العدد 22 - الجمعة 27 سبتمبر 2002م الموافق 20 رجب 1423هـ

28 سبتمبر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

28 سبتمبر/ أيلول يحمل أكثر من ذكرى. في هذا اليوم من 1970 رحل «العملاق الأسمر» جمال عبدالناصر حاملا معه الأحلام العاصفة. فأحلام عبدالناصر آنذاك لخصت تطلعات الأجيال العربية من المحيط إلى الخليج وتجمعت في بعض الأفكار العامة وكانت كافية على قلتها لإشعال ذكريات التاريخ. فاجتمعت الأمة، كما لم تجتمع من قبل، على تلك الأحلام البسيطة (الاستقلال، الوحدة، العدالة الاجتماعية). وعلى رغم قلة الأحلام وبديهيتها كانت كافية لدب الحماس في قلوب الجماهير العربية. إلا ان تلك القلوب انكسرت مرارا أمام الواقع وتعقيداته، والظروف القاسية التي خاطبت العقول قبل القلوب.

رحل عبدالناصر في هذا اليوم، وجاء رحيله في شهر كان من أصعب الشهور التي مرت عليه. ففي سبتمبر 1970 وافق على مشروع روجرز (الأميركي) الذي اشترط وقف حرب الاستنزاف على قناة السويس. عبدالناصر وجد في المشروع فرصة للتركيز مجددا على بناء الجبهة الداخلية، والحد من غارات التدمير الشامل على مدن القناة... والمشروع كان يمثل بالنسبة إليه خطوة سياسية لتجهيز القوات المصرية وخوض حرب فاصلة تسترد فيها مصر كرامتها بعد هزيمة منكرة في يونيو/ حزيران 1967.

وفي ذلك الشهر (سبتمبر) اندلعت معارك (أيلول) في الأردن بين النظام الذي وجد في موافقة عبدالناصر على مشروع روجرز خطوة تصب في استراتيجيته وبين المقاومة الفلسطينية التي رأت في الموافقة بداية تخلي عبدالناصر عن القضية ومشروع تحرير فلسطين. وكانت المعارك بين قوتين عربيتين على أرض عربية. فتحرك عبدالناصر ودعا إلى قمة عربية في القاهرة. وفي نهاية القمة توفي «العملاق الأسمر» والأمة في حال ذهول من محيطها إلى خليجها.

لم تذهب الأحلام مع رحيله ولكنها تحولت عند البعض إلى كوابيس والبعض الآخر إلى مشروعات أكثر واقعية (براغماتية). فبعد عبدالناصر انتهت حقبة وبدأت أخرى. وحين اندلعت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 تذكرت الأمة عبدالناصر. ففي ذلك الشهر استردت الأمة بعض كرامتها وتذكرت قول عبدالناصر بعد هزيمة يونيو «لقد خسرنا معركة ولم نخسر الحرب».

في العام 2000 اختار آرييل شارون هذا اليوم (28 سبتمبر) ذكرى رحيل عبدالناصر للدخول إلى المسجد الأقصى متحديا المشاعر العربية والإسلامية. دخل شارون المسجد بتغطية من حكومة ايهود باراك الإسرائيلية. كان القرار شديد الوضوح، كذلك اختيار مناسبة الرحيل لاستفزاز كل المشاعر الإسلامية والعربية والوطنية. وجاء الرد الفلسطيني على المستوى نفسه: اندلاع الانتفاضة الثانية وهي لاتزال مستمرة إلى الآن على رغم الدمار والخراب والحصار الذي ضرب الشعب الفلسطيني وقيادته منذ حوالي السنتين.

قرأ شارون التاريخ جيدا واختار يوم 28 سبتمبر ليكون بداية الرد الصهيوني على كل المساومات واللقاءات والاتفاقات التي وقعتها الحكومات الإسرائيلية مع منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام 1990.

اعتبر شارون ان «إسرائيل» قدمت الكثير وعليها ان تقوم بهجوم معاكس لاسترداد بعض ذاك الكثير. وأهمه هو ان قوات منظمة التحرير انتقلت من المنفى (الشتات العربي) وتجمعت في نقطتين: القسم الأكبر من قطاع غزة وبعض الضفة الغربية. وبرأي شارون (وربعه) هذه خطوة استراتيجية خطيرة يجب كسرها قبل ان تتحول من خطوة أولى إلى ألف ميل.

قبل 30 سنة اجتمع قادة العرب في القاهرة برعاية عبدالناصر لوقف الاقتتال الأهلي في الأردن بين الجيش والمقاومة. والآن وبعد ثلاثة عقود يلتقي القادة العرب في الأمم المتحدة لوقف الحرب (أو العدوان الإسرائيلي) على السلطة في أجزاء من فلسطين المحتلة.

... لقد حصل التحول. وبرأي شارون وربعه ان هذه الخطوة ليست بسيطة في المعنى التاريخي للصراع. سابقا كانت الحرب الفلسطينية تجري في الأراضي العربية أما اليوم فإنها تقع على الأرض الفلسطينية.

حمل شارون في دخوله المسجد الأقصى في 28 سبتمبر أكثر من رسالة إلى القيادة الفلسطينية ومن خلالها إلى القيادة العربية، وهي: انتهى عهد التنازلات الإسرائيلية ولابد من إعادة صوغ العلاقات وفق صيغة الغالب والمغلوب. إسرائيل انتصرت والدول العربية انهزمت، وغير هذا فالحرب هي الفيصل بين إسرائيل والعرب.

اختار شارون 28 سبتمبر ليعلن الحرب على العرب من خلال تدمير الشعب الفلسطيني وأحلامه بالاستقلال والوحدة والعدالة. وكل هذا حصل قبل وصول صقور الحزب الجمهوري إلى البيت الأبيض وتحكم مثلث الشر (تشيني، رامسفيلد، رايس) بقرار الدولة الأولى في العالم. وهذا حصل قبل شهور من بدء الهجوم المعاكس للولايات المتحدة على أوروبا وروسيا والصين وهو هجوم أميركي كان يتوقع القليل من التأييد إلا ان ضربة 11 سبتمبر اعطته الكثير من المبررات والذرائع لاستكمال الحرب الكبرى... ومعها حرب شارون الصغرى على الفلسطينيين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 22 - الجمعة 27 سبتمبر 2002م الموافق 20 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً