أعضاء المجلس النيابي وفوزهم بالغالبية النسبية وأن يعتبر فائزا في الاقتراع أول أربعين نائبا حصلوا على أكبر عدد من الأصوات الصحيحة التي أعطيت لهم، فإذا حصل اثنان أو أكثر على أصوات صحيحة متساوية للعضو رقم أربعين، أي تنافس أكثر من مترشح على عضوية المجلس النيابي على المركز الأخير، اقترعت لجنة الانتخاب بينهم ويفوز بالعضوية من تعينه القرعة.
ونخلص مما تقدم إلى تبّني أن تكون مملكة البحرين دائرة انتخابية واحدة أكثر انسجاما وتلبية للمطالب. كما أن هذا الاقتراح يكون سدا لباب الانتقادات المتكررة، كما أنه يفرز النائب الأصلح، ويصبح لدينا مجلس نيابي قوي
العدد 22 - الجمعة 27 سبتمبر 2002م الموافق 20 رجب 1423هـ