أكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن الأسرة والبيت منبع السعادة والهناء، ومحضن الأولاد، وفيه الراحة والصفاء وقرة العين بالزوجة والأولاد، لافتاً إلى أن المشكلات الزوجية التي يعاني منها الأزواج تُحل بالتسامح وغفران الإساءة، وبتذكر كل واحد حسنات الآخر.
وفي خطبته أمس الجمعة (11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، أوضح القطان أنه «إذا حصلت المشكلات بين الزوجين، فلا بد من التسامح، وأن يغفر كل واحد منهما إساءة الآخر له، وأن يتذكر حسناته ومميزاته، ويجب أن تكون المناقشة بينهما دون الأولاد؛ حتى لا يتأثروا بذلك، وينبغي عليهما ألا يسمحا بتدخل أحد بينهما مهما كانت المبررات؛ لأن هذا بداية تزلزل الأسرة وانهيارها، فإذا تمسك كل واحد منهما برأيه، فلا بد من عرض الأمر على غيرهم ممن يتوسم فيهم الخير والصلاح من باب النصح والمشورة، لا من باب الشكوى، وليحرص كل منهما على المعاشرة بالمعروف، وليعلما أن الدنيا دار ممر لا قرار فيها، فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد».
خطبة القطان التي ركز فيها على المشكلات الزوجية، قال فيها: «إن الزواج نعمة من الله عظيمة، ومنّة جليلة، ففيه السكن والراحة، والمودة والرحمة، وفيه السعادة والهناء، والراحة والصفاء، وفيه قرة العين بالزوجة والأولاد، وفيه أجرٌ عظيم، وثواب جزيل لمن أصلح نيَّته، وأطاع ربَّه في أهله وذُريَّته، وقد علم الله تعالى ضعفنا وحاجتنا فشرعه لنا، فله الحمد أولاً وآخراً، وظاهراً وباطنًاً».
وخاطب الزوجين الكريمين قائلاً «إن العلاقة الزوجية إذا بنيت على أساس الإيمان والتقوى، والمحبة والرحمة والمودة، فلا خوف عليها إطلاقًاً ولا خطر، وإن وقع بين الزوجين خلاف، فإنه يُفضُّ بالتفاهم بلا تفاقم؛ وذلك لأن القلب المحب يتحمل الإساءة، ويصبر على صاحبها، ومعلوم أن الحياة الزوجية لا تخلو من خلاف ونكد، ولولا صبر الزوجين وتحملهما بعد توفيق الله تعالى لما عاش زوجان حياتهما معاً».
وبيّن أن «البيت السعيد هو الذي يجد فيه الرجل راحته، وينال فيه سعادته، ويشعر بالأمن والطمأنينة، والسعادة والسكينة، ففيه الزوجة الصالحة الحنون، وفيه الأبناء والذرية الصالحة التي تقرّ لها عينه، وتكون عوناً له وسنداً على الطاعة، وطريقاً إلى القرار في دار السعادة، وهي الذخر له في الحياة وبعد الممات عندما يقف بين يدي ربه، فيرى حسنات لم يعملها، فيقول: ربِّ من أين لي هذه؟ فيقال له: باستغفار ولدك لك».
وأردف قائلاً «ما أعظم هذه النعمة التي امتن الله بها علينا، ولكن للأسف الشديد ظهر في مجتمعات المسلمين مشكلات كثيرة بين الأزواج والزوجات، وساءت العشرة بينهم بسبب جهلهم بالدين وأحكامه وتعاليمه، وتخليهم عن هدي الرسول (ص) وأخلاقه، فكثرت الخلافات الزوجية، وفقد الأزواج نعمة الله عليهم بالمودة والرحمة، وحلت مكانها العداوة والبغضاء، وعشعشت في البيوت كثير من الأدواء، حتى صار البعض من الأزواج والزوجات، يتمنَّى ألا يرى الآخر، لكي ينال الراحة والهناء، وما كان ذلك ليحدث، إلا بسبب غياب الوازع الإيماني، الذي يضفي السعادة على حياتهما».
وأكد أن «الأسرة والبيت محضن الأولاد ومنبتهم، فيه السعادة والراحة لهم، وفيه التربية والتوجيه، وفيه الألفة والمحبة، فإذا كان الزوجان على دين وخُلُق، رفرفت السكينة على البيت، وعمَّت الطمأنينة أركانه، فحسن التعامل بين الوالدين يعود على البيت بكل خير، وهذا لا يتحقق إلا بالإيمان الصادق والعمل الصالح الخالص لوجه الله تعالى، وحسن التعامل بينهما».
ولفت إلى أن «الإسلام رغّب في الإبقاء على الحياة الزوجية ونهى عن كل ما يكدر صفوها أو يعكر عليها».
وتساءل «كم سمعنا عن المشكلات التي تحدث بين بعض الأزواج والزوجات بسبب سوء خلقه، ومعاملته القاسية، وقد يجرحها، وقد يضربها، وقد يؤذيها في أهلها، وهنا يفرح الشيطان فيتدخل للإفساد بينهما، ويتسبب في الطلاق الذي يبغضه الله تعالى، فلماذا تحدث هذه الخلافات؟ ولماذا يحدث الطلاق؟».
وتحدث القطان أن بعض السلبيات في البيوت بين الزوجين، مبيناً أن «من أخطاء بعض الأزواج مع زوجته كما هو ملاحظ في حياتنا الاجتماعية وفي المحاكم الشرعية، ما يلي: قلة الحرص من الزوج على التوفيق بين الزوجة والوالدين، ومنها: شكه في زوجته، وإساءة الظن بها، بل ربما اتهمها في عرضها، أو اتهمها أنها تسرق من ماله، ومنها: استهانة الزوج بزوجته، فلا يعتد بكلامها، ولا يستشيرها في أي أمر من الأمور، بل ويحتقرها بين أبنائها، وقد يقوم بذم أهلها والإساءة إليهم لأدنى خلاف معها».
ونبّه إلى أن «من الأخطاء أكل الزوج مال زوجته بالباطل، والاستيلاء على مرتبها إذا كانت موظفة، فربما تكون زوجته مدرسة، أو تكون قد ورثت مالاً فيهددها بالطلاق إن لم تعطه»، محذراً من «عدم حرص الزوج على تعليم زوجته أمر دينها، بل ربما يأتي لها من الملهيات بما يشغلها عن طاعة ربها، ويحسب أنه يحسن صنعاً».
وتابع «من الأخطاء أيضاً، تقتير الزوج وبخله على زوجته، أو التقصير في الإنفاق عليها مع شدة حاجتها وقدرة الزوج ويساره، ومنها: كثرة اللوم والانتقاد لها، فلا تكاد تخلو جلسة بينهما من ذلك».
كما حذر القطان من خطأ «كثرة خصومة الزوج مع زوجته، فعلى أتفه الأسباب تجده يخاصمها ويقاطعها أياماً»، مشيراً إلى أنه «إذا هجر الزوج زوجته لسبب شرعي، طالت المقاطعة عن الحد المشروع، فيزداد الشقاق بينهما ويقسو القلب ويتعذر الإصلاح بينهما».
ورأى أن من الأخطاء «كثرة الجلوس مع أصدقائه، وبعض الرجال يطول وقته في عمله، فيرجع لبيته تعباً مهدود القوى، فيتسبب ذلك في إهمال زوجته وأولاده، ذلك إلى جانب إساءة العشرة مع زوجته، فلا يراعي مشاعرها، ولا يبالي في إيذائها».
وشدد على خطأ «ضرب الزوج لزوجته ضرباً مبرحاً، وكأنه يضرب حيواناً، فيسومها سوء العذاب عند أتفه الأسباب. ومنها: الحيف والظلم في معاملته زوجاته إذا كان متزوجاً بأكثر من امرأة، فلا يلتزم بالعدل، ولا يقوم بما أمره الله به».
وقال إن من الأخطاء أيضاً «الاستعجال في شأن الطلاق، فيلقي كلمات الطلاق جزافًاً كأنها كلمات سهلة ميسورة».
أما عن أخطاء بعض الزوجات، فذكر منها «عدم مراعاة الزوجة لوالدي زوجها، فمن إكرام الزوج إكرام والديه، وتبذلها، وقلة تجملها لزوجها، فلا تراعي حقه في التمتع بمظهرها ولباسها، وأن تكون الزوجة كثيرة التسخط، قليلة الحمد والشكر، فاقدة لخلق القناعة، غير راضية بما آتاها الله من خير، وأن تمن الزوجة على زوجها في خدمته والقيام على رعايته، وأيضاً المنَّ عليه بمالها إن أعطته منه شيئاً كثيراً كان أو قليلاً».
وأوضح أن من أخطاء بعض الزوجات «عدم مراعاة مكانة الزوج ووضعه الاجتماعي، مثل كون الزوج مهتماً بشئون الناس، قاضياً لحوائجهم، أو كان ممن يطلب العلم، ويحب القراءة والكتابة فتتضجر لذلك، وتكثر عليه من الملامة، ومسارعة الزوجة بإخبار أهلها أو الآخرين بمشكلات البيت حتى ولو كانت صغيرة».
كما نبه القطان إلى خطأ «إرهاق الزوجة لزوجها بكثرة الطلبات دون مراعاة لأوضاعه المادية». وحذر من أن «تتمرد الزوجة على زوجها إذا علمت أنه يحبها، فلا تلبي له طلباً إلا إذا نفذ مطالبها، وأن تمتنع عن فراش زوجها إذا دعاها للفراش بحجة أنها مرهقة، أو مشغولة بشيء آخر». وقال: «جِمَاعُ الأمر في منع وقوع الخلافات والمشكلات الزوجية، وحلِّها بعد وقوعها، الالتزام بتعاليم الإسلام ومعرفة الأحكام الشرعية، والتذكير بحق الطرفين، ورضا كل طرف بما قسم الله له، والصبرُ على شريك الحياة، ورباطة الجأش، ومقابلة الإساءة بالإحسان، وهذه مرتبةٌ عزيزة، لا يستطيعها إلا القويُّ الذي مَلَكَ نفسَه وسيطر عليها، فالقوةُ الحقيقية هي السيطرة على النفس مع شدة الغضب».
وأكد أنه «لو علم كل من الزوجين حق الآخر عليه، وعمل ما في وسعه؛ لإرضائه ابتغاء وجه الله، لنالا سعادة الدنيا والآخرة». وأشار إلى أن الزوجين لهما وعليهما حقوق، ومن هذه الحقوق التي يجب معرفتها، حق الزوج على زوجته؛ فقد قال الرسول (ص) «الدنيا متاعٌ، وخير متاعها المرأة الصالحة»، مبيناً أن المرأة الصالحة هي التي تراعي حق الله تعالى في المقام الأول ثم حق زوجها، ومن صفاتها محبة زوجها وأهله وأولادها، وصلة الأرحام، وعيادة المريض، وأن يكون همها صلاح شأنها، وتدبير بيتها، وتربية أولادها، وهناءة أسرتها، قانعة بما قسمه الله تعالى لها من الرزق، وعليها أن تقدم حق زوجها على حق نفسها وأقاربها، ولا يجوز لها أن تمنعه حقه الشرعي إذا رغب في معاشرتها إلا في أيام حيضها ونفاسها، وأن تكون عوناً له على طاعة الله وأن تلتزم بأوامر ربها وهدي نبيها صلَّى الله عليه وسلَّم، ففي ذلك الخير كله. وذكر أن «حق الزوجة على زوجها: فبإحسان المعاملة لها، وأن يحتمل الأذى منها، ويحلم عليها، ويرفق بها، وأن يلاعبها ويداعبها ويمازحها، وأن يكون غيوراً عليها، وأن ينفق عليها بالمعروف، وأن يعدل بينها وبين زوجاته، إن كان له أكثر من زوجة، وأن يؤدبها بالرفق والوعظ والنصيحة، إذا نشزت وأفسدت لحملها على الطاعة والاستقامة، ولكن بتدرُّج كما أمر الشارع الحكيم، وأن يحرص على إحصانها وإعفافها، وألا يهينها بسبٍ أو تحقيرٍ أو تقبيحٍ أو ضرب».
العدد 5180 - الجمعة 11 نوفمبر 2016م الموافق 11 صفر 1438هـ